رئيس مدى الحياة.. مصر تصنع فرعونها مجددا

الأربعاء 20 فبراير 2019 01:02 ص

يقوم الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بتوسيع قوته وتعزيزها بعدما شرع في تطبيق تعديلات دستورية ينتظر إقرارها في وقت لاحق من هذا العام. ومن شأن هذه التعديلات أن تلغي القيود التي تمنع حاليا "السيسي" من قضاء أكثر من فترتين مدة كل منها 4 أعوام، مما يسمح للرئيس بإعادة انتخابه لفترتين جديدتين مدة كل منها 6 أعوام، ما يمهد الطريق لبقائه في السلطة حتى عام 2034.

ومن شأن هذه التعديلات الدستورية الجديدة أن تمنح "السيسي" سلطة إعادة تشكيل الحكومة المصرية بدون موافقة البرلمان، وتعيين ثلث أعضاء "مجلس الشيوخ"، وهو مجلس برلماني مستحدث. ومن شأن هذه التعديلات أن تمكن رئيس الدولة في مصر أيضا من تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، وتعيين مجلس قضائي جديد يدير السلطة القضائية المصرية بكاملها، مما يفاقم من أزمة الافتقار لمفهوم الفصل بين السلطات. وهناك تعديل آخر للدستور يجعل الجيش وصيا على حماية "الدستور والديمقراطية ومدنية الدولة".

وفي 14 فبراير/شباط، وافق البرلمان على التعديلات المقترحة، مع تصويت 485 من أصل 596 عضوا لصالح التعديلات. والآن، تحتاج هذه التعديلات إلى موافقة الجمهور عبر استفتاء. ولن يصوت المصريون على كل تغيير مقترح على حدة، بل سيصوتون على جميع التعديلات بحزمة واحدة بـ "نعم" أو "لا".

ولا شك أن النتائج الرسمية للاستفتاء ستظهر "فوزا" ساحقا لصالح "السيسي"، بغض النظر عن كيفية تصويت المواطنين في الواقع. لكن من المثير للاهتمام أن مسؤولي النظام يدركون عدد الأصوات الفعلي لمؤيديهم، وعدد الأصوات الرافضة حتى لو لم يتم الإعلان عنها، وهي المعادلة التي ستشكل وجهات نظرهم حول مستوى شرعية لدى "السيسي" بين المواطنين.

ويؤكد المصريون الذين يؤيدون هذه الحزمة من التعديلات على دستور مصر لعام 2014 أن هذا التغيير من شأنه أن يفيد استقرار مصر وأمنها وتطورها الاقتصادي على المدى الطويل. ومع ذلك، إذا تم إجراء مثل هذه التغييرات الدستورية، فسوف يتم وضع السلطة بشكل كامل وتام بين يدي الرئيس والجيش، مما سيحرك مصر بعيدا أكثر مما هي عليه الآن من الديمقراطية، لتقترب أكثر إلى الاستبداد والدكتاتورية العسكرية الصريحة.

وبدون شك، ستزيل هذه التغييرات القادمة جميع مظاهر الضوابط والتوازنات على سلطة الرئيس، والتي كان قد تم تأسيسها في دستور 2014، مما يؤدي إلى تآكل جميع الآليات الممكنة للحد من نفوذ "السيسي". ومع ذلك، تشمل التعديلات التي اقترحها مؤيدو "السيسي" المتحمسون إصلاح البرلمان بحصص تضمن مستوى أعلى من تمثيل النساء والمسيحيين، وهي تغييرات تهدف بالتأكيد إلى جذب ثوار 2011، على الرغم من الطرق التي لا حصر لها في هذه الدستور التي ستعمل على تقويض الديمقراطية في مصر.

الربيع العربي يتراجع

وكانت الانتقادات التي طالت حكومة "حسني مبارك"، والتي نمت خلال العقد الأول من القرن الحالي وصولا إلى احتجاجات واسعة النطاق خلال أوائل عام 2011 أسفرت عن الإطاحة بنظام "مبارك" بعد 30 عاما في السلطة، كانت هذه الانتقادات أخف مما يلاقي "السيسي" من انتقادات اليوم. وقد أعطت ثورة الربيع العربي في مصر الأمل للكثير من المصريين بأن تشهد فترة ما بعد "مبارك" في بلادهم تقدما ديمقراطيا. ومع ذلك، فإن انقلاب عام 2013، الذي حظي بتأييد قوي من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر بالطبع، كتب نهاية تجربة مصر الديمقراطية الوجيزة في حقبة ما بعد 2011.

ووفقا لكثير من منتقدي "السيسي"، وبعد 5 أعوام ونصف من الإطاحة بالرئيس "محمد مرسي"، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، أصبحت مصر أكثر قمعا من أي وقت مضى في الذاكرة الحية، بما في ذلك تحت الحكم الملكي وحتى الحكم القومي العربي لـ"جمال عبدالناصر"، وهو النظام الذي كان قاسيا بشدة على الإسلاميين في الخمسينات والستينات.

