كتاب جديد يكشف اضطهاد نظام عبدالناصر لمحمد فوزي

الأحد 10 فبراير 2019 12:02 م

كشف المؤرخ والناقد السينمائي المصري "أشرف غريب" بالوثائق أسرار "اضطهاد" نظام الرئيس المصري الراحل "جمال عبدالناصر" للمطرب والموسيقي الراحل "محمد فوزي"، والذي يعد أحد أساطير الفن الغنائي والسينمائي في مصر.

وفي كتابه الجديد "محمد فوزي.. الوثائق الخاصة"، كشف "غريب" أنه على الرغم من أن "فوزي لم يكن حتى من هواة الكلام في السياسة، إلا أنها أحرقته، ولم يدرك ذلك إلا متأخرا".

وولد "محمد فوزي" في 19 أغسطس/آب عام 1918 وتوفي عن 48 عاما، بمرض السرطان في 20 أكتوبر/تشرين أول عام 1966.

وأنتج 36 فيلما كان هو بطلها، وبلغ عدد الأفلام التي أنتجها ولم يمثل فيها 47 فيلما.

وفي الأعمال الموسيقية الغنائية، لحن لنفسه 239 عملا، بينما لحن 36 عملا لمطربين آخرين، و116 أغنية لمطربات.

وغنى "فوزي" 3 أغنيات فقط لملحنين آخرين.

سبب المشكلة

ويشرح الكتاب، الصادر بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد المطرب، بالوثائق "الاضطهاد المدمر" الذي تعرض له "فوزي" المشهور بخفة الظل، سواء في التمثيل أو الغناء.

ويكشف الكتاب أن "رجال نظام عبدالناصر انتقموا من فوزي لا لشيء سوى لصداقته مع اللواء محمد نجيب" الذي اعتبره أنصار "ناصر" في مجلس قيادة ثورة 23 يوليو/تموز عام 1952 في مصر خصما ينازع على الحُكم والزعامة.

وكان "نجيب" من أنصار تحقيق هدف الثورة في إقامة حياة ديمقراطية سليمة، فسعى لعودة الأحزاب ورجوع الجيش إلى ثكناته بعد أن غيّر النظام.

وتمتع "نجيب" بشعبية كبيرة في الجيش وبين المصريين، غير أن "ناصر" ورجاله كان لهم رأي مختلف وتخلصوا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 من "نجيب"، الذي وُضع قيد الإقامة الجبرية لا يمارس السياسة لمدة 30 عاما، ولم يعد يذكر اسمه كأول رئيس لمصر في كتب التاريخ والتعليم.

ويكشف الكتاب، الصادر عن "دار بتانة" الثقافية عن أن "علاقة فوزي مع نجيب كانت سبب المشكلة بين فوزي ونظام عبدالناصر".

ويقول "غريب" في مقابلة مع "بي بي سي": "لا يبدو أن فوزي، تحديدا، قرأ المشهد السياسي جيدا.. فهو لم يدرك لا موازين القوى في اللحظة التالية لقيام الثورة، ولا إلى أين تتجه هذه الموازين في المستقبل القريب، فراح يدفع نفسه إلى مقدمة الصورة في كل المشاريع القومية التي قادها محمد نجيب".

ويظن "غريب" أنه "لو كان فوزي قد أدرك جيدا المشهد، كما فعلت أم كلثوم، لربما كان قد تجنب كثيرا مما وقع له لاحقا".

و"لأنه لم يدرك المشهد أو ربما لم يكن يعبأ، فإنه ظل على تأييده للواء نجيب، كما نشأت علاقة متينة بينهما بسبب اقتناع فوزي بالعهد الجديد ورموزه والالتحام بالمشاريع الوطنية الأولى التى نادى بها ودعمها نجيب".

أم كلثوم "تحرق أغانيها"!

وينشر الكتاب صورا نادرة لـ"فوزي" مع "نجيب" وسط محبيه وهو يدشن مشروعات خيرية خدمية في أنحاء مصر.

