الاتحاد الأوروبي يحتضن السيسي.. وحقوق الإنسان خارج الطاولة

الثلاثاء 26 فبراير 2019 06:02 ص

كمم الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" - الذي تقوم حكومته بسجن المعارضين - أفواه الصحافة المستقلة، وأعدم 9 سجناء سياسيين الأسبوع الماضي، ولم يقبل أبدا التعرض لمحاضرات حول حقوق الإنسان.

لكن هذا الموضوع بدا وكأنه يزعج الزعيم السلطوي بشكل خاص، وظهر ذلك عندما هاجم في نهاية اجتماع القمة الأوروبيين الذين تجرأوا على سؤاله حول سجله الحقوقي.

وقال "السيسي" للصحفيين، "لن تعلمونا إنسانيتنا". وقال إن لدى الأوروبيين والعرب "فهما مختلفا حول الإنسانية والقيم والأخلاق. احترموا قيمنا وأخلاقنا، كما نفعل نحن معكم".

تعزيز شرعية السيسي

وكان هذا الهجوم علامة على التكاتف الغريب بين زعماء الاتحاد الأوروبي والرؤساء والملوك من جامعة الدول العربية في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، في قمتهم الافتتاحية لتوثيق العلاقات بشأن قضايا مثل الهجرة والإرهاب.

وتم عقد القمة في مصر دعما لشرعية "السيسي"، الذي يأمل القادة الأوروبيون في أن يساعد في تعزيز جهودهم لردع أو رد المهاجرين الأفارقة، الذين يحاولون عبور البحر المتوسط. لكن التوقيت كان محرجا، فقبل أسابيع فقط، بدأ مؤيدو "السيسي" في البرلمان حملة لمد حكمه حتى عام 2034، وربما لفترة أطول.

وتراجع سجل حقوق الإنسان في مصر بشكل أكبر بسبب هذا الحدث، مدفوعا بتوقعات بأن القادة الأوروبيين كانوا يمكنون "السيسي" من القمع. وانفجرت هذه التوترات خلال الساعات الأخيرة للقمة.

وفي خطاب ختامي شديد اللهجة، اتهم "السيسي" الدول الأوروبية المزدهرة بإظهار فهم ضئيل للضغوط التي تواجه البلدان العربية المهددة بالصراع. ودافع عن استخدامه لعقوبة الإعدام. وعندما انتهى من الكلام، ضجت القاعة المكتظة بكبار المسؤولين المصريين، بما في ذلك أعضاء وسائل الإعلام في البلاد، بالتصفيق.

لكن لم يكن الإجماع حاضرا في هذا الموقف. فقد قال رئيس المجلس الأوروبي "دونالد تاسك" في حديث ساخر يخاطب فيه "السيسي"، حسب ما أوردته "أسوشييتد برس": "أقدر حقا مدى حماس وسائل الإعلام الخاصة بك تجاه حديثك. من المستحيل في أوروبا أن يكون هناك رد فعل من هذا القبيل، تهانينا".

ولم يكن الحدث الذي جمع القادة العرب من منطقة تتخللها النزاعات والصراعات السياسية سهلا على الأوربيين من حيث تكلفته السياسية. وكان للاتحاد الأوروبي ذات مرة علاقة طويلة الأمد مع الحكام الاستبداديين مثل "حسني مبارك"، الذي حكم مصر لمدة تقرب من 30 عاما، قبل الإطاحة به عام 2011.

لكن القلق بشأن الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلا عن الرغبة في تحقيق مبيعات الأسلحة المربحة، قد جذب الزعماء الأوروبيين للوقوف بجوار الزعماء السلطويين مثل "السيسي"، وهو موقف يقول منتقدوه إنه يشجع هؤلاء المستبدين على تجاوزاتهم، في وقت تصمت فيه الولايات المتحدة تماما أمام انتهاكات حقوق الإنسان.

وتم تكريم الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في القاهرة، في زيارة استغرقت 3 أيام في يناير/كانون الثاني. وفي عام 2017، التقطت المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" الصور مع "السيسي" بجوار الأهرامات.

وقال "مارك روتي"، رئيس الوزراء الهولندي، في خطاب ألقاه في "زيورخ" هذا الشهر: "في بعض الأحيان، عليك أن ترقص مع الشخص الواقف على حلبة الرقص. ليس لدينا دائما الخيار".

