فورين بوليسي: هل تجهز إدارة ترامب العالم لحرب مع إيران؟

الاثنين 18 فبراير 2019 12:02 م

أكدت إدارة "ترامب"، مرارا وتكرارا، أن مؤتمر الشرق الأوسط الأسبوع الماضي في وارسو، بولندا، الذي أطلق عليه رسميا اسم "المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط"، كان مجرد محاولة لإظهار التضامن والدعم الدوليين لعزل إيران.

لكن من المؤكد أن العديدين شعروا أنهم بصدد قمة حربية تقليدية وشديدة الخطورة للغاية.

وقد تزامن الاجتماع، الذي حضره نائب الرئيس "مايك بنس"، ووزير الخارجية "مايك بومبيو"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، وعدد ضئيل من وزراء الخارجية العرب، ورئيس الدبلوماسية البولندية، ووزير الخارجية البريطاني، تزامن مع الذكرى الـ40 لقيام الجمهورية الإسلامية.

وقد ميز مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" هذه المناسبة عبر نشر مقطع فيديو على "تويتر" يبرز قائمة واشنطن الطويلة من المظالم والاتهامات الموجهة إلى القادة الإيرانيين.

واختتم "بولتون" حديثه موجها بعض الكلمات للمرشد الأعلى "علي خامنئي"، قائلا: "لا أعتقد أنه لا يزال لديك الكثير من الاحتفالات".

وقد استخدم "بنس" المؤتمر لتوجيه كلمات قاسية إلى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين اتهمهم أساسا بمساعدة وتحريض عدو للولايات المتحدة.

ونظرا لأن مؤتمر وارسو كان مؤتمرا يغلب عليه الفردية، مع اتهام "بنس" للأوروبيين، وتهديدات "بولتون"، والضجة الأوسع في الخلفية في واشنطن، كانت أحداث الأسبوع الماضي مألوفة بطريقة مبهمة.

حيث تذكر الأحاديث حول إيران بحمى الحرب التي استحوذت على واشنطن عام 2002 بسبب العراق، ويبدو أن أصداء ذلك العام ليس من الصعب رؤيتها في محاولة إدارة "ترامب" تشكيل النقاش الداخلي والدولي حول إيران.

ولم يشر أحد إلى نوايا عسكرية، لكن كبار المسؤولين الأمريكيين قد أعلنوا بشكل أساسي أن نظراءهم الإيرانيين ليسوا أكثر من مجرد عصابة مدمرة تسعى للسيطرة على المنطقة، ولقد كانت هذه هي الرسالة نفسها التي شددت عليها إدارة "جورج دبليو بوش" مرارا وتكرارا حول "صدام حسين" والعراق.

وكان من الممكن أن ينأى "بنس" بنفسه عن رحلة بولندا، وأن يرسل "دونالد رامسفيلد" بدلا منه، ليعيد انتقاده السيئ للألمان والفرنسيين، على الرغم من أن وزير الدفاع الأسبق يجب أن يشمل البريطانيين معهم هذه المرة.

وكان المؤتمر المؤسف بأكمله يذكرنا أيضا بالطريقة التي جابت بها إدارة "بوش" أركان العالم لبناء ائتلافها من الداعمين.

لكن الأكثر شؤما، أن هناك الكثير من الهمس في واشنطن بأن إدارة "ترامب" تجاهلت المهنيين في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، ووزارة الدفاع، وغيرها من البيروقراطيات في السياسة الخارجية، والتي قضت بأن إيران ممتثلة لخطة العمل المشتركة الشاملة.

دوافع إيران

وليس معنى ذلك أن إيران تلعب بشكل مشروع في الشرق الأوسط، فانتهاكات طهران معروفة، وقد سهل القادة الإيرانيون قتل مئات الآلاف من السوريين، واستثمروا في جهود الحوثيين لاستنزاف المملكة العربية السعودية في اليمن، وهددوا استقرار البحرين.

ثم هناك "حزب الله"، الذي يحصل، بحسب الحكومة الأمريكية، على 700 مليون دولار سنويا من إيران، وأصبح بمثابة قوة استكشافية لإيران في سوريا واليمن وأفغانستان.

وتعتبر هذه أشياء سيئة، ولكن جهود إدارة "ترامب" لبناء دعم للحرب ضد إيران غفلت عن قصد عن حقيقتين مهمتين؛ أولا، حتى لو كان القادة الإيرانيون، كما تقول الإدارة، عازمين على تحويل المنطقة إلى منطقة نفوذ فارسي، فإنهم في واقع الأمر ليسوا جيدين جدا في ذلك.

وحيثما نجحوا، فقد استفادوا من الأخطاء الاستراتيجية للآخرين، مثل الولايات المتحدة في العراق، والسعودية في اليمن، و"بشار الأسد" في سوريا.

