بن سلمان يدير السعودية بعقلية رجل أفلت من العقاب

السبت 2 فبراير 2019 07:02 ص

في الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية عام 2019 "عام الترفيه" في المملكة، مع ميزانية قدرها 64 مليار دولار منحها ولي العهد "محمد بن سلمان"، وجاء الإعلان مع خطة كاملة على منصات التواصل الاجتماعي وإطلاق وسم "Enjoy_Saudi". وتهدف الخطة إلى "تحويل المملكة إلى واحدة من أفضل عشر وجهات ترفيهية دولية". وقد تم التفاوض على عقود لجلب النجوم العالميين، مثل "ماريا كاري"، و"جاي زي"، و"تريفور نوح"، و"كريس روك"، و"سيث روجن"، من بين آخرين، إلى المملكة.

وفي الأسبوع نفسه، نشرت منظمة العفو الدولية تقارير جديدة عن التعذيب المنهجي والاعتداء الجنسي بحق العديد من الناشطات اللواتي يحتجزن حاليا في السجون السعودية. وتعيش معظم النساء الآن في الشهر التاسع من الاحتجاز، حيث تم احتجازهن دون اتهام أو تمثيل قانوني. وارتبطت الأدلة بإساءة معاملة النساء من قبل "سعود القحطاني"، وهو مستشار سابق لـ"بن سلمان" يعتقد أنه تورط في قتل الصحفي "جمال خاشقجي". وقالت "لين معلوف"، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: "لم يقتصر الأمر على حرمانهن من حريتهن طوال شهور فقط كعقاب على قيامهن بالتعبير عن آرائهم بشكل سلمي، بل يتعرضن أيضا إلى معاناة جسدية مروعة". وقد رفضت وزارة الإعلام السعودية ادعاءات التعذيب بالقول أنها "لا أساس لها من الصحة"، وحرمت مراقبي حقوق الإنسان من الوصول إلى السجناء.

لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن النظام السعودي لا يملك إلا القليل ليقوله حول هذه المسألة. ويعد مثل هذا الإنكار متوقعا من الحاكم الذي لم تبعده فضيحة "خاشقجي"، ولديه الآن ثقة رجل ارتكب القتل وأفلت من العقاب. وتستمر حملة "بن سلمان" ضد معارضيه بلا هوادة، وهي مستمرة، كما يوضح تقرير منظمة العفو الدولية، بحق النساء اللواتي وعد بتحريرهن بطرق لم يسبق لها مثيل.

مفارقة مظلمة

وتمثل التقارير المتزامنة الصادرة عن هيئة الترفيه العامة ومنظمة العفو الدولية أكثر من مفارقة مظلمة. وكانت مثل هذه الحملات الدعائية المتحمسة والمرتكزة على الغرب سمة بارزة في السنوات الأولى من عهد "بن سلمان"، عندما كان الأمير الصاعد يبهر العالم من خلال إنشاء دور السينما وإقامة الحفلات الموسيقية الحية في المملكة. في ذلك الوقت، كان العديد من السعوديين وغير السعوديين على حد سواء مندهشين للغاية مع مشهد الاحتضان السعودي المفاجئ لأفلام هوليود، وحينها، لاحظت وسائل الإعلام الغربية المشغولة بالإصلاحات الاجتماعية السطحية بعض الممارسات المعاكسة لكنها رفضت الضغط على "بن سلمان" بسبب قمع حرية التعبير، أو الرقابة على الصحافة المحلية، أو المذبحة المستمرة في اليمن، أو إخفاقه في معالجة التمييز القانوني ضد المرأة في البلاد.

امتد هذا الصمت المتهور حتى مع تزايد وتيرة انتهاكات ولي العهد. وفي مايو/أيار من العام الماضي، بدأ "بن سلمان" حملة ضد المدافعين عن حقوق المرأة، وشملت ناشطات معروفات دوليا، مثل "لجين الهذلول" و"إيمان النفجان"، وكذلك "سمر بدوي"، وكذا بعض الأكاديميين البارزين مثل "هتون الفاسي".

وقد أظهر اعتقال هؤلاء النسوة وحشية "بن سلمان" المتزايدة المتمثلة في سجن وترهيب حتى أكثر المنتقدين اعتدالا وأي شخص يعتقد أنه قد يسعى في النهاية إلى تقويض رسالته. وقد أعربت العديد من النساء عن رغبتهن في العمل إلى جانب الحكومة لإنجاز الإصلاح، بما في ذلك وضع حد لقانون ولاية للذكور. ولكن العديد منهن التزمن الصمت، بعد تحذيرات من الديوان الملكي لإيقاف نشاطهم. ومع ذلك، تابعت الحكومة السعودية اعتقالاتها مصحوبة بسلسلة من حملات التشهير، زاعمة دون دليل تورط العديد من النساء في مؤامرة أجنبية ضد الحكومة.

وحتى بعد الاعتقالات، استمر العالم في الإشادة بـ"بن سلمان" كرائد للإصلاح. في هذه الأثناء، كان سجل حقوق الإنسان في السعودية يسير إلى مستويات جديدة من السوء. وطبقا لمنظمات حقوق الإنسان، فإن النساء المحتجزات تعرضن للجلد والصعق بالصدمات الكهربائية على أيدي آسريهن. وأُبلغ عن تعليق امرأة واحدة على الأقل من السقف وعن أخرى أجبرت على فتح فمها بخرطوم مياه، في حين أجبر بعض الناشطين على تقبيل بعضهم البعض تحت أعين الحراس. كما تم الإبلاغ عن وسائل أخرى من الاعتداء الجنسي والنفسي.

