العنف مفتوح المصدر.. لماذا يختار المسلحون في مصر العمل بمفردهم؟

الأحد 3 مارس 2019 04:03 ص

بعد هدوء نسبي عام 2018 من حيث عدد ونوعية الهجمات المسلحة، شهدت القاهرة والجيزة سلسلة من التفجيرات في الشهرين الماضيين.

وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2018، انفجرت عبوة ناسفة على جانب الطريق قرب حافلة سياحية بجوار الأهرامات في الجيزة، مما أسفر عن مقتل 3 سياح ومرشد سياحي مصري، وإصابة 11 آخرين.

وفي 15 فبراير/شباط، عثرت الشرطة على 3 عبوات ناسفة، في الجيزة أيضا. وانفجرت إحداها لتصيب ضابطي شرطة و3 مدنيين. ثم في 18 فبراير/شباط، فجر صانع قنابل مشتبه به حزاما ناسفا بالقرب من سوق "خان الخليلي" بوسط القاهرة، مما أدى إلى قتل نفسه واثنين من ضباط الشرطة، وإصابة 3 من المارة.

ورغم أن السلطات ألقت باللوم في التفجيرين السابقين على العديد من الجماعات المسلحة التي لها تاريخ في شن هجمات في مصر، إلا أنها لم تقدم أدلة على مثل هذه الروابط.

وبينما يتبع الهجمات بشكل عام ادعاءات بالمسؤولية، لم تدع أي جماعة مسؤوليتها عن أي من هذه الهجمات، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لمصر.

ويشير هذا إلى أن مصر تواجه الآن تهديدا عنيفا على مستوى القاعدة، إلى جانب المخاطر القائمة من الجماعات المسلحة المنظمة. وهذا بدوره يعني أن مصر ستتعرض على الأرجح لمزيد من الهجمات المسلحة وإن كانت أقل قوة.

تهديدات على مستوى القاعدة

وفي حين لم تقدم السلطات المصرية أي دليل يربط المشتبه به، الذي قتل نفسه في 18 فبراير/شباط، بأي من الجماعات الجهادية الموجودة، فقد قدمت أدلة على أنه صانع قنابل ماهر.

وبعد وقت قصير من وفاة المشتبه به في 18 فبراير/شباط، فتشت الشرطة شقته، ووجدت مخبئا مجهزا بالمتفجرات، يحتوي على أدوات وأنابيب وأسلاك، وما يبدو أنه مادة كيميائية لصنع المتفجرات.

وربما يكون المشتبه به قد استخدم أجزاء كبيرة من الأدوات الموجودة لبناء قنبلة كبيرة يمكن تفجيرها عن بعد، إضافة إلى قنابل أصغر تم استخدامها في هجمات تفجيرية صغيرة مرتبطة بالجهاديين في أماكن أخرى.

وفي حين أن الشرطة لم تحمل المشتبه به مسؤولية الهجوم على الحافلة السياحية في 28 ديسمبر/كانون الأول، فإن الأدوات والأجهزة المرئية في صورة شقة المشتبه به تتفق مع الشظايا المرتبطة بالقنبلة المستخدمة في ذلك الهجوم.

وفي سن الـ 37، كان المشتبه به أكبر سنا من أي انتحاري معتاد، مما يشير إلى أنه كان لديه المزيد من التدريب والخبرة. ومن شأن هذا أن يجعله أقرب إلى صانعي القنابل المخضرمين، الذين تقدرهم الجماعات المسلحة، وليس مجرد مجند شاب حديث العهد. ومن المعروف أن المشتبه به قد أمضى بعض الوقت في الولايات المتحدة وفرنسا قبل ترحيله إلى مصر، وهو عامل قد يمنحه فرصا للتواصل والتدريب.

ويظهر شريط فيديو من كاميرات المراقبة المشتبه به وهو يفجر عبوة ناسفة في حقيبته بمجرد نزول الضباط إليه، مما يشير إلى أنه اختار تجنب الاعتقال الوشيك، ولم يكن يخطط لمثل هذا الهجوم. كما يثير مقطع الفيديو إمكانية أن يكون قد أجرى مراقبة لجامع الأزهر الشريف المجاور، وكان يحمل المتفجرات فقط للتأكد من أنه لن يتم اعتقاله على قيد الحياة إذا تم كشفه.

وتجعل الطبيعة اللامركزية للتهديدات المسلحة هذه الهجمات الصغيرة والمشتتة أكثر صعوبة في إيقافها، رغم أنها تكون محدودة النطاق. ولم تكن أي من الهجمات الثلاثة الأخيرة متطورة أو مدمرة بشكل خاص، لكن المهاجم تمكن في كل منها من التقدم دون كشفه، بفضل الأمن التشغيلي المتأصل في العمل المنفرد.

ويقلل العمل المنفرد من خطر السماح لمخبر ما بالدخول إلى المجموعة، أو أن تقوم السلطات باعتراض الاتصالات، أو تعريض العملية للخطر عندما تعتقل قوات الأمن فردا من المجموعة وتستجوبه. ومع ذلك، يأتي الأمن التشغيلي مع ثمن، أعظمه أن المهاجم الوحيد يجب أن يدير كل خطوة من مراحل الهجوم بنفسه، مما يعرض المسلحين - مثل مهاجم القاهرة - لإمكانية الاعتراض في كل خطوة.

