من هو العريف حسن آخر حارس عثماني للمسجد الأقصى؟

السبت 23 فبراير 2019 08:02 ص

لسنوات طويلة، حرص العريف "حسن الإغدرلي"، أن يكون أول من يصل إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية، وآخر من يغادره قبل إغلاق أبوابه.

هذا ما يتضح من شهادة فريدة حول العريف "حسن"، وهو آخر الجنود العثمانيين في القدس والمسجد الأقصى.

وليس ثمة الكثير المعروف عن العريف "حسن"، أو حتى مكان قبره، ولكن اسمه متداول ما بين المصلين لكبار في السن في المسجد الأقصى.

وقال الشيخ "عكرمة صبري"، خطيب المسجد الأقصى: "كان هذا الجندي التركي منعزلا عن الناس، وكان قلبه متعلقا بالمسجد الأقصى، فيقضي فيه الساعات الطوال خلال النهار إلى أن يتم إغلاق أبواب المسجد، فكان أول من يدخل المسجد في ساعات الفجر، وآخر من يخرج منه في المساء".

استنادا إلى الشيخ "صبري" (80 عاما)، فإنه كان يلمح بشكل متكرر العريف "حسن"، بملابسه المتواضعة، وهو يجلس على درجات تؤدي إلى قبة الصخرة المشرفة من الجهة الشمالية للمسجد الأٌقصى.

عدم حديث العريف "حسن" مع المصلين، ربما لعدم إتقانه اللغة العربية، جعلت المعلومات عنه ضئيلة للغاية.

وقال الشيخ "صبري": "يبدو أنه كان حزينا على ما حصل في الحرب العالمية الأولى.. لم يحتك بالناس.. هذا هو الانطباع الذي أخذته عنه".

وأضاف: "هو لم يتكلم العربية أو لم يفكر أن يتحدث باللغة العربية وبقي منطويا على نفسه إلى أن توفاه الله".

لم يكن بإمكان الشيخ "صبري"، تحديد مكان محتمل لقبر العريف "حسن"، أو تاريخ محتمل لوفاته.

ولربما كان الأول الذي يكشف سره هو الصحفي التركي المؤرخ "إلهان بردكجي"، الذي زار المسجد الأقصى، ضمن وفد تركي في شهر مايو/أيار 1972، وتحدث معه باللغة التركية.

يشير "بردكجي"، إلى أن العريف "حسن"، كان في حينها في الثمانينيات من عمره، وإنه حينما ألقى عليه السلام رد عليه بصوت خافت مرتجف: "وعليكم السلام بنبرة تركية".

وعندما استفسر منه عن سبب وجوده في المسجد الأقصى، رد: "أنا.. أنا العريف حسن اﻹغدرلي رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة الطابور السادس والثلاثين من الفرقة العشرين في الجيش العثماني".

ولفت العريف "حسن"، إلى أن "اليوزباشي النقيب مصطفى للحراس قال: أيها اﻷسود.. إن الدولة العثمانيّة العليّا في ضيق كبير... جيشنا المجيد يسرح... والقيادة تستدعيني إلى إسطنبول.. يجب أن أذهب وأُلبّي اﻷوامر وإلا أكون قد خالفت شروط الهدنة ورفضت الطاعة، فمن أراد منكم العودة إلى بلاده فليفعل".

وأضاف: "لكن أقول لكم إن القدس أمانة السلطان سليم خان في أعناقنا فلا يجوز أن نخون هذه اﻷمانة أو نتخلى عنها، فأنا أنصحكم بالبقاء حراسا هنا، كي لا يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس وغادرته".

وزاد: "وإذا تخلت دولتنا عن أول قبلة لفخر الكائنات سيدنا محمد (صل الله عليه وسلم)، فسيكون ذلك انتصارا حقيقيا ﻷعدائنا، فلا تضعوا عزة اﻹسلام وكرامة الدولة العثمانية تحت اﻷقدام".

وأضاف العريف "حسن": "فبقيت وحدتنا كلها في القدس، ﻷننا لم نرضَ أن يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس، أردنا ألا يبكي المسجد اﻷقصى بعد أربعة قرون، وألا يتألم نبينا الكريم".