وفي المؤتمر، كان معظم التركيز في وسائل الإعلام على رئيسة الوزراء البريطانية، "تيريزا ماي"، وجهودها لإيجاد طريق لتفادي آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك تكهنات حول "صفقة" محتملة مع قادة أوروبيين، لكن لم يتحقق ذلك.

ولم تؤد المحادثات بين الدول العربية والأوروبية إلى الكثير من النتائج الملموسة. لكن زعماء أوروبا أشاروا إلى رغبتهم في تعزيز مجال نفوذهم، مع تحرك روسيا والصين لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.

وقال "توسك" - رئيس المجلس الأوروبي - للحضور يوم الأحد: "لسنا هنا للتظاهر بأننا نتفق على كل شيء. لكننا نواجه تحديات مشتركة، ولدينا مصالح مشتركة".

ومع ذلك، تم إضعاف كلا المعسكرين بسبب الانقسام الداخلي. فقد تقلص دور جامعة الدول العربية في القاهرة حتى تحولت إلى مجرد مكان للدردشة والحديث، ويتشاجر الأوروبيون حول كيفية التعامل مع الهجرة غير الشرعية، حتى مع هبوط الهجرة إلى أدنى مستوى لها منذ 7 أعوام.

ولم ترسل كل دولة عربية زعيمها. ومنع الأوروبيون رئيس السودان "عمر البشير" من الحضور، حيث إنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية.

ومثل المملكة العربية السعودية الملك "سلمان"، البالغ من العمر 83 عاما، في أول رحلة خارجية له منذ 16 شهرا، وهي فترة زادت من التكهنات بأن صحته أو قدراته العقلية آخذة في الانخفاض.

وتكثفت هذه الشكوك خلال خطاب الملك إلى القمة، عندما فقد القدرة على الحديث في منتصف الكلام، وتخبط لمدة 16 ثانية قبل أن يتابع خطابه، ولكنه تلعثم مرة أخرى بعد دقيقة واحدة.

انتصار دبلوماسي

وعلى الرغم من ذلك، كان "السيسي" يستمتع بتسليط دائرة الضوء على انتصاره الدبلوماسي. ونشرت إحدى الصحف، الإثنين، صورة كاملة لـ"السيسي" محاطا بزعماء أوروبيين وعرب. وفي خطاب ألقاه الأحد، حذر من أن الإرهاب ينتشر مثل "الطاعون الملعون".

وتخضع تكتيكاته لمكافحة الإرهاب لتدقيق شديد منذ إعدام 9 أشخاص تمتن إدانتهم بقتل "هشام بركات"، النائب العام في مصر، في تفجير وقع عام 2015. وقالت جماعات حقوق الإنسان إن اعترافات الشباب تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب، وكانت محاكمتهم هزلية للغاية.

ودافع "السيسي" عن عمليات الإعدام. وقال للصحفيين الإثنين: "عندما يُقتل إنسان في عمل إرهابي، تخبرني العائلات أننا نريد حق أطفالنا ودماء أزواجنا. هذه الثقافة موجودة في المنطقة، ويجب منح هذا الحق من خلال القانون".

وفي مقال افتتاحي، اتهمت صحيفة "القدس العربي"، التي تتخذ من لندن مقرا لها، الزعماء الأوروبيين بالموافقة المخزية على قمع "السيسي". وقال "توسك"، إنه أصر على إدراج حقوق الإنسان في الإعلان الختامي للقمة.

ومع ذلك، فإن أقوى مؤيدي مصر ليسوا في بروكسل، ولكن في واشنطن. وعندما زار وزير الخارجية "مايك بومبيو" مصر في يناير/كانون الثاني، أغدق الثناء على الزعيم المصري، لكنه لم يأت سوى بذكر سريع لحقوق الإنسان.

لكن هناك داعون لمثل هذه اللقاءات، لكن مع استغلالها في تخفيف معاناة الناس، وإيقاف الجرائم السلطوية ضد الشعوب.

وقال مدير الإعلام الأوروبي في "هيومن رايتس ووتش" "أندرو ستروهلين": "تدير حكومة السيسي نظاما ممنهجا للتعذيب، ربما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. لكن هل يعني ذلك أن عدم التحدث إليه سيغير ذلك الأمر؟ أم يجب أن تقابله وتطرح قضايا حقوق الإنسان على الطاولة، وتتناولها علانية؟".

المصدر | ديكلان وولش - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

القمة العربية الأوروبية نظام السيسي هيومن رايتس ووتش