حملة ناجحة على الجماعات المسلحة

وكانت السلطات المصرية قد شنت حملة قمع واسعة ضد الجماعات المسلحة في مصر خلال العام الماضي. وأدت العمليات العدوانية لمكافحة الإرهاب إلى إحباط جهود الجماعات الجهادية المختلفة الرامية للقيام بهجمات في العاصمة وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مما يعني أن الانتماء إلى إحدى هذه المنظمات الكبيرة يؤدي إلى مخاطر أمنية تشغيلية تفوق منافع استغلال موارد الشبكة الأكبر.

ويفسر هذا لماذا قرر صانع القنابل أن يعمل بمفرده، كما يفسر نقص التقارير عن المزيد من الاعتقالات.

وأدى نجاح ديناميكية عمليات مكافحة الإرهاب ضد الجماعات المنظمة في بعض البلدان الغربية إلى التحول إلى الهجمات الفردية بعدما قلصت هذه العمليات قدرة المنظمات الهرمية على القيام بهجمات ضخمة. وأجبر هذا الجماعات الجهادية على الاعتماد على الأفراد المتعاطفين للقيام بهجمات باسمهم.

وتشكل المنظمات المسلحة متعددة الشبكات والخلايا، والتي تخصص الموارد لتعظيم تأثير هجماتها، تهديدا أكبر للأمن والاستقرار الداخلي للبلد. لكن كما تظهر الهجمات في مصر، فإن تقويض مثل هذه المنظمات - أو على الأقل وقفها عن التوسع - لا يشكل ضمانة بأن ينتهي العنف تماما؛ نظرا لأن الأفراد، أو الخلايا المستقلة الصغيرة، يمكنها مواصلة تنفيذ الهجمات.

لكن فعالية هذه الهجمات وديمومتها تميل إلى أن تكون محدودة. فموت صانع القنابل في القاهرة، على سبيل المثال، قد ينهي سلسلة الهجمات الناجحة الأخيرة في منطقة القاهرة. ومع ذلك، هناك بلا شك المزيد من الأفراد مثله الذين يمكنهم اختيار السير على خطاه.

أما بالنسبة للجماعات المسلحة نفسها، فهناك العديد من الجماعات البارزة التي لا تزال تشكل تهديدا للمراكز السكانية في مصر، على الرغم من نجاحات الحكومة قصيرة الأجل ضدها. ويشمل ذلك ولاية تنظيم "الدولة الإسلامية" في سيناء، والجماعات المرتبطة بالقاعدة، وحركة "حسم".

ولاية سيناء

شن تنظيم "الدولة الإسلامية" في سيناء تمردا معقدا خلال الأعوام الماضية في شبه جزيرة سيناء، التي استخدمها أيضا كقاعدة لضرب الأراضي في بر مصر. وفي أبرز الهجمات، أسقط التنظيم طائرة روسية عام 2015، وفجر كنائس وأهدافا مسيحية في القاهرة والإسكندرية، وقتل أكثر من 500 شخص في هجوم نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على مسجد صوفي في شبه جزيرة سيناء.

وفي حين انخفض عدد الهجمات في سيناء بعد "العملية الشاملة سيناء 2018"، وهي حملة لمكافحة الإرهاب استمرت لمدة عام كامل من قبل الجيش المصري، ما زالت المجموعة تشن هجمات متكررة ضد قوات الأمن في شبه الجزيرة. لكن العمليات المصرية كانت عملية لمكافحة الإرهاب أكثر من كونها عملية لمكافحة التمرد بمعنى أنها فشلت في معالجة المظالم الكامنة التي تخلق الدوافع لشن هجمات محتملة في المستقبل.

الجماعات المرتبطة بالقاعدة

وتعمل مجموعات مختلفة مرتبطة بالقاعدة في أجزاء مختلفة من مصر. وكانت جماعة أنصار الإسلام، التي تعمل في منطقة الصحراء الغربية، وراء غارة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، أسفرت عن مقتل العشرات من الجنود المصريين. وتود المجموعة مهاجمة أهداف في القاهرة، لكنها واجهت انتكاسات كبيرة في عام 2018 حيث خسرت قائدها "هشام عشماوي"، الذي اعتقلته السلطات الليبية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ولا يُعرف أنها نفذت أي هجمات في ذلك العام.

وفي الوقت نفسه، تعمل جماعة "جند الإسلام" في سيناء، وهي مجموعة تتماشى مع عقيدة "القاعدة"، واختارت إلى حد كبير ضرب قوات الأمن والأجانب وتجنبت استهداف المدنيين المحليين. وفي بعض الأحيان، هاجمت حتى متشددي "الدولة الإسلامية"، في محاولة لكسب دعم القبائل البدوية في سيناء. 

حركة حسم

وشنت حركة "حسم" العديد من الهجمات في دلتا النيل، بما في ذلك عمليات إطلاق النار والتفجيرات التي استهدفت ضباط الشرطة في القاهرة والإسكندرية. وخلال عامي 2016 و2017، حافظت المجموعة على وتيرة عالية من الهجمات، والتي شملت اغتيال مسؤولين بارزين.

ونجحت السلطات المصرية في الآونة الأخيرة في إيقاف فاعلية هجماتها ولم ترتبط المجموعة إلا بـ 3 هجمات - جميعها لم تنجح - منذ بداية عام 2018، بما في ذلك الهجوم الفاشل على سفارة "ميانمار" في القاهرة.

ونتوقع أن تواصل هذه المجموعات وغيرها من الجهات جهودها. ومع ذلك، تشير التفجيرات الأخيرة إلى أن مصر تواجه الآن تهديدا أكثر شعبية ومتعدد الجوانب، ولكنه أقل قوة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

حركة حسم ولاية سيناء أنصار الإسلام مصر السيسي