و"رغم أن فوزي لم يكن حتى من هواة الحديث فى السياسة، فإنه لم يتخلف مرة عن اللقاءات التي كان يجريها اللواء محمد نجيب مع رجال الفن".

ويعتقد المؤرخ أن "أم كلثوم" و"عبدالوهاب"، ثم "عبدالحليم حافظ" لاحقا، كانوا أكثر قراءة للمشهد السياسي واستغلالا لنفوذهم واتصالاتهم السياسية لحماية مصالحهم بعد زوال الملكية وإعلان الجمهورية.

ويشير الكتاب إلى أن "أم كلثوم مثلا استوعبت المشهد السياسي جيدا ونصحها أصدقاؤها ومستشاروها ذوو المعرفة السياسية بأن عبدالناصر هو الأقوى والقائد الفعلي للثورة"، ولذا فإنها ذهبت بعد أيام قليلة من قيام ثورة 1952 إلى مبنى الإذاعة المصرية من أجل التخلص من كل أغنياتها التى كانت قد تغنت بها للملك "فاروق" قبل الثورة.

وقد نشرت لها مجلة الكواكب في 5 أغسطس/آب 1952 (أي بعد 12 يوم من بداية الثورة)، صورة وهى تفعل ذلك.

ويقول غريب في كتابه إن "عبدالناصر بقي، حتى رحيله عام 1970، هو الغطاء السياسي الذي وفر الحماية والنفوذ لكوكب الشرق".

ويبرهن الكتاب على أن النفوذ السياسي للمطربين والممثلين المصريين في هذه المرحلة وفر الحماية لمصالحهم.

وكشف للمرة الأولى عن وثيقة تؤكد أنه بفضل العلاقات السياسية "سعى الفنان محمد عبدالوهاب لدى الملك عبدالعزيز آل سعود كى يتدخل لدى قيادة الثورة عام 1953 لتغض الطرف عن ثروته وثروة أم كلثوم"، أي يستثنيهما من قرارات مصادرة الأموال والممتلكات.

وينشر الكتاب بهذا الخصوص خطابا صادرا في الرابع من يونيو/حزيران عام 1953 عن ممثل المملكة العربية السعودية في مصر، وموجها إلى "نجيب" الذي كان رئيسا للدولة ومجلس قيادة الثورة، قبل الأزمة الفاصلة بينه وبين "ناصر".

موقف النظام من "فوزي"

في عام 1961 مارس نظام "عبدالناصر" تضييقا واضحا "على فوزي"، وأحد أهم مظاهر هذا "التضييق" هو "فرض الحراسة على موزع أفلامه الوحيد في الداخل (وهو) شركة منتخبات بهنا فيلم - بهنا إخوان- بمقريها في القاهرة والأسكندرية".

ويصف "غريب" هذا التصرف بأنه "سابقة لم تعرفها الحياة الفنية في مصر من قبل أو من بعد"، وأدى إلى أن "غُلت يدا محمد فوزي داخليا وخارجيا في تمويل وتوزيع أفلامه بخلاف المبالغ المالية التي كان قد تكبدها في التجهيز لهذه الأفلام".

وينقل المؤلف عن "بازيل بهنا"، الوريث الوحيد لعائلة "بهنا" والمقيم حاليا بالأسكندرية قوله إن أفراد العائلة "لم يستبعدوا -في حينه- أن يكون المقصود بفرض الحراسة على بهنا فيلم هو محمد فوزي نفسه لأنه كان حدثا فريدا وتزامن مع ما وقع بشكل مباشر لمشاريع وممتلكات محمد فوزي".

ويقول الكتاب: "استولت الدولة على شركة مصر فون لصاحبها محمد فوزي دون شركة صوت الفن لصاحبيها عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ لتبقى صوت الفن وحدها تقريبا بلا منافس في سوق الإنتاج الغنائي بعد أن أجبر المشاغب الأول محمد فوزي على الانسحاب من الساحة".

ولم تقف ملاحقة "فوزي" عند هذا الحد، بل امتدت إلى الطعن في فنه، حسب الكتاب، فكانت "إثارة حالة من الكراهية بين السينمائيين تجاه فوزي لدرجة بلغت التقليل من موهبته والتحريض عليه" مظهرا آخر للاضطهاد من جانب النظام.

