لماذا كان فيلم جرين بوك يستحق جائزة الاستقطاب وليس الأوسكار؟

الثلاثاء 26 فبراير 2019 11:02 ص

عندما تشاهد فيلم "جرين بوك" الذي فاز بجائزة أفضل فيلم في الأوسكار هذا العام، سترى في البداية البطل الأبيض الإيطالي الأمريكي "توني فاليلونجا" وهو يرمي كوبين من الماء لأن رجلاً أسود شرب منهما، ولكن في نهاية الفيلم، الذي يحكي عن عمل "توني" كسائق للاعب بيانو أسود يسمى دكتور "دون شيرلي"، خلال رحلة في الجنوب الأمريكي، سترى "توني" وهو يدعو الرجل الأسود إلى منزله.

هذا السرد لن يفسد عليك الفيلم، ففيلم "جرين بوك"، يستند على قصة حقيقية تمت كتابتها على يد ابن السائق "توني"، وتم الترويج لها على أنها حكاية شافية عن الرجلين اللذين يتغلبان على خلافاتهما ويكوّنان صداقة نادرة الحدوث في أوائل الستينات.

و في حين أن "توني" يظهر كفقير، مفتقد للذكاء ومتحيز في البداية، فإن "شيرلي" ثري، مشدود وحكيم.

كل واحد يتغير عن طريق الاستماع للآخر؛ "توني" يعلم "شيرلي" أن يصبح أكثر حرية، حتى لو كان ذلك عن طريق الصور النمطية مثل أكل الدجاج المقلي والتمتع "بالموسيقى السوداء" من هذه الحقبة، و"شيرلي" يعلم "توني" كيفية قبول أولئك الذين لا يشبهونه.

تم تأدية الدور من قبل الممثلين "فيجو مورتنسن" و"ماهرشالا علي"، وحقق الفيلم، وهو كوميديا رفيعة المستوى، الجوائز؛ فقد فاز بجائزة الجمهور في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، و3 جوائز في مهرجان غولدن غلوب، و3 جوائز في الأوسكار، وغيرها.

لكن "جرين بوك" حصل أيضاً على نصيبه الكبير من الانتقادات، ومعظمهم من النقاد الذين وجدوا خطأ في كيفية تعامله مع الصراع العنصري.

نقاد سود غاضبون

بعض النقاد، مثل الناقدة "مونيك جادج" قالت إن الفيلم "يناول الناس البيض العنصرية بالملعقة"، واتهمته الناقدة "كانديس فريدريك" بأنه يقوم بتبييض تجربة سوداء عبر استخدام الكتاب الأخضر الذي كان السود يعتمدون عليه لحماية أنفسهم أثناء السفر في الجنوب، كـ"مجرد دعامة" للفيلم.

كما يرى ناقد آخر أن أداء الفيلم غير المرضي في شباك التذاكر، يشير إلى أن نوعاً معيناً من الأفلام عن البيض والسود في أمريكا قد وصل إلى نهايته.

لدعم وجهة نظرها، تشير الناقدة "جادج" إلى جزء من الفيلم يزور فيه "توني" و"شيرلي" متجرًا لبيع الملابس للرجال في جورجيا، يسأل "توني"، الذي يكون هو المتحدث في معظم الفيلم، عن البدلة المعروضة، ويتعاون الموظف بسعادة حتى يدرك أن "شيرلي" هو الشخص الذي يريد تجربتها، بعد أن ينزعج الموظف بشكل واضح من الفكرة، يطلب من "شيرلي" إما أن يدفع ثمن البدلة مقدمًا أو يغادر المتجر تمامًا.

تقول الناقدة إن العنصرية التي نراها في الفيلم معتدلة مقارنة "بالإرهاب العنصري الفعلي" الذي واجهه السود في ذلك الوقت وما زالوا يواجهونه، إنها تصدم المشاهدين البيض، لكنها لا تخيفهم.

أما الناقدة "كانديس فريدريك" فقد تحدثت عن هذا المشهد في مقابلة أجرتها معها صحيفة "واشنطن بوست" مؤخرًا، وقالت إنها عندما شاهدت الفيلم لأول مرة، فوجئت بردود أفعال المشاهدين البيض المتفاجئة والمصدومة، وقالت: "أعتقد أن الناس أصبحوا يشعرون بالارتياح تجاه فكرة أننا في مجتمع ما بعد العنصرية الذي لا تحدث فيه مثل هذه الأشياء، لكن أحداً منا -نحن الجمهور الأسود- لم يكن مصدوماً".

شبهته الناقدة بفيلم "ذا هيلب" الذي تحدث عن قصص الخادمات السوداوات اللواتي يخدمن لدى الأسر البيضاء الغنية، وبالرغم من أن الممثلة نالت عن دورها ترشيحاً للأوسكار، لكنها تحدثت مطلع هذا العام عن ندمها على قبول الترشيح لأنها شعرت أنها لم تمثل "أصوات الخادمات اللواتي حكين قصصهن".

أفلام "المنقذ الأبيض"

فيلم "جرين بوك" يشترك في هذه القضية المركزية التي يحدث فيها "اغتصاب صوت البطل الأسود لصالح البطل الأبيض"، بحسب ما تقوله "فريدريك"، لقد أثنت على دور الممثلين "علي" و"مورتنسن"، لكنها قالت إن الأول "تم تهميشه من قبل الأجندة الأكبر التي تفضل الرحلة العاطفية للشخصية البيضاء وإنسانيته".

