محنة العريبي.. كيف تقوض الحكومات القمعية استقلال الهيئات الرياضية؟

الأربعاء 13 فبراير 2019 10:02 ص

مع تجاوز الدوريات الرئيسية لكرة القدم في العالم منتصف مواسمها، تزيد حدة السباق على اللقب في كل منها، بينما يتصدر العديد من اللاعبين المؤثرين العناوين الرئيسية.

لكن في الأسابيع الأخيرة، انضم إلى اللاعبين أمثال "سيرجيو أجويرو" و"بول بوغبا" و"ليونيل ميسي"، إذا لم يطغ عليهم، اسم آخر، هو "حكيم العريبي".

ومن المرجح أنه حتى أكثر المشجعين المتعصبين لم يسمعوا بـ "العريبي" قبل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

و"العريبي" هو لاعب الفريق الوطني البحريني السابق، الذي يلعب حاليا كمدافع عن ألوان نادي "باسكو فالي" لكرة القدم شبه الاحترافي، الذي يلعب في دوري من المستوى الثاني من كرة القدم الأسترالية.

ولسوء حظ "العريبي"، فإن شهرته الدولية الجديدة لا علاقة لها بمهاراته الكروية، حتى لو كان مصيره يشكل واحدة من أهم القصص الرياضية الدولية لهذا العام.

ووفقا للمراقبين الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، تم اعتبار "العريبي" لاجئا سياسيا كان يواجه احتمالية تسليم غير مشروع من تايلاند إلى البحرين.

وبالنسبة للمسؤولين البحرينيين، يعد "العريبي" عدوا صريحا للدولة، يجب أن يقضي عقوبة السجن لمدة 10 أعوام بتهمة تخريب مركز للشرطة خلال احتجاجات عام 2012 في المنامة.

وشكل ظهوره في 4 فبراير/شباط نقطة الغليان في الاستجابة الدولية، حيث ظهر اللاعب مكبلا بالأغلال يناشد أنصاره والسلطات التايلندية بعدم إرساله إلى البحرين.

ما الذي أدى إلى هذا الوضع؟

وكما هو الحال في العديد من هذه الحالات، يشكك كلا الجانبان في الأحداث التي أدت إلى وصول "العريبي" إلى أستراليا عام 2014.

وتؤكد البحرين أنه كان جزءا من الحشد الذي أضرم النار في مركز للشرطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ويتناسب هذا السلوك، كما تقول البحرين، مع انتقادات "العريبي" للحكومة خلال تظاهرات 2011، عندما اجتاح الربيع العربي المنطقة.

ويعد "العريبي" من الشيعة، مثل معظم البحرينيين، في حين أن العائلة المالكة الحاكمة سنية، وقد تم اعتقاله عام 2012، وتم احتجازه لمدة 45 يوما، وخلال تلك الفترة، قال "العريبي" إنه تعرض للتعذيب، وقد هرب من البحرين عام 2014 فيما أدانته محكمة بحرينية غيابيا عام 2014، وحكمت عليه بالسجن لمدة 10 أعوام.

ويقول "العريبي" إنه لا يمكن أن يكون قد شارك في الهجوم على مركز الشرطة، لأنه كان يلعب في مباراة كرة قدم متلفزة عندما وقع الهجوم.

وتؤكد لقطات المباراة وشهادات لاعبين آخرين قصة "العريبي"، لكن المسؤولين البحرينيين يزعمون فيما يبدو أنه كان بإمكانه أن يلعب ويشارك في الهجوم أيضا.

ويدعي "العريبي" أيضا أن تورطه في الحادثة المزعومة جاء بسبب اعتراف قسري ضده من أخيه.

وبعد مغادرة البحرين، سافر "العريبي" عبر إيران وماليزيا وتايلاند، قبل وصوله كطالب لجوء إلى أستراليا عام 2014، حيث تم منحه وضع لاجئ في عام 2017.