ولا تعد مثل هذه المعاملة السيئة انتهاكا فاضحا للقانون الدولي فحسب، ولكنها تعد أيضا خروجا دراماتيكيا على قوانين السلوك الأبوي في المملكة. ويمكن لهذه الاتفاقيات الاجتماعية في كثير من الأحيان أن تغطي العنف ضد المرأة والقمع من قبل المجتمع، لكنها يفترض ألا تتسامح مع تشويه سمعة النساء وكذلك مع الطبيعة الجنسية الفاضحة لطريقة إساءة معاملتهن.

وكما أخبرني أحد المراقبين الإقليميين لحقوق الإنسان، كان سجن النساء لأسباب سياسية أمرا نادرا قبل "بن سلمان"، كما لم يكن يسمع عن حملات التشهير العلني والعنف الجسدي "قبل بضع سنوات". وتماشيا مع هذا الاتجاه القاتم، أعلنت المملكة العربية السعودية في أغسطس/آب ، أنها سوف تسعى إلى فرض عقوبة الإعدام على "إسراء الغمغام"، وهي ناشطة من الأقلية الشيعية المضطهدة في السعودية وأول مدافعة عن حقوق المرأة تواجه عقوبة الإعدام.

كان ينبغي اعتبار مثل هذه التكتيكات الجديدة المروعة بمثابة تحذير، لكن في ذلك الوقت، كان كثيرون لا يزالون يفتنون بـ"بن سلمان" ويشتت انتباههم بفعل نهاية الحظر الذي طال انتظاره للحظر على قيادة النساء، وفي حين أشار البعض إلى مفارقة أن العديد من النساء اللواتي دافعن عن حق القيادة يقبعن وراء القضبان"، فإن التيار الغالب انجذب لسردية النساء "اللواتي أصبحن خلف عجلة القيادة" أخيرا.

صعود وخفوت الغضب

لكن الفضيحة العالمية لقتل الصحفي "جمال خاشقجي" سلطت الضوء بشكل متأخر على الطبيعة الحقيقية لحكم "بن سلمان". وللمرة الأولى، بدا الغضب الدولي يقترب من التناسب مع جرائم النظام المستمرة، ربما بطريقة قوية بما فيه الكفاية لتقليل نفوذ "بن سلمان" إلى الأبد.

ومع ذلك كان الحساب عابرا. ومع مرور الأسابيع ودعم حلفاء المملكة الرئيسيين والشركاء التجاريين -وعلى الأخص الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية- لم تنجح جهود فرض العقوبات على ولي العهد، وبدأ "بن سلمان" في المناورة مرة أخرى إلى المشهد السياسي العالمي. ومع دفاع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" واستمرار التجارة والعلاقات الدبلوماسية مع دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا، كانت الرسالة المستلمة الضمنية أن أقصى ما سيناله "بن سلمان" هو بعض اللوم ولكن نجاته كانت مضمونة بشكل كبير.

لم يحافظ ولي العهد على سلطته فحسب، بل يعتزم المضي قدما بجدول أعماله "رؤية 2030". وقد أقام مؤتمره الاقتصادي "دافوس في الصحراء" الخاصة به التي استافها في فندق ريتز كارلتون الرياض، وهو نفس المكان الذي سجن فيه المئات من مواطنيه في عام 2017، كما حضر قمة مجموعة العشرين، حيث استقبله "فلاديمير بوتين" و"شي جين بينغ" بحرارة.

وداخل المملكة، يتجنب العديد من المواطنين السعوديين العاديين الآن أي نوع من الخطاب الاجتماعي أو السياسي، حتى على حسابات "تويتر" المجهولة، خوفا من التعرض للأذى. وفي حين يستمتع الآخرون بفيلم أو حفلة موسيقية في بعض الأحيان، فهم يشعرون بالقلق من ارتفاع تكاليف المعيشة ويتساءلون إذا ما كانت وعود "بن سلمان" النبيلة بالازدهار الاقتصادي سوف تصيبهم، فيما لا تزال النساء، حتى اللواتي يستفدن من القدرة على القيادة، يواجهن عددا لا يحصى من العقبات القانونية والثقافية للمساواة، وعلى الأخص قوانين الوصاية الذكورية.

في حين أن الحكومة السعودية تحت حكم "بن سلمان" تدعو الفنانين الأمريكيين، وتفتح المتاحف الشمعية، لا تزال أعداد لا تحصى من السجناء السياسيين قيد الاحتجاز، ولا يمكن الوصول إليهم من قبل المراقبين الدوليين والمحامين وأفراد أسرهم على حد سواء. وكما هو الحال مع "خاشقجي"، كان رد فعل النظام السعودي مجرد إنكار غير مقنع في وجه الأدلة المتزايدة على إساءة معاملته للسجينات وانتهاكاته المستمرة للقانون الدولي.

من الصعب أن نتخيل أن الفضائح العالمية لمقتل "جمال خاشقجي" وهروب "رهف القنون"، سوف يدفعان إلى اتخاذ إجراء ذي مغزى لتوجيه اللوم إلى "بن سلمان". ولكن بينما يستأنف "بن سلمان" جهوده لاستعادة سمعته الدولية، فإنه يتعين على العالم أن يمنع ذلك.

المصدر | سارة عزيزا - ذا إنترسبت

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي لجين الهذلول محمد بن سلمان السعودية القمع في السعودية