يبدو أن هناك عددًا كبيرًا من النقاد غير البيض يشاركون "فريدريك" في نفورها من الفيلم الإجمالي، ولكن ليس كلهم، فقد قالت الناقدة "أراميد تينوبو"، إنها وجدت أنه منعش أكثر مما اعتادت رؤيته لهذه الفترة الزمنية، لكنها ترى أن قصة الرجل الأبيض "توني" لا تعني أنه وصل للخلاصة، فحتى لو أصبحوا أصدقاء في النهاية، فإنه لم يفهم أبداً حياة عازف البيانو الأسود.

يُذكر أن شقيق "شيرلي" الحقيقي قد أصدر بيانًا اتهم فيه فيلم "جرين بوك" بتصوير قصة عازف البيانو بشكل غير دقيق، وقال إن عائلته لم يتم الاتصال بها إلا بعد أن تم تصوير الفيلم بالفعل (يقول شيرلي في الفيلم إنه لم يكن على اتصال مع شقيقه، وهو الأمر الذي ينكره أخوه الحقيقي)، ووجدت الناقدة "تينوبو" هذا الأمر مقلقًا، وأن المخرج لم يؤدِّ واجبه، لكنها أوضحت أنها لا تعتبر هذا "فيلم رجل أبيض" بسبب أن فريق العمل الأبيض الذي صنع الفيلم قرر أن يحكي القصة من وجهة نظر "توني".

ومن جانبه دافع الممثل "علي" الذي أدى دور عازف البيانو عن الفيلم، ضد مزاعم بكونه فيلم عن "المنقذ الأبيض"، وقال: "تعامل الفيلم بطريقة قد تكون أكثر قبولاً من بعض المشاريع الأخرى، لكنني أعتقد أنه عرض مشروع، شخصية دون شيرلي معقدة حقًا بالنظر إلى أن الفيلم يدور في الستينات، إنه الشخص صاحب السلطة في تلك السيارة، ليس عليه الذهاب في تلك الرحلة، وعندما يتاح لي أن ألعب شخصية بهذه الأبعاد، فهذا أمر جذاب بالنسبة لي، سواء كان الكتّاب بيضاً أم سوداً".

مغازلة جمهور أبيض

كما أشار "ناو غليبرمان"، الناقد السينمائي الرئيسي في مجلة "فارايتي"، إلى شخصية "شيرلي" وعمق القصة كسبب لمنح فيلم "جرين بوك" فرصة، قائلاً إنه ليس فيلمًا عن المنقذ الأبيض لأن "الشخصين ينقذان بعضهما البعض"، وأضاف: "لا يحاول الفيلم أن يصنع بيانًا كبيرًا حول مسألة العرق باستثناء فكرة أن الأشخاص البيض والسود يجب أن يحاولوا فهم بعضهم البعض بشكل أفضل على اختلاف خلفياتهم وخبراتهم".

النقاد منزعجون من أسلوب رواية القصة وليس القصة نفسها، ولكن يبدو أن رواد السينما يتفقون مع رأي الناقد "غيلبرمان" وفقاً لما كشفته الإحصاءات وحصول الفيلم على جائزة كونه اختيار الجمهور مرة أخرى بعد مهرجان تورنتو، في مهرجان ميدلبورغ السينمائي في فرجينيا، بالرغم من اعتراف مديرة المهرجان بأن جمهوره يميل لأن يكون "أبيض وأكبر سناً" مستدركة بأنه أكثر تنوعاً من المهرجانات الأخرى.

لهذا السبب، من المفهوم سر تحقيق فيلم "الكتاب الأخضر" لأداء جيد خلال موسم الجوائز، الذي يحدث أن تهيمن عليه هيئات التصويت التي تميل أيضاً لأن تصبح من "البيض الأكبر سناً".

وأضاف الناقد السينمائي البارز "بيت هاموند"، أن تكريم تورونتو هو "جائزة تنبؤية للغاية بالأوسكار"، وأن الدفء ورسالة "جرين بوك" هي السبب في أنه سيؤدي أداء جيداً مثل أفلام أخرى تحدثت عن نفس الموضوع، مثل "إن ذا هيت أوف ذا نايت" و"ذا بلايند سايد" و"ذا هيلب" و"هيدن فيجرز".

ولهذا السبب بالتحديد لا تهتم الناقدة "فريدريك" بمنح الجوائز لفيلم "جرين بوك"، فبعض هذه الأفلام، في الوقت الذي تتناول فيه العلاقات بين الأعراق، تمثل "تاريخًا طويلاً من إخفاء بطل الرواية الأسود لصالح البطل الأبيض الأكثر قبولًا والأكثر تمييزًا"، كما قالت، ونادراً ما يؤثر الغضب ضد هذه الأفلام على فرصها في الجوائز.

كما قالت إنها تعتقد أن الأشخاص المعارضين لطريقة تعامل الفيلم، لا يفعلون ذلك لثني هيئات تحكيم الجوائز عن انتخابها، وإنما الأمر أشبه بـ"لماذا تظهر أفلام مثل هذه أصلاً؟".

  كلمات مفتاحية

فوز أول امرأة أمريكية بجائزة أبيل للرياضيات