وتابع: "ثم تعاقبت السنوات الطويلة ومضت كلمح البصر، ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحدا واحدا، لم يستطع اﻷعداء أن يقضوا علينا، وإنما القدر والموت، وها أنا ذا العريف حسن لا زلت على وظيفتي حارسا على القدس الشريف... حارسا على المسجد اﻷقصى".

استنادا إلى "بردكجي"، فإنه في عام 1982 تلقى رسالة بوفاة "الحارس العثماني الأخير للمسجد الأقصى".

ما قدمه "بردكجي"، من شهادة عن العريف "حسن"، يتوافق مع ما هو معروف لدى مدير أكاديمية الأقصى للوقف والتراث، الخبير بالحقبة العثمانية في القدس وفلسطين، "ناجح بكيرات"، عن الجندي العثماني.

وقال "بكيرات"، وهو مدير سابق للمسجد الأقصى: "كان الجندي العثماني يؤمن بأن القدس وفلسطين جزء من العقيدة وكان الجندي العثماني محارب من الطراز الأول يمتاز بصلابته فهو كان جنديا قويا قادر على أن يعيش في ظروف صعبة جدا فكان مثلا يكتفي بالقليل من الطعام ويقاتل في ظروف صعبة وربما يحاصر لأشهر ويمكث كجندي صلب، وثالثا إن الجندي العثماني كان يمتاز بنوع من الطاعة لقيادته وهذا أعطاه زخما".

وأضاف: "بالتالي هو جندي لديه قوة عقائدية وقوة جسمانية وعقلية وامتثاله للأوامر العسكرية أكسب الجبهة العثمانية قوة، وبالتالي استطاع الجيش العثماني أن يبني قلاع ومجتمع كامل وبنية تحتية كاملة، وأن يعيد للقدس مكانته وخاصة من خلال بناء السور الذي يحيط بالبلدة القديمة، ونعلم أن حوالي 1000 جندي عثماني استشهدوا وهم يبنون سور القدس، وهذا يعني أنهم عشقوا القدس وأحبوها".

وزاد: "وكذلك حينما تعلم أن 500 جندي عثماني كانوا يراقبون قناة السبيل التي تأتي بالمياه من العروب في الخليل مرورا بيت لحم وصورباهر وجبل المكبر وسلوان، وصولا إلى المدينة المقدسة وداخل المسجد الأقصى".

ولفت "بكيرات"، إلى أن "الجندي العثماني بقي حوالي 400 عام في مدينة القدس"، وقال: "بقي جندي مثابرا يعرف هويته الاسلامية ويعرف انتسابه، ويعرف أن عليه مسؤولية وأن هذه المسؤولية هي التي دفعته إلى أن يشارك في بناء الخانات وفتح الطرقات بما فيها من يافا إلى القدس، وبناء محطة القطار من القدس، وكان في كل قضية تتعلق بالبنية التحتية سواء اكانت قنوات مياه او اسوار او خطوط دفاعية وبنى الكثير من القلاع والزوايا".

وأضاف "بكيرات": "لم يكن الجندي العثماني مقاتلا فقط، وإنما كان مشارك فكان يعيش لعقيدته وكان يشعر وهو يبني في القدس أنه يبني في حضارة، وأنه يخدم في دين، وأنه ينتمي إلى أمة وإلى هوية".

وتابع "بكيرات": "بقي لهذا الجندي كل الآثار التي تركت في القدس لتدلل على أن الجندي العثماني بنى مدينة وشارك في أمة وصنع ثقافة".

ولكن وإن كان العريف "حسن"، قد رحل، فإنه ما زال بالإمكان ملاحظة معالم الدولة العثمانية في الكثير من الأماكن في فلسطين، وتحديدا في المسجد الأقصى ومحيطه بالبلدة القديمة من مدينة القدس.

وقال الشيخ "صبري": "هناك بصمات متعددة للدول العثمانية سواء في مدينة القدس أو المسجد الأقصى بما فيها المصاطب، وسبل المياه، وكانت معظم انطلاقات الجيش العثماني تتم من المسجد الأقصى المبارك".

وأضاف خطيب المسجد الأقصى: "لا تزال الآثار التركية قائمة في المسجد الأقصى، بخاصة وفي مدينة القدس وفلسطين بعامة، سواء المساجد أو دور القرآن الكريم أو مدارس الأيتام".

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

العريف حسن المسجد الأقصى القدس العثمانيين عكرمة صبري

الأناضول تواصل اقتفاء أثر آخر جندي عثماني في الأقصى