ويضرب الكتاب مثالا على ذلك برسالة وصفها بأنها "مفجعة" بعث بها المخرج "حسين فوزي" (الذي لا علاقة قرابة له بمحمد فوزي) سنة 1959 إلى شركة "بهنا فيلم" يصف فيها "محمد فوزي" بأنه "فاشل ومحدود الموهبة".

ويستغرب المؤلف هذا الموقف، قائلا إن الموسيقي الراحل كان مؤيدا لثورة 23 يوليو/تموز 1952 ولأفكارها، لكن مشكلته أنه "كان يغني للثورة وليس للثوار".

ويشير الكتاب إلى أنه رغم علاقة "فوزي" القوية بـ"نجيب"، فإنه "لم يتوقف عن الغناء للثورة لا للأشخاص بعد عزل نجيب. ولم يترك حدثا وطنيا كبيرا إلا وغنى له... كذلك تغنى بالاشتراكية والعدالة وحقوق العمال وبكل مكاسب الثورة المصرية في أكثر من أغنية وطنية".

ويضيف "لم يغفل فوزي في غنائه التوجه القومي الذى انتهجه عبدالناصر. فغنى للكثير من الدول العربية: لوحدة مصر والسودان غنى "يا وادى النيل يا غالي"، وللعراق غنى "تحية يا ابنة الرشيد"، ولثورة اليمن أنشد "الشعب لازم ينتصر"، ولمشروع الوحدة بين مصر وسوريا والعراق سنة 1963 غنى "علم الثوار"، وحتى لأفريقيا غنى "أفريقيا شعبك حر".

أكثر من ذلك، ساهم "محمد فوزي" في جمع التبرعات لدعم مشروعات "ناصر" الداخلية، كما يكشف الكتاب.

ويرجح الكتاب وجود علاقة بين اضطهاد النظام لـ"فوزي" وبين تأميم ممتلكات بمرضه.

وينقل عن زوجته "كريمة" قولها، في مقابلة صحفية، إنه بعد التأميم "لم يعد فوزي هو ذلك الرجل الذي تعرفه. فقد دخل فى حالة اكتئاب دائم حتى وإن حاول بخفة ظله التغلب على الاكتئاب. وبدأ ينعكس هذا على حالته الصحية وشهيته للطعام. ومن ثم دخوله فى دوامة المرض (السرطان)".

وهنا يستدعي الكتاب، مرة أخرى، أهمية النفوذ السياسي للفنانين.

وينقل المؤلف عن رواية روتها له شخصيا الممثلة والراقصة الراحلة "تحية كاريوكا" ملخصها أنها تلقت تهديدات صريحة من "شعراوي جمعة"، وزير داخلية نظام "عبدالناصر"، بأن تكف عن الكلام في موضوع علاج "فوزي" ومطالبتها الدولة بأن تتحمل النفقات.

ويضيف أن "أم كلثوم" تدخلت، حسب رواية "تحية"، لدى "عبدالناصر" وأقنعته، رغم محاولات "سامي شرف" قطع الطريق عليها، بإصدار قرار بسفر "فوزي" للعلاج بأمريكا.

وصدر القرار في 9 ديسمبر/كانون الأول عام 1965 أي بعد نحو 4 سنوات من بداية خطوات تأميم كل ممتلكات "محمد فوزي" ودخوله في دوامة المرض.

وبعد نحو 11 شهرا، توفي الموسيقي ذو الشعبية الكبيرة عن 48 عاما، وشارك عشرات الآلاف في الجنازة.

ويؤكد "غريب" أن "فوزي عاش غير محب للسياسة لكنه انكوى بنارها. فقط كان محبا لبلده ومصلحة هذا البلد، ولذلك آمن بثورة يوليو/تموز حتى لو لم تؤمن به هذه الثورة وساند مشاريعها وتوجهاتها حتى لو لم يلق المساندة من قادتها".

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

عبدالناصر محمد نجيب محمد فوزي تأميم مصادرة أملاك فن إنتاج