جيروزاليم بوست: لماذا يسعى السيسي لحكم مصر منفردا؟

الاثنين 25 فبراير 2019 08:02 ص

إذا تم تمرير التعديلات الدستورية المقترحة التي يناقشها البرلمان المصري الآن، كما هو متوقع، فسوف يجد الشعب المصري نفسه يعيش في نظام يختلف تماما عن النظام الذي صوت له في عام 2014.

وبعد الإطاحة بالرئيس "محمد مرسي" واستيلاء الجيش على السلطة في 3 يوليو/تموز 2013، بقيادة وزير الدفاع آنذاك "عبدالفتاح السيسي"، تمت صياغة دستور تحت رعايته وتم اعتماده بأغلبية ساحقة.

ونص الدستور على التقسيم التقليدي للسلطات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضلا عن الضوابط والتوازنات بين صلاحيات الرئيس وتلك الخاصة بالبرلمان.

ووفقا للمادة 140، يتعين انتخاب الرئيس لفترة 4 أعوام، ويمكن إعادة انتخابه لفترة واحدة فقط، كما هو الحال في الولايات المتحدة.

وكان يُنظر إلى ذلك على أنه إشارة قوية إلى الغرب مفادها أن النظام الجديد سيكون ليبراليا، ولكن بشروط الشرق الأوسط، بعد الثورة التي أنهت حكم "حسني مبارك" والتظاهرات ضد حكم "مرسي" والإخوان المسلمين.

لكن ما هو مطروح الآن على الطاولة بشأن تعديل المادة 140 سيمدد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 أعوام، بشرط يسمح للرئيس "السيسي"، الذي أُعيد انتخابه في يونيو/حزيران 2018 لفترة ثانية مدتها 4 أعوام تنتهي في عام 2022، أن يكون مرشحا لفترتين إضافيتين من 6 أعوام. ويجعله هذا رئيسا حتى عام 2034 بما يعني 20 عاما من الحكم المستمر.

وكان مؤيدو "السيسي" قد طرحوا مقترحات في الأشهر الأخيرة تميل إلى تمديد فترة الـ 4 أعوام، و/أو إلغاء قيد الفترتين، في ما يبدو أنه حملة تم التخطيط لها بعناية.

وجاءت الخطوة التالية في ديسمبر/كانون الأول، حيث تم تقديم موجز إلى محكمة الأمور العاجلة تطالب بأن يعقد البرلمان جلسة استماع حول تغييرات دستورية للحدود الرئاسية. وأرجأت المحكمة جوابها "لدراسة القضية".

ثم كتب الصحفي البارز المقرب من السلطة "ياسر رزق" سلسلة من المقالات لبيان أن التغيير كان مطلوبا بسبب الأخطار التي تواجه مصر. ويؤكد أنصار الرئيس أنه قد أعاد الاستقرار إلى البلاد، ويجب السماح له بمواصلة مكافحته للإرهاب الإسلامي فيما وتطوير الاقتصاد، على حد قولهم. 

وفي حين أكد "السيسي" في الماضي أنه يعارض التغييرات الدستورية ويمتثل لفترة ولاية مدتها 4 أعوام، إلا أنه لم يبد ممانعة تجاه الحملة التي تدعو لتغيير الدستور. وقد أتت الآن بثمارها مع معارضة محدودة للغاية من البرلمان.

ووفقا للمادة 226 من الدستور الحالي، يمكن اقتراح التغييرات من قبل ما لا يقل عن خُمس البرلمان. وإذا تم رفضها، لا يمكن اقتراحها مرة أخرى حتى نهاية الدورة التشريعية الحالية.

علاوة على ذلك، تنص المادة على عدم جواز إجراء أي تغيير في المواد التي تقيد فترة الرئاسة، وكذلك مواد الحريات، ما لم تكن لإضافة "المزيد من الضمانات".

ولكن - في خرق لهذه الضمانات - طالب 155 عضوا في البرلمان، يمثلون أكثر من الخمس المطلوب، بطلب التغييرات المقترحة. وقدم رئيس البرلمان الاقتراح على النحو الواجب إلى لجنة برلمانية، والتي بدورها جلبته إلى التصويت في الجلسة العامة في 14 فبراير/شباط.

ومن أصل 596 عضوا، صوت 485 لصالح هذه الخطوة، مقابل رفض 16 صوتا، وامتناع 90 عضوا عن التصويت. ولم يكن هناك سوى اثنين فقط من الأحزاب والكتل الـ 15 الممثلة يعارضان هذه التغييرات.

تغييرات كبيرة

لكن لا يزال هناك عدد من العقبات.

وتم إرسال المقترحات إلى لجنة الدستور والقوانين، التي لديها 60 يوما للاستماع إلى حجج المؤسسات العامة والأفراد، وإعداد مسودة نهائية للتصديق عليها من قبل البرلمان.

