استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأزمة السودانية بين مبادرة الجامعة ورسالة الجيش

السبت 2 فبراير 2019 10:02 ص

  • طغى على المشهد إصرار قيادة النظام على عدم التجاوب مع أصوات الاحتجاج
  • النظام هو أساس البلاء، والمسؤول عن كل المعاناة والظلم والفساد الذي أنقض ظهر الخلق.
  • على أهل الحل والعقد في القوات المسلحة أن يسارعوا إلى النأي بها عما صدر من تصريحات تسيء إليها.

أعاد أساتذة جامعة الخرطوم، قبل أيام، التذكير بالمبادرة التي أطلقتها طائفة منهم مطلع الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني) لمعالجة الأزمة السياسية الراهنة في السودان، وشملت مقترحات لانتقال سلمي للسلطة.

كان ذلك في مؤتمر صحافي، تلته وقفة احتجاجية، لتسليط الضوء على تلك المبادرة التي كان محورها وثيقة تجاوز عدد الموقعين عليها الخمسمائة من الجامعة ومن خارجها في نهاية الأسبوع الماضي.

وكان مما اقترحته المذكرة بناء هيكل انتقالي، يقود البلاد نحو التحول الديمقراطي، تم تحديد بعض ملامحه (مجلس رئاسي يعين حكومة) ومدته (أربع سنوات)، وبعض سياساته (إجراءات العدالة الانتقالية ومحاربة الفساد، وتوقيت بعض المراحل الانتخابية).

هذه المبادرة خطوة طيبة إلى الأمام، خصوصا في ظل الاستقطاب الحاد الذي فرض نفسه، بين دعوات استئصالية ضد الخصوم في صفوف قيادات الاحتجاج، ومناداة بتسليم السلطة بدون قيد أو شرط (كما يشير إلى ذلك شعار "تسقط بس")، وموقف لا يقل تصلبا من النظام.

فقد طغى على المشهد إصرار قيادة النظام على عدم التجاوب مع أصوات الاحتجاج، واستخفافها بموجة الاحتجاجات والتهوين من شأنها، وعدم تقديم أي مبادرة سياسية تأخذ في الاعتبار أن الكيل فاض بالناس، ولم يعودوا يحتملون تفرده بالسلطة، تحديدا بسبب هذا الصمم السياسي.

من هنا، جاء التطلع إلى صوت معتدل، يحظى باحترام الطرفين، ويقدم أطروحات تجسر الهوة بينهما. ولا شك أن جامعة الخرطوم، بحكم تاريخها وموقعها، مؤهلة لذلك، خصوصا حين يتبلور إجماع بين هذا العدد الكبير من أساتذتها ومن ساندهم.

ولكن التأمل في نص المبادرة يرى أنها ركزت على هياكل الحكم الانتقالي، بدون التطرق إلى آليات للتوافق عليها، فكأن الافتراض هو أن تتبخر الحكومة في الجو، ثم تنزل ملائكة من السماء لتسمي مؤسسات دستورية جديدة غير منتخبة، ترتضيها الأطراف المختلفة لقيادة الفترة الانتقالية.

وقد زادت طريقة عرض هذه الآراء عبر تظاهرة للأساتذة، غلبت عليها شعارات "تسقط بس"، من إشكالية هذه الوضع، فقد تحولت المبادرة إلى فصيل آخر من فصائل الثورة، يعضد أو ينافس دور تجمع المهنيين السودانيين الذي ظل يقود الحراك مع شركاء حزبيين.

وقد شهدت الفترة نفسها فجيعة في مؤسسة أخرى، كان ينتظر أن تلعب دورا محوريا في تجنيب البلاد الكارثة، بعد أن سكتت المؤسسة العسكرية دهرا، ثم نطقت هجرا.

وكان الشارع السوداني تجاهل بيانا صدر باسم القوات المسلحة في بداية الحراك، أكد وقوفها إلى جانب النظام، فالقوات المسلحة ليست حزبا، ونطق قيادتها باسمها هو ترداد لمقولات النظام الحاكم. ولا يتوقع منها غير ذلك.

لكن الجديد في الرسالة التي وردت منها، الأسبوع الماضي، في خطابات رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع، كانت أشبه بخطاب نقابي - حزبي منها بخطاب يليق بجهاز يسمي نفسه قوات الشعب المسلحة، ويفترض أن تكون مهمته هي حماية الشعب كله من أي خطر يعم شره، والتوفيق بين المتقاتلين من طوائف الشعب، لا الدخول طرفا في صراعاتهم.

عبر خطاب القيادة عن غضب مما تعرض له الجيش من انتقادات، شملت اتهامات للقوات المسلحة بالتقاعس عن حماية المدنيين من بطش أجهزة النظام، وسخرية من دوره.

بل إن بعضهم طالب باكتتاب لجمع المال، لتحفيز الجيش على الدفاع عن الشعب، في تعريض لا يخلو من قسوة وتجن بأن بعض قطاعات الجيش تقاتل خارج البلاد لقاء أجر معلوم.