وفي تلك المناسبات، عندما قاموا بتشكيل تحد مباشر لـ(إسرائيل)، تم ضربهم، وكان رد "قاسم سليماني" على العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا ضعيفا، ما يؤكد مدى مبالغة الإدارة في تقدير التحدي الإيراني.

ثانيا، ما تفعله إيران ليس أمرا غير عقلاني أو مفاجئا، فمن المعروف أن طهران تريد إبقاء العراق ضعيفا وغير مستقر، حتى لا يمكن لبغداد أن تصبح تهديدا لها مرة أخرى.

وقد جاء الأمر بإنقاذ "الأسد" للحفاظ على ارتباطها بحزب الله، وهو الوسيلة الأساسية التي تحاول من خلالها التأثير على في بلاد الشام وإظهار التحدي للتفوق الإسرائيلي، وهي تلعب لعبتها في البحرين لاستفزاز السعوديين في الأساس، وبعبارة أخرى، يستخدم الإيرانيون الموارد المتاحة لهم لتعطيل النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يضر بهم لصالح السعوديين والإسرائيليين.

وبالطبع لا يمكن السكوت عن أي من ما يفعله الإيرانيون في المنطقة، لكن ما تفعله إيران ليس سببا كافيا لتكبد حرب لتغيير النظام حيث تظل الولايات المتحدة أقوى ممثل ومهيمن في المنطقة، ولا تزال (إسرائيل) تتمتع بالتفوق وما زال النفط يتدفق من الخليج.

وصحيح أن السعودية تعرضت لهجوم صاروخي من حلفاء إيران في اليمن، لكن من المحتمل أن يتوقف ذلك عندما ينهي السعوديون عملياتهم العسكرية هناك.

وقد حاول الرئيس السابق "باراك أوباما" حل مشكلة إيران، بدءا من خطة العمل المشتركة الشاملة، اعتمادا على النظرية القائلة بأن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يوفر سبيلا لإجراء محادثة أوسع نطاقا.

ولم ينجح الأمر على هذا النحو، لأن الإيرانيين سعوا للضغط من أجل مصالحهم حول المنطقة، وكان "ترامب"، إلى جانب مستشاريه والحزب الجمهوري، يكرهون الصفقة منذ البداية، على أساس الاعتقاد بأن النظام الإيراني لا يمكن إصلاحه.

السياسة الذكية

وقد يكون هذا صحيحا، لكن السياسة الذكية في هذه الحالة كان من شأنها أن تهدف إلى التوازن بين تفاؤل "أوباما" الذي كان في غير محله، وتوجهات "ترامب" المتطرفة، بعبارة أخرى، فعل ما فعلته (إسرائيل) لمواجهة التحدي الإيراني، ألا وهو الردع.

وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في ربيع عام 1988 عندما تحدت إيران أولويات الولايات المتحدة في الخليج، ما أدى إلى إغراق جزء كبير من البحرية الإيرانية في قاع البحر.

ولا يتطلب الردع من أي طرف أن يقنع نفسه بأن إيران تستطيع أو تريد أن تكون فاعلا إقليميا بناء.

ويعد الردع نهجا شاقا وواقعيا لمشكلة لا تتطلب الحرب في الوقت الحاضر، ومن المرجح أن يحظى الردع بمزيد من الدعم الدولي أكثر مما يبدو وكأنه اندفاع محرج إلى صراع مفتوح.

والفارق الكبير هنا بين عامي 2019 و2002 هو التصميم بين الديمقراطيين على عدم ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبوها قبل 17 عاما، عندما سمحوا لإدارة "بوش" بوضع شروط المناقشة التي مهدت الطريق لعملية العراق.

ورغم أن العديد من أعضاء الكونغرس قلقون تجاه إيران، فلن يدعم الديمقراطيون، على وجه الخصوص، حربا وقائية أخرى في الشرق الأوسط.

لكن قد يتغير هذا إذا كان هناك نوع من الاستفزاز في المنطقة، ولكن في الوقت الحالي، لا يبدو الإيرانيون مستعدين لاتخاذ هذه الخطوة، ومع ذلك، تبدو احتمالات الدخول في صراع مفتوح مع إيران أكبر مما كانت عليه حتى قبل 6 أشهر.

وفي الوقت الذي يدفع فيه المتشددون سياسة الولايات المتحدة بلغة بلهاء وساذجة، تعتبر إدارة "ترامب" هنا هي المتحكم الرئيسي في القرار، وليس إيران.

المصدر | ستيفن كوك | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الحرب ضد إيران مؤتمر وارسو حرب اليمن حرب العراق ترامب إيران