وبحلول عام 2015، عاد إلى الملاعب عبر كرة القدم الأسترالية، وفي عام 2016، ومن وطنه الجديد الذي يشعر فيه بالأمان، انتقد "العريبي" الشيخ "سلمان بن إبراهيم آل خليفة"، أحد أفراد العائلة الملكية البحرينية، لدوره المزعوم في تعذيب الرياضيين الذين شاركوا في انتفاضات الربيع العربي.

وكان الشيخ "سلمان" يسعى آنذاك لرئاسة الفيفا، وعلى الرغم من خسارته، لكنه لا يزال رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، أحد الاتحادات الـ6 التابعة للفيفا.

الوضع الحالي

سافر "العريبي" وزوجته من أستراليا إلى تايلاند لقضاء شهر عسل متأخر، حيث تم إلقاء القبض عليه في مطار بانكوك بإشعار من الإنتربول كان قد صدر بناء على طلب من البحرين.

وقال بعض المراقبين إنه كان من السذاجة، أو من الغباء الواضح، أن يقوم "العريبي" بتنفيذ مثل هذه الرحلة، وأن يعرض نفسه للخطر، ويقول "العريبي" إن السلطات الأسترالية أخبرته أنه سيكون آمنا حال سفره.

وفي ذروة التغطية الإعلامية الغربية التي أعقبت اعتقال "العريبي"، ظهر جدول زمني يشير إلى أن البحرين استهدفته بعد أن قام بترتيبات سفره.

ويبدو أن المسؤولين البحرينيين لم يطلبوا من الإنتربول إصدار الإشعار إلا بعد موافقة "تايلاند" على تأشيرة "العريبي"، ما يثير سؤالا حول من قام بتنبيههم لخططه.

ومنذ ذلك الحين، رفع الإنتربول "الإشعار الأحمر"، في انتهاك لقواعد المنظمة التي تمنعها ​​من إصدار هذه الإشعارات نيابة عن بلد يسعى إلى اعتقال معارض سياسي.

وبسرعة، تحولت محنة "العريبي" إلى حادث دولي يوضح التقاطع بين الجيوسياسية والرياضة، ولقد تم تسليط الضوء على سجل الحكومة التايلاندية والمحاكم التايلاندية، واحتمالات القيام ببعض الإجراءات الخاطئة.

وبينما كانت السلطات التايلاندية حريصة على الحفاظ على سيادتها الوطنية، فقد كانت حساسة تجاه الغضب الدولي الذي يطالب بإطلاق سراح "العريبي"، وتتمتع البحرين وتايلاند بعلاقة تجارية عميقة تعقد الأمور.

وعلى الجانب الآخر، برزت أستراليا كصوت للغرب، حيث قام رئيس الوزراء "سكوت موريسون" بالتواصل عدة مرات مع نظيره التايلاندي الجنرال "برايث تشان أوشا"، طالبا إطلاق سراح "العريبي" وعودته.

وبينما طالب البعض في أستراليا بمقاطعة السياحة في تايلاند، فضل "موريسون" حل الوضع دبلوماسيا، حيث يركز اهتمامه على الانتخابات الأسترالية المقبلة، كما تلوح الانتخابات أيضا في تايلاند، ما أضاف طبقة أخرى إلى الاعتبارات السياسية المحيطة بمصير "العريبي".

ومما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لتايلاند أن البلد يتمتع بسمعة سيئة في مسائل الهجرة وتسليم المجرمين واللاجئين، وتصدرت هذه السمعة عناوين الصحف الدولية الشهر الماضي مع قضية "رهف محمد القنون"، وهي سعودية تبلغ من العمر 18 عاما، قالت إنها كانت تفر من عائلتها التي تسيء إليها عندما اعتقلتها السلطات التايلاندية وبدأت إجراءات تسليمها.

وبفضل حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، والضغط الدولي، تم منحها اللجوء في النهاية إلى كندا.