وقد هدد قادة الجيش في لقائهم ذاك بملاحقة قانونية لمن كانوا وراء هذه الإساءات، وزادوا فاتهموا من يقف وراء التظاهرات بأنهم من "شذاذ الآفاق"، وأنهم "ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته أمام العالم". وأضاف القادة أنهم لن يسلموا البلاد أبدا لهؤلاء، ولن يسمحوا بسقوط الدولة.

ولو صحت نسبة هذه التصريحات (وقد جاءت عبر مصادر رسمية)، فإنها تمثل إعلان حرب من الجيش ضد المتظاهرين، الذين يظهر كل يوم أنهم يمثلون غالبية الشعب السوداني، في وقت فقد النظام فيه شرعيته إلا قليلا.

فقد تعمدت القناعة، بغض النظر عن سندها، بأن النظام هو أساس البلاء، والمسؤول عن كل المعاناة والظلم والفساد الذي أنقض ظهر الخلق، ودمر حاضر البلاد وهدد مستقبلها، وقتل الآمال إلا في رحيل النظام.

وبالتالي، فإن اتخاذ هذا الموقف يضع الجيش في حالة حرب مع الشعب، ووضع دفاع عن نظام تسود القناعة، حتى وسط غالبية ضباط الجيش، بأنه فاسد فاشل عاجز. ولا شك أن هذه معركة خاسرة، قبل أن تبدأ، ولا تليق بجيش وطني، لأنها دفاع عن الباطل ضد طلاب حق.

وقد كان الأولى بالجيش أن يوجه رسالة صارمة لقيادة النظام بأن تصلح من شأنها، وتقطع دابر الفساد والمفسدين، وتولي الأمر لأهل الكفاءة والنزاهة، كشرط للدفاع عنه.

وما لم يقع ذلك، فإن أضعف الإيمان، إذا كان الجيش يعتقد فعلا أن سقوط النظام يعني تولي "شذاذ الآفاق" الأمر، هو أن يقوم بنفسه بإزاحة النظام العاجز، وقيادة مرحلة انتقالية تعيد السلطة إلى الشعب، كما فعل المشير سوار الذهب (رحمه الله) وصحبه.

فقد رأى أولئك أن الحكمة، كل الحكمة، في أن يربأ الجيش بنفسه عن الدفاع عن نظام استبدادي عاجز ضد ضحاياه. وقد وفرت تلك الخطوة كثيرا من دماء السودانيين وموارد البلاد، وحولت ما كان يمكن أن يكون كارثة إلى واحدة من أكبر إنجازات الشعب السوداني وجيشه.

والمطلوب الآن من كل من الجامعة والجيش الابتعاد الكافي عن طرفي الاستقطاب، فبالنسبة إلى الجامعة، من المرجو أن يعاد النظر في نص ما سميت المبادرة حتى تتحول بالفعل إلى مبادرة.

وهذا يعني أن يحتفظ أصحاب المبادرة بآرائهم لأنفسهم بشأن شكل المرحلة الانتقالية، وأن يقتصر شكل المبادرة على مقترحات لآليات تجمع الفرقاء في مفاوضات ولقاءات تمهد لتوافق على كل النقاط التي شملتها المبادرة.

ولعل المقترحات تشمل وساطة دولية أو إقليمية تيسر التقدم نحو الوفاق. ولا أخفي هنا أنني قضيت ما يقارب الأسبوع الشهر الماضي في حوار معمق مع مسؤولين في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بشأن مبادرة محتملة تنطلق من أديس أبابا، وبدعم إقليمي ودولي، من أجل تلافي الكارثة المحدقة بالبلاد.

وهناك مقاومة متوقعة لمبادرة مثل هذه من دول نافذة في الاتحاد، خصوصا مصر التي تولت رئاسة الاتحاد الشهر الماضي. وعلى كل حال، فإن الحل الداخلي إذا توفر هو الأفضل، خصوصا إذا بادرت الحكومة بمقترحات جدية للتغيير.

بالنسبة للقوات المسلحة، على أهل الحل والعقد فيها أن يسارعوا إلى النأي بها عما صدر من تصريحات تسيء إليها، مع إعادة التأكيد على أن قوات الشعب المسلحة هي للشعب ومنه، ولا أجندة لها سوى استقرار البلاد وكرامة شعبها.

وأكبر مهدد لاستقرار البلاد، وأشدها حطا لكرامتها، هو ولاية العاجزين الفاسدين أمرها، فقد جاء في صحيح التنزيل أن فسق المترفين وتسلطهم في بلد ما هو رسالة سماوية مباشرة بأن هلاكها قد دنا، وأن الفتنة لن تصيب الذين ظلموا فيها خاصة.

وما لم تتبرأ القيادة مما صدر، وتعاد الأمور إلى نصابها، فإن واجب شرفاء ضباط القوات المسلحة (وكلهم عندنا كذلك حتى يثبت العكس) النأي بالنفس عن هذا الموقف المسيء للجيش والبلاد بأي وسيلة ممكنة تعيد التاكيد على الدور القومي لهذه المؤسسة المحورية من مؤسسات الدولة. وهذا أضعف الإيمان. أما عزائم الأمور فمعروفة.

  • د. عبدالوهاب الأفندي - كاتب وأكاديمي سوداني، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان الأزمة السودانية مبادرة الجامعة الجيش السوداني المرحلة الانتقالية التحول الديمقراطي الاتحاد الإفريقي