وسوف يتعين على الرئيس تحديد موعد لإجراء استفتاء في موعد أقصاه 30 يوما من تاريخ التصديق.

وهناك تغييرات أخرى لا تقل أهمية في التعديلات المقترحة.

وقد نصت المادة 160 على أن رئيس الوزراء يتولى الحكم إذا عجز الرئيس عن العمل، بينما يكون من حق البرلمان انتخاب رئيس جديد.

والآن، سيعين الرئيس لنفسه نائبا أو أكثر، ويعين من يحل محله في حالة الضرورة.

ونصت المادة 200 على أن الجيش مكلف بحماية البلاد والحفاظ على سلامتها ونزاهتها.

وتضيف فقرة جديدة في التعديلات المقترحة مهمة جديدة إلى الجيش هي "حماية الدستور والديمقراطية، بالإضافة إلى المكون الأساسي للبلاد، وثقافتها، وإنجازات الشعب فيما يتعلق بالحقوق المدنية"، وهذه هي المجالات التي كانت تقليديا مسؤولة من البرلمان والقضاء ومنظمات المجتمع المدني.

ويبدو تسليم هذه السلطات للجيش، المعروف بعدم احترامه لحقوق الإنسان، مشكلة خطيرة.

وهناك تغييرات كبيرة في القضاء؛ حيث سيعين الرئيس رئيس المحكمة العليا الدستورية، ونواب رئيسها، وكذلك النائب العام.

وفي السابق، كان يتم ترشيح هذه المناصب من قبل أعضاء السلطة القضائية، ويصدق الرئيس على الترشيحات. وتم تقليص اختصاصات مجلس الدولة، وهي المحكمة التي تتعامل مع النزاعات بين مختلف فروع الحكومة وتتحقق من توافق جميع القوانين التي يقرها البرلمان مع الدستور. وسوف يقوم المجلس فقط الآن بفحص القوانين بناء على طلب البرلمان.

وسوف يتم إنشاء مجلس شيوخ يتكون من 250 عضوا يتم انتخابهم لمدة 5 أعوام، يتم انتخاب ثلثي الأعضاء عبر الانتخابات العامة، ويعين الرئيس الثلث الأخير. وسوف يتم تقليص عدد أعضاء البرلمان إلى 450 عضوا ، على أن تمثل النساء ربع هذا العدد على الأقل.

الحكم منفردا

وبشكل إجمالي، سيجمع "السيسي" في قبضته جميع الصلاحيات لفترة طويلة، وسوف يكون قادرا على الحكم دون الحاجة إلى الرجوع إلى القضاء أو السلطة التشريعية.

لكن لماذا قرر الدخول في مسار سيؤدي إلى تفاقم معارضة نظامه في الغرب؟

يبدو أن "السيسي" لديه مزيج من المخاوف من أن الحرب ضد الجماعات المسلحة في مصر مرشحة للتصاعد حيث لا تظهر الحرب الأهلية المستمرة في ليبيا أي إشارة على قرب نهايتها، ولا تزال المنظمات الإسلامية تهرب كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات إلى الدولة الإسلامية في سيناء.

ويشعر "السيسي" بالقلق أيضا من أن سد النهضة الضخم الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق أن يحد بشكل شديد من إمدادات المياه الحيوية لمصر. ولا تزال الجهود جارية لإيجاد حل وسط، لكن إذا فشلت، لا يمكن للمرء أن يستبعد إمكانية نشوب نزاع مسلح.

ويمكن لهذا الوضع المشحون الشامل أن يفسر لماذا ذهب "السيسي" في جولة تسوق غير مسبوقة لكميات هائلة من الأسلحة والطائرات والمروحيات والسفن الحربية من روسيا وفرنسا، على الرغم من المساعدة العسكرية التي يحصل عليها من الولايات المتحدة.

ولا يمكن استبعاد أيضا كون "السيسي" لا يزال يشعر بقلق من إمكانية صعود حركة شعبية تحتج على ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب سياساته الاقتصادية.

وأخيرا وليس آخرا، قد يُقصد من التغييرات أن تعكس الدور البارز للجيش في المجتمع المصري حيث يؤمن الرئيس أن الجيش يجب أن يلعب دورا مهما في حكم البلاد.

وسيكون هناك بعض المعارضة السياسية والإعلامية الصوتية للتغييرات المقترحة في الأيام والأسابيع المقبلة، وسيتم تقديم بعض الاعتراضات إلى اللجنة الدستورية.

ولكن دون دعم شعبي، لا يُتوقع منع الموافقة على المواد الجديدة، أو حتى إحداث تعديلات بسيطة.

وفي غضون أشهر، سيكون "السيسي" قادرا على الحكم دون قيود سياسية أو قضائية.

المصدر | تسفي مازل - جيروزاليم بوست

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي الدستور المصري التعديلات الدستورية البرلمان المصري