ومنذ عام 2013، تراجعت الحكومة بقيادة "السيسي" تدريجيا عن أي مظهر من مظاهر الحقوق الفردية والحريات المدنية، وسيطرت على كل منافذ الجوار السياسي، ووضعت سلطات أكبر في يد العسكريين، وأصدرت عقوبات بالسجن لمدد طويلة في حق عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، ونفذت أحكاما بالإعدام في حق بعضهم. ومما لا شك فيه، فأن وتيرة إزاحة الديمقراطية عن مصر وتحرك البلاد نحو الدكتاتورية العسكرية سوف تتسارع بشكل كبير مع تنفيذ هذه التغييرات الدستورية في وقت لاحق من هذا العام. وببساطة، فإن مثل هذه التعديلات قد تؤدي بسهولة إلى أن يكون "السيسي" رئيسا مدى الحياة.

ومن اللافت للنظر أن سرعة ترسيخ "الدولة العميقة" في مصر قد وضعت حدا لأحلام ثورات الربيع العربي عام 2011. واليوم، لا يوجد في الأساس معارضة حقيقية لرئاسة "السيسي" أو للنظام في مصر. وقد مارست الطغمة العسكرية، التي استولت على السلطة في انقلاب عام 2013، القتل والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب بحق جميع المصريين المؤثرين الذين كانوا يعارضون بشكل واضح الحكم العسكري، وتم وسمهم الإرهاب، وجرت محاكمتهم بموجب تشريعات وحشية تحت ذريعة الدفاع عن الأمن القومي.

وفي هذا السياق، ما الذي قد يجنب مصر إقرار مثل هذه "التعديلات"؟ لا يملك البرلمانيون الذين ينتمون إلى "المعارضة المخففة"، المكونة من "الأحزاب العلمانية والليبرالية غير الفاعلة إلى حد كبير"، ببساطة أي قدرة على إبداء مقاومة كبيرة للتغييرات الدستورية المقترحة. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان من الجدير بالذكر أن بعض النشطاء المصريين البارزين، بمن فيهم البرلماني "أحمد الطنطاوي"، وبعض المحامين المستقليون، كانوا جريئين في التعبير عن معارضتهم لما يرونه محاولات "السيسي" للعيمنة على السلطة. ومع ذلك، يخاطر مثل بأنفسهم، حيث قد يتعرضون لأحكام بالسجن لمجرد تحدي السلطات فيما يتعلق بالتعديلات. وبالمثل، يعرض المواطنون العاديون حياتهم للخطر عبر التعبير عن معارضتهم على منصات التواصل الاجتماعي.

البارومتر الإقليمي

تقليديا، عملت مصر كنموذج للعالم العربي، ويبدو أن الوضع لا يختلف الآن، لأن المنطقة الأوسع تتحرك إلى حد كبير في نفس الاتجاه الذي تتحرك فيه مصر ما بعد 2013. وبينما يقوم ملوك الخليج بقمع المعارضين في بلادهم، وبينما تتم إعادة قبول الرئيس السوري "بشار الأسد" في الحظيرة الدبلوماسية العربية، وبينما لا ينتقد أي نظام عربي العنف الذي تمارسه الحكومة السودانية ضد المتظاهرين العزل، من الواضح أن معظم الأنظمة العربية تحتضن نموذج "الاستقرار السلطوي". وخوفا من احتمالية تهديد الثورات الديمقراطية لزعماء الشرق الأوسط المستبدين في الأعوام القادمة، تضع مصر الأساس القانوني لـ "الـسيسي" ليبقى رئيسا مدى الحياة، بينما يعمل على دعم وترسيخ السياسات الاستبدادية والمناهضة للإسلاميين. وفي الدول العربية الأخرى لا تزال الحركات الشعبية تشكل تهديدات أيديولوجية متفاوتة للأنظمة مثل نظام "السيسي" وغيره من الزعماء المستبدين في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وفي الواقع، من منظور "الدولة العميقة" في مصر، أدى الانفتاح السياسي خلال عامي 2011 و2012، وما صاحبه من انتخابات أجريت في بعض الدول العربية، أددى إلى خلق وضع خطير للغاية كان يتطلب الحل بانقلاب عام 2013، وكذلك من خلال التعديلات الدستورية الجديدة؛ لعكس آثار ثورة عام 2011 تماما. والآن، تعمل دولة مصر العميقة على جعل احتمالات قيام ثورة أخرى غير عنيفة ومؤيدة للديمقراطية مستحيلة، عبر تعزيز ديكتاتورية "السيسي"، في الوقت الذي تعزز فيه نفوذ الجيش المصري في السياسة والشؤون المدنية.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي التعديلات الدستورية مصر الربيع العربي