سياسة ترامب في سوريا تدفع العراق للتقارب مع روسيا

الثلاثاء 12 فبراير 2019 10:02 ص

في الوقت الذي تواصل فيه الدولة العراقية النظر إلى الولايات المتحدة وإيران والنظام السوري كحلفاء في النضال ضد "الدولة الإسلامية"، يتوجب على بغداد أن تعبر بحذر في النظام الإقليمي الهش الذي قد يتبدل كنتيجة لانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا.

ومن وجهة نظر أمنية، فإن العراق سيخسر الكثير من انسحاب القوات الأمريكية من سوريا المجاورة، ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول فقط أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك "حيدر العبادي" أن بلاده ستنتصر على ما يسمى "الدولة الإسلامية"، ولا شك أنه قد تم تحرير المدن المهمة في العراق، إلا أن أعمال العنف المتطرفة لا تزال واقعا، خاصة في المناطق الحدودية العراقية.

إن الضعف المستمر لمؤسسات الدولة في العراق يزود تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيره من المسلحين السنة بالوسائل اللازمة لتهديد مستقبل البلاد من خلال تمرد الخلايا النائمة المستمر في جميع أنحاء العراق، وبطبيعة الحال، فإنه في مواجهة هذا التهديد الإرهابي المستمر، يشعر المسؤولون العراقيون بقلق عميق إزاء مستقبل سوريا في أعقاب التطورات الأخيرة التي قد تؤدي إلى تغيير جذري في النظام الجيوسياسي والأوضاع الأمنية في المنطقة.

ولكي تستعد بغداد للعواقب التي من المحتمل أن تكون فوضوية، ولمنع زيادة نشاط "الدولة الإسلامية"، سعت إلى مزيد من التعاون مع دمشق وزيادة مشاركة القوات العراقية في الصراع الدائر في سوريا.

تشمل الشراكة العسكرية الحالية بين العراق وسوريا الضربات الجوية وعمليات الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران ضد "الدولة الإسلامية" في الأراضي السورية، كما قامت قوات التعبئة الشعبية، وهي مجموعة من القوات الشيعية العراقية التي تدعم نظام "بشار الأسد"، بتطويق دمشق وبغداد عسكريا في مواجهة خطر "الدولة الإسلامية".

حتى لو كانت القوات الأمريكية قد بقيت في شمال سوريا، فإن مستقبل النظام السياسي والأمني في سوريا ستظل تشكله كل من إيران وتركيا وروسيا، ومع ذلك، فإن تقليص البصمة العسكرية الأمريكية في سوريا، سيزيد جرأة طهران وأنقرة وموسكو في خططهم لترسيخ أنفسهم كمساهمين رئيسيين في سوريا ما بعد الصراع.

ومما لا شك فيه، أنه سيتعين على العراق قبول هذا الواقع ومن المرجح أن يعزز تنسيقه مع هذه العواصم الثلاث من أجل معالجة المخاوف الأمنية لبغداد إزاء سوريا، لا سيما منطقة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية.

الحضن الروسي مفتوح

من المرجح أن تستمر الحكومة العراقية الجديدة في التطلع إلى روسيا كقوة استقرار في الشرق الأوسط وشريك طويل الأمد لبغداد مع استمرار الجماعات الإرهابية في تشكيل تهديدات خطيرة على مستقبل العراق.

في نهاية فترة رئاسة "باراك أوباما"، سلمت موسكو 20 مروحية عسكرية إلى الجيش العراقي، بالإضافة إلى أكثر من أربعين مروحية هجومية مضادة للدروع، وكانت هذه الخطوة الروسية – ي الوقت الذي استُهلكت فيه الولايات المتحدة داخليا بسباق رئاسي لم يسبق له مثيل– قد أفلتت من اهتمام واشنطن.

وفي غضون ذلك، رحب المسؤولون العسكريون العراقيون بهذا الدعم من موسكو بعد ملاحظة نجاح الروس في محاربة "الدولة الإسلامية" في مدينة تدمر السورية القديمة، كما تلقى الجيش العراقي تدريبا في روسيا، وأبدت بغداد اهتمامها بشراء نظام الصواريخ إس-400 الروسي، وسينضم العراق إلى تركيا والهند كمتلقين للدفاع الجوي الروسي.

إن مستقبل علاقة روسيا بالعراق يتجاوز مجرد استعداد موسكو لبيع الأسلحة إلى بغداد، فالقوة الناعمة مهمة أيضا، حيث يتمتع الرئيس "فلاديمير بوتين" بشعبية كبيرة بين مختلف الجماعات العرقية والطائفية في العراق، مما ينبئ بتحسن مستقبل العلاقات بين بغداد وموسكو، فالشيعة العراقيون ممتنون للدعم الذي قدمته موسكو للنظام الحاكم في سوريا -الذي تواليه العراق وإيران- طوال الأزمة السورية، لقد اعتبروا روسيا "حليفا طبيعيا" في النضال ضد الإرهاب السلفي الجهادي منذ أن كثفت موسكو تدخلها العسكري المباشر ضد أعداء "الأسد" في سبتمبر/أيلول 2015.