وفي أعقاب قضية "القنون"، أشارت الحكومة التايلاندية إلى تحول في السياسة، حيث أعلن رئيس دائرة الهجرة الجديد أنه لن يتم إرسال اللاجئين إلى ديارهم "بشكل قسري"، وأنه من الآن فصاعدا ستتبع تايلاند المعايير الدولية.

ويعد هذا تغييرا كبيرا لدولة غير موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين.

الرياضة وحقوق الإنسان والسياسة

وكما هو الحال مع العديد من قضايا تسليم المجرمين البارزة، بدأ المدافعون المعتادون في منظمات حقوق الإنسان، والمراقبون الدوليون، الدفاع عن "العريبي".

ونظرا لمهنته، فإن مزاعمه حول ممارسة التعذيب والقمع الرياضي، والعلاقة الفاسدة بين السلطة السياسية والرياضية دفعت القضية إلى ضمير المجتمع الرياضي الدولي.

وطالب الكثيرون باللجنة الأولمبية الدولية، والاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، بممارسة ضغوط على كل من تايلاند والبحرين، على أمل أن يؤدي التهديد بالعقوبات إلى إطلاق سراح "العريبي".

لكن ترددت اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، على نحو متوقع، في كيفية التصرف، حيث يحاولان الحفاظ على مواقفهما الرسمية كأطراف غير سياسية.

ويواجه "الفيفا" موقفا صعبا للغاية مع تعرضه لانتقادات عديدة في الأعوام الأخيرة بسبب قضايا حقوق الإنسان في الدول المضيفة لكأس العالم.

 وردا على ذلك، قدم "الفيفا" أول سياسة رسمية تهتم بحقوق الإنسان عام 2017، والتي تضمنت "التزام الفيفا باحترام جميع حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، والسعي لحماية هذه الحقوق".

وبالنسبة للكثيرين في المجتمع الرياضي الدولي، أصبحت قضية "العريبي" اختبارا حاسما لمواءمة تصرفات الفيفا مع قيمه المعلنة.

وأخيرا، مع المناصب المتداخلة التي يشغلها الشيخ "سلمان"، يبدو أن وضعه السياسي والرياضي يقوض المبادئ الحاكمة لمنظمات مثل الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية، التي من المفترض أن يعمل أعضاؤها وموظفوها بشكل مستقل عن حكومات الدول.

ومن الناحية الفنية، لا يمتلك الشيخ "سلمان" أي منصب سياسي رسمي في البحرين، ويمكن للفيفا ببساطة أن يتغاضى عن حقيقة أنه جزء من أسرة "آل خليفة" التي تحكم البحرين منذ أن نالت استقلالها عن المملكة المتحدة عام 1971.

وفي حين أنه من الجدال أن يقال إن إدارة الرياضة لا ترتبط بالسياسة على الإطلاق، فإن هذا النوع من الارتباط كان قد ظهر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما اعترفت اللجنة الأولمبية الدولية باللجنة الأولمبية السوفييتية، التي بذلت القليل من الجهد لإخفاء علاقاتها بالحزب الشيوعي السوفييتي.

ومع مسح مشهد الهيئات الرئيسية والفرعية التي تدير الرياضية العالمية، فلن تجد أي نقص في الأفراد المرتبطين بالحكومات الوطنية.

وبغض النظر عن مدى قوة قيادة "الفيفا" واللجنة الأولمبية الدولية، والمجموعات الأخرى التي تعلن استقلالها السياسي، فإن قضايا مثل قضية "العريبي" تأتي الآن لتذكرنا بأن الرياضة تتقاطع بوضوح مع الجيوسياسية، حتى إن ادعى الجميع خلاف ذلك.

  كلمات مفتاحية

الفيفا اللجنة الأولمبية الدولية حكيم العريبي الشيخ سلمان آل خليفة البحرين