تعديل الدستور.. السيسي يسعى لتنصيب نفسه فرعونا جديدا لمصر

الخميس 7 فبراير 2019 06:02 ص

يسعى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى تمديد فترة ولايته من خلال مبادرة مؤيديه في البرلمان المصري. وفي الثالث من فبراير/شباط، اقترح خمسة أعضاء من مجلس النواب البالغ عدده 600 تقريباً تعديل دستور البلاد لعام 2014 بحيث يمكن لـ"السيسي" الترشح لفترتين مدتهما ست سنوات عندما تنتهي فترة ولايته الحالية في عام 2022.

ويؤدي الرئيس المصري حاليًا فترة خدمته الثانية، بعد أن قضى ولاية أولى مدتها أربع سنوات قبل أن يعاد انتخابه في عام 2018 بنسبة 97% من الأصوات.

ومن المتوقع أن تحصل التعديلات المقترحة على أغلبية الثلثين البرلمانية التي يتطلبها الدستور، مما يضع "السيسي" في الرئاسة بشكل نظري حتى عام 2034.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتم المصادقة على التعديلات من خلال استفتاء شعبي، ومن المؤكد أن تأمين موقع "السيسي" سيكون متماشياً تماماً مع التقاليد العربية الحديثة.

ولم يخجل "السيسي" من الإفصاح عن طموحاته السياسية ورغبته في البقاء في السلطة. وقبل انتخابات عام 2014 وفي أثناء الفترة الانتقالية التي حددتها خارطة الطريق بعد الانقلاب العسكري الذي قاده "السيسي" نفسه منتصف عام 2013، ظل "السيسي" يشير بصورة مبطنة إلى إرادة الشعب المصري كعامل حاسم في سعيه إلى الرئاسة.

وتحولت هذه الإشارات إلى رهانات مؤكدة عندما منحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الضوء الأخضر للترشح للرئاسة في عام 2014، وكأنه كان يحتاج إلى إذن من المجلس.

وتم إعداده لولاية ثانية في انتخابات مارس/آذار 2018 عبر خطاب شعبوي، على الرغم من أنه عمل بجد للقضاء على أي منافسة. لكن ظل حتى ذلك التوقيت يؤكد أنه لا يريد خوض انتخابات 2022 أو إجراء أي تعديلات على الدستور، فيما يتعلق بالرئاسة.

أكثر ارتياحا

ومع ذلك ، فإن الوضع الآن يبدو مختلفا حيث يظهر "السيسي" أكثر ارتياحًا بعد إزالة جميع المعارضة ذات المصداقية وبعد أن فرض قيودا على المناقشات السياسية العامة والتحديات التي تواجه سلطته.

وذُكر أنه منذ الخريف الماضي، كان مكتب "السيسي" الرئاسي يشرف على اقتراح التعديلات الدستورية وتوقيتها ومضمونها مع البرلمان الخاضع لجهاز المخابرات العامة المصري.

وأفادت الأنباء بأن "محمود السيسي"، نجل الرئيس، قاد المناقشات والترتيبات بينما شارك رئيس المخابرات "عباس كامل"، في الاجتماعات المشتركة. وتم دعم هذه الجهود من قبل مؤيدين خارجيين، مثل المحامي "أيمن عبدالحكيم" الذي رفع دعوى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تحدى فيها الحد المسموح به لرئاسة "السيسي" وأعلن أنه يريد أن يحكم الرئيس مدى الحياة. وتم تأجيل جلسات الاستماع لهذه الدعوى من قبل المحكمة حتى 24 فبراير/شباط.

وتتضمن التعديلات المقترحة قانوناً يضع القوات المسلحة كمسؤول عن "حماية مدنية الدولة"، وهي عبارة من المرجح أن تؤدي إلى إعطاء المؤسسة العسكرية سيطرة غير مقيدة على الدولة ومن الواضح أن هذا التغيير بعينه سيكرّس المؤسسة العسكرية كدعامّة للنظام، الذي جاء إلى الوجود كقوة مضادة لجماعة الإخوان المسلمين.

ويعد الجيش بالفعل مساهما اقتصاديا بارزا وهو يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد. وفي حين حافظ دستور عام 2014 على وضع ودور القوات المسلحة في السياسة المصرية، فإن هذا التغيير سيعطي الضباط المصريين الحق الكامل في تحديد هوية الدولة وأسس علاقات الدولة مع المجتمع.

وبطبيعة الحال، نجحت التعديلات المقترحة في الحصول على دعم من المنافذ والشخصيات الموالية للنظام.

وكان الخيط المشترك هو التركيز المتوقع على الأمن في وقت تغرق فيه البلد في معركة صعبة ضد "المتطرفين" مع تحديات كبرى للاستقرار الإقليمي.

لكن المهم بالنسبة إلى مؤيدي النظام هو حقيقة أن توحيد نظام "السيسي" مع بيروقراطية الدولة القوية يساعد على منع العودة المحتملة لجماعة الإخوان المسلمين.

ورغم أن نظام "السيسي" قاد حربا مدمرة ضد المدنيين في شبه جزيرة سيناء، وقتل وحبس ونفي وأخفى عشرات الآلاف من الناشطين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، فإن مؤيدي النظام يرون أن تغيير الدستور بطريقة أكثر سلطوية له ما يبرره على أنه وسيلة مؤكدة لتأمين الاستقرار.

صمت عالمي

ويبقى الأمر المزعج هنا هو الصمت المتوقع من إدارة "ترامب" حول عودة نظام "السيسي" إلى الاستبداد المتزايد، خاصة مع دخول الإدارة بكامل طاقتها في دعم للمعارضة الفنزويلية للرئيس" نيكولاس مادورو"، في حين أنها تظهر ترددا في انتقاد حالة حقوق الإنسان في مصر.

وفي الواقع، أفرجت واشنطن عن المساعدات المصرية التي أوقفها الكونغرس فيما قام وزير الخارجية "مايك بومبيو" مؤخرا بزيارة القاهرة وأكد أن العلاقات مع مصر عميقة وواسعة.

وإذا كانت إدارة "ترامب" عمياء عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، فإن الحكومة الفرنسية تتبنى نهجا مخادعا، وفي حين أخبر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" نظيره المصري بأن حقوق الإنسان لا يمكن التضحية بها من أجل الاستقرار والأمن، فإنه لا يزال يجد أنه من المقبول أن يقوم ببيع 12 طائرة مقاتلة إلى القاهرة.

وإذا كان هدف "السيسي" من هذه التعديلات هو تأمين وظيفته لمدة لسنوات مقبلة فهو يسير على الطريق الصحيح، هو ذات الطريق الذي يسير عليه الرئيس السوداني "عمر البشير" الراغب في الترشح لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات في الانتخابات الرئاسية في بلاده في عام 2020، على الرغم من فشله الواضح في إدارة البلاد وضمان الرفاهية الاقتصادية لشعبه، هو أيضا ذات الطريق الذي يسلكه الرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" الذي ربما يتقدم لولاية خامسة في انتخابات أبريل/نيسان 2019 من فوق كرسيه المتحرك.

وشهد التاريخ العربي على مدى الخمسين سنة الماضية العديد من الأمثلة للزعماء الذين أحبوا كرسي الرئيس وعملوا بجد لجعله أشبه بالعرش: "ناصر، السادات، مبارك، حسين، الأسد، عباس، صالح، والقذافي". ويتساءل المرء حقا ما إذا كان "السيسي" سيكون جريئًا بما فيه الكفاية ليعلن نفسه فرعونًا من خلال تمثيلية جديدة.

المصدر | عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي تعديل الدستور