"الأدعم" يحصد ثمار ما زرعه

الأحد 3 فبراير 2019 02:02 ص

"الأدعم" يحصد ثمار ما زرعه

حقق ”العنابي“ انجازا تاريخيا ونعم هناك مجنسون في المنتخب القطري، بل في كل منتخبات الخليج.

الضغوطات الخارجية أو عدائية الجماهير تكونن نتيجتها عكسية للفرق الجماعية!

حتى السعودية الكبيرة سكانياً مثلها من هو من أصول غير سعودية الى اليوم.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصخب واستياء من أداء منتخب الإمارات، وانتقاص إنجاز “العنابي”، بالتركيز على مجنسيه في البطولة!

*     *     *

كانت الصورة مدهشة، وكأنها سيناريو من أحلام فتى "عنابي" أراد أن يستيقظ من النوم ويرى منتخب بلاده يحقق انتصارا مدوياً، في بلد لا يلقى فيه ترحيبا بل عدائية مفرطة، لكن "الأدعم" تغلب على كل الصعاب والعقبات وعاد بلقب تاريخي الى الدوحة.

المنتخب القطري، أو "العنابي" او "الأدعم" بالخليجي حيث تعني اللون الداكن، حصد ثمار ما زرعه على مدى أكثر من عشر سنوات، بل خاض امتحانا نفسياً عسيرا ليلة الثلاثاء الماضي وأيضا نجح فيه، عندما تغلب برباعية نظيفة على المنتخب الاماراتي في قلب استاد “محمد بن زايد”.

لكن ترتبات الانتصار المدوي تواصلت عقب الدقائق التسعين، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من الصخب والاستياء من الاداء الاماراتي، والانتقاص من إنجاز “العنابي”، بالتركيز على مجنسيه الذين يمثلونه في البطولة!

والمؤسف ان كل هذه التعليقات جاءت من شخصيات عامة لها وزنها واحترامها، بل باعها الطويل، خصوصا من الاعلاميين الذين احتسبوا على معسكر دول “الحصار” او “المقاطعة”.

لكن في المقابل، كانت هناك أصوات عاقلة وواقعية، غالبيتها من المشجعين، رأت أن الخلل والعلة في عدم الانتصار يكمن في داخل البيت من سوء الادارة والاستعداد والتنظيم، ان كان في المنتخب الاماراتي أو السعودي، وليس بسبب تجنيس الخصم لبعض النجوم.

بل إن اشادات منصفة جاءت على صفحات الصحف الناطقة بالانكليزية في الامارات مثل "غلف نيوز" و"خليج تايمز" و"ذا ناشونال"، التي رأت الأمر من عين فنية وكروية بحتة، بعيداً عن السياسة.

نعم حقق “الادعم” انجازا تاريخياً، ونعم هناك مجنسون في المنتخب القطري، بل في الواقع في الخليج كله، وليس على غرار بطل العالم المنتخب الفرنسي، الذي يحوي لاعبين من أصول غير فرنسية، غالبيتهم من القارة الافريقية.

لكنهم حملوا الجنسية الفرنسية ومثلوا المنتخب، كونهم مواطنين أما بسبب مكان ولادتهم في الأراضي الفرنسية، أو أن أهاليهم حملوا هذه الجنسية.

في حين ان التجنيس في الخليج كان يتم في كل الرياضات بسبب الموهبة والهدف كان تمثيل البلد، وبسبب شح المواهب، في بلاد مثل قطر والبحرين والامارات لا يتجاوز عدد سكانها الاصليين أكثر من مليون نسمة.

فحتى السعودية الكبيرة سكانياً مثلها من هو من أصول غير سعودية الى اليوم.

لكن الذي اختلف في السنوات الاخيرة، أن وسيلة التجنيس أصبحت تتم بعناية ودراسة، فأنشأ القطريون مركز "اسباير" للخدمات الرياضية، الذي يعتبر من النخبة في عالم الرياضة، وجذب أبرز المواهب الشابة واليافعة لرعايتهم وتدريبهم وتأمين حياة كريمة لأهاليهم.

والنتيجة اليوم نجوم مثل المعز علي وبسام الراوي وعبدالعزيز حاتم، وسيستمر الانتاج الى ما بعد المونديال القطري في 2022.

في حين ان المنتخب الاماراتي مثله في هذه البطولة أيضاً المغربي اسماعيل أحمد ومحمد عبد الرحمن وغاب عنه شقيقه الموهبة الرائعة عمر عبدالرحمن (عموري) للاصابة، وهما من مواليد الرياض في السعودية ومن أصول يمنية.

لكن الاتحاد الاماراتي اتبع أسلوباً مختلفاً، ركز خلاله على جيل واحد من المواهب خلال النصف الثاني من العقد الأول للألفية الجديدة، وحقق نتائج رائعة بالفوز بكأس الخليج مرتين والتألق ببطولة الشباب والناشئين، وحتى في كأس آسيا وتصفيات كأس العالم.

لكن فجأة توقف خط انتاج المواهب، ولم يعد هناك جيل ذهبي آخر مباشرة، رغم ان تجربة مهدي علي تستحق الاشادة.

عامل مهم آخر في إنجاز “العنابي” هو النفسي، بحيث ان الضغوطات الخارجية او عدائية الجماهير قد تؤثر على الرياضي في لعبة فردية، لكن نتيجتها تكون عكسية للفرق الجماعية.

وأفضل مثال المنتخب العراقي الذي حقق أبرز انجاز في تاريخه عام 2007 بالفوز بكأس آسيا عندما كانت بلاده تنهشها الحروب الطائفية، وكان لاعبوه من السنة والشيعة والكرد.

لكن قلبهم وعقلهم وروحهم عراقي، أيضاً على غرار المنتخب السوري قبل أقل من عامين عندما انقسم عليه شعبه ما بين مؤيد للنظام ومقاتل له، لكنه كان على أعتاب التأهل الى كأس العالم.

مبروك لقطر وللخليج ولكل العرب على انجاز سيفتخر فيه الجميع من دون استثناء في عالمنا العربي عاجلاً أو آجلاً.  

* خلدون الشيخ كاتب ومعلق رياضي مقيم في لندن.

المصدر | خلدون الشيخ | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

قطر منتخب قطر كرة القدم كأس آسيا منتخب الإمارات استاد محمد بن زايد مركز