لا شك أن رؤية روسيا للميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران في الشرق الأوسط بأنها ليست منظمات إرهابية -إضافة إلى دعم روسيا المباشر لها في المعارك ضد "الدولة الإسلامية"- سوف تعمل على تعزيز علاقات موسكو المتنامية مع الدولة العراقية وحلفائها، ويقال إنه في أحياء شيعية معينة من بغداد، يسمي الكثيرون الرئيس الروسي "أبو علي بوتين".

كما أن لروسيا علاقات قوية مع الأقلية الكردية في العراق، وخاصة عائلة "بارزاني"، المتجذرة في تاريخ الأكراد العراقيين الذين يعيشون في موسكو في المنفى، حيث ترتبط علاقة موسكو بالأكراد بوضعهم كأقلية عرقية، ويستخدم ذلك كأداة في المشهد المعقد في بلاد الشام، بما في ذلك الدعم العسكري لحكومة إقليم كردستان.

مسألة الطاقة هي الشاغل الرئيسي، وهي رابط آخر بين روسيا وكردستان ينمو الآن بشكل أسرع بقيادة شركة "روسنفت" للنفط.

بالنسبة إلى المواطنين العراقيين السنة المناهضين لأمريكا، فإنهم يحترمون روسيا بشكل لا يستهان به، بسبب معارضة موسكو للغزو الأمريكي البريطاني للعراق في2003، وحرص الكرملين على تعزيز العلاقات القوية مع الدول العربية التي استعمرتها في السابق القوى الاستعمارية الغربية.

دور سياسات" ترامب"

إن الشراكة العميقة بين العراق وروسيا على خلفية التهديد المتزايد لإعادة إحياء "الدولة الإسلامية" في بلاد الشام المضطربة يجب تحليلها في سياق سياسة الشرق الأوسط الخارجية الحالية غير المتسقة وغير المتوقعة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، ومع كون "ترامب" رئيسا معتوها في نظر القيادة العراقية، فإن" بوتين" يأتي كمصدر تأمين يُعتمد عليه أكثر.

أثارت الزيارة الأولى السريعة التي قام بها الرئيس "ترامب" للقوات الأمريكية في العراق في 26 ديسمبر/كانون الأول انتقادات مشابهة لما أثاره التغيير الذي قام به في السياسة السورية، وقد رأى العديد من العراقيين ظهوره المفاجئ على أنه انتهاك للسيادة العراقية وأدى إلى دعوات إلى انسحاب كامل للقوات الأمريكية في العراق، وهو مطلب غريب إلى حد ما أن يأتي في أعقاب فتح قاعدتين جديدتين للجيش الأمريكي في محافظة الأنبار، بهدف مساعدة القوات العراقية على تأمين حدودها مع سوريا ضد غزو "الدولة الإسلامية"، ومع ذلك، فمع استمرار الأسئلة حول خطط واشنطن لسوريا بالإضافة إلى تصور الولايات المتحدة على المدى الطويل لدورها في المنطقة الأكبر، فإن الساسة العراقيين يحدُّون بشكل طبيعي من رهاناتهم ويبحثون في مكان آخر عن شراكات أمنية أقوى.

إن نمو العلاقات الدافئة بين روسيا والعراق دليل على قدرة موسكو على تحقيق أهداف رئيسية في الشرق الأوسط بالمقارنة بوسائل واشنطن لتحقيق أهدافها، وبالنظر إلى مليارات الدولارات التي استثمرها دافعو الضرائب الأمريكيون في العراق في مرحلة ما بعد عام 2003 مقارنة بالحد الأدنى من الأموال الذي أنفقتها روسيا على البلاد، يبدو جليا أن الكرملين يشكل تهديدا للنفوذ الأمريكي في بغداد.

بكل بساطة؛ فإنه في حين أن الولايات المتحدة -في ظل كل من أوباما وترامب– قد فشلت في تنفيذ أي خطط طويلة الأجل أو متماسكة لإنهاء الصراع في سوريا؛ أرسل تورط روسيا في الصراع رسالة قوية إلى جميع الأنظمة العربية بأنه يمكن لموسكو أن تكون بمثابة حليف مخلص في مواجهة التهديدات الوجودية ما دامت هذه الدول الإقليمية تتعاون مع الكرملين.

وطالما بقي العراق تحت تهديد "الدولة الإسلامية" وغيره من المسلحين، ستواصل بغداد التطلع إلى روسيا باعتبارها دعامة واضحة ومتنامية القوة في المشهد الأمني في الشرق الأوسط.

وفي عام 2019، يحتمل أن يعود التحالف التاريخي أيام الحرب الباردة بين بغداد وموسكو من عام 1958 إلى عام 1991 بشكل جديد مع استمرار روسيا في جعل عودتها إلى الشرق الأوسط ملموسة في جميع العواصم العربية تقريبا.

المصدر | insidearabia

  كلمات مفتاحية

العراق سوريا إيران تركيا أمريكا روسيا ترامب بوتين الدولة الإسلامية

صالح: العراق يمر بمرحلة تغيير ركيزتها الانتعاش الاقتصادي