ستراتفور: هل تهدد تظاهرات الجزائر عرش بوتفليقة؟

الأحد 3 مارس 2019 06:03 ص

في 18 أبريل/نيسان، يتوجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع، إما لإعادة انتخاب الرئيس الحالي "عبدالعزيز بوتفليقة"، أو استبداله بأحد مرشحي المعارضة الذين دخلوا السباق.

لكن على خلاف الانتخابات السابقة، هناك احتمال ضئيل هذه المرة بأن تؤدي المنافسة الرئاسية المقبلة، والاضطرابات الاجتماعية التي تحيط بها، إلى إحداث تغيير دائم في الجزائر.

وقد أدى ضعف الاقتصاد والنظام السياسي، الذي يبدو غير قادر على معالجة مشاكله، إلى دعم موجة من المعارضة، ما زاد من احتمالية الإقبال غير المسبوق على الانتخابات، وربما التدفق إلى الشوارع.

ولكن حتى لو لم يؤد السباق الرئاسي هذا العام إلى تشكيل حكومة جديدة، فمن المؤكد تقريبا أن الانتخابات القادمة ستكون كذلك، حيث تمثل الانتخابات القادمة بداية حقبة جديدة في السياسة الجزائرية.

عزلة ما بعد الاستعمار

وتحتل الجزائر ثاني أكبر مساحة بين دول أفريقيا، إلى جانب كونها الأكبر في عدد السكان من بين جيرانها الصحراويين الستة.

ومع الإنفاق العسكري الضخم، الذي تغذيه المنافسة مع المغرب المجاور، تعد البلاد أيضا موطنا لاحتياطيات الطاقة القيمة، التي قدمت تدفقا مستمرا من الصادرات إلى جنوب أوروبا لعقود، إلى جانب امتلاك البلاد آلاف الأميال من سواحل البحر الأبيض المتوسط ​​الغنية بالموارد.

لكن على الرغم من امتلاك الجزائر كل العناصر لتكون قوة عظمى في جوارها، لكنها تميل إلى الانكفاء على الذات، وقد فضلت دورا أكثر محدودية في الشؤون الإقليمية، سواء في المناطق الصحراوية أو المتوسطية أو الشرق أوسطية، أو في العالم العربي الأكبر.

ويعد هذا الموقف الانعزالي متأصلا في تاريخ الجزائر ما بعد الاستعمار، وكانت الجزائر قد تعرضت لقمع تاريخي في ظل الاستعمار الفرنسي، مع حرب دموية طويلة من أجل الاستقلال.

ولقد أثر إرث السيطرة الاستعمارية الفرنسية على وسائل الإنتاج الجزائرية، لتنحصر في الاستثمار في النفط والغاز الطبيعي، الذي أسسته الجزائر بعد الاستقلال للحفاظ على قبضتها على احتياطياتها.

ونتيجة لذلك، تتمتع الجزائر باقتصاد يخضع لسيطرة الدولة الصارمة، التي ترفض التدخل الأجنبي في الشؤون الجزائرية.

وبالمقارنة مع نظرائها في الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، غالبا ما يعتبر النظام الجزائري البيئة "غير الودية" الأبرز تجاه الاستثمار الأجنبي.

كما شكل التاريخ السياسي العنيف في الجزائر حكومتها اليوم، وترفض النخبة السياسية الانخراط بعمق في سياسات التغيير، خوفا من شبح تكرار العشرية السوداء.

الوضع السياسي الراهن

ويشتهر الرئيس الحالي "عبدالعزيز بوتفليقة" بأنه ساعد في إبعاد البلاد عن "عصرها الدموي"، بعد توليه منصبه عام 1999، لكن الآن، وبعد عقدين من الزمن، يعانى "بوتفليقة"، البالغ من العمر 81 عاما، من تعقيدات بسبب السكتة الدماغية التي تعرض لها عام 2013.

وقد أدى ذلك إلى عدم الثقة في قدرته على توجيه البلاد، مع تزايد عدد الجزائريين الذين ينظرون إليه على أنه مريض للغاية وكبير في السن، وقد اكتسبت عبارات مثل "دعوه يستريح"، و"لا للعهدة الخامسة"، شعبية في وسائل التواصل الاجتماعي الجزائرية.

وفي معرض إعادة انتخابه، عكس بيان خطي من "بوتفليقة" اعتقاده بأن "استمراريته هي الأفضل للجزائر"، وقد تم تسليم هذا البيان، مثله مثل معظم القرارات الأخرى التي أصدرها الرئيس، بواسطة وكيل، والذي أصبح الطريقة الرئيسية التي يتصل بها "بوتفليقة" الآن بالشعب، وهو ما زاد من إحباطات الجزائريين.

لكن يبدو أن أصحاب المصلحة السياسيين الآخرين عازمون على ضمان فوز "بوتفليقة" في أبريل/نيسان، وقد دعمت أحزاب الائتلاف الحاكم في الجزائر "بوتفليقة"، ما يعكس قلقهم من التغيير الذي قد ينتج عن خلافة غير مسيطر عليها لزعيم غير متحالف مع عشيرة "بوتفليقة" الحاكمة.

ويشمل هذا حزب "جبهة التحرير الوطني"، أكبر حزب في البلاد، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي ينتمي إليه الوزير الأول "أحمد أويحيى".

ومتحدثا باسم الجيش الجزائري، أعرب قائد الجيش القوي الجنرال "أحمد قايد صالح" عن دعمه لـ"بوتفليقة". وقد عمل "صالح"، أحد أكثر مؤيدي الرئيس نفوذا، بجد لإبقاء الجيش في الصف خلف "بوتفليقة"؛ حيث لجأ إلى إجراء تعديلات جذرية، وأقال المعارضين المحتملين العام الماضي.

اقتصاد مشلول

وتمكنت الحكومة في الجزائر من تحقيق استقرار سياسي نسبي خلال العقدين الماضيين، ومع ذلك، تتسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد الآن في تصاعد خطر الركود السياسي.

وعانى الاقتصاد المدعوم من الدولة، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات الطاقة، من التباطؤ الناتج عن انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي في عام 2014، والانخفاض في الطلب على صادرات الطاقة من جنوب أوروبا.

وقد ساهم ذلك في زيادة التحديات التي تواجه القوى العاملة في الجزائر، والتي تواجه بالفعل صعوبة في الوصول إلى فرص التعليم والعمل بسبب الجغرافيا الواسعة للبلاد.

وبالإضافة إلى معدل البطالة الذي يبلغ 12%، تعاني سوق العمل الجزائرية من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، حيث يصل إلى 24%، فضلا عن البطالة المزمنة، ومعدلات المشاركة المروعة للمرأة الجزائرية في القوى العاملة.

وفي العام الماضي، صنف صندوق النقد الدولي الجزائر في أسفل القائمة بين نظرائه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يتعلق بكفاءة الإنفاق العام، بما في ذلك عوامل مثل الإسراف، وجودة البنية التحتية، والسيطرة على الفساد، وهو ما يشكل مصدر قلق خاص لـ40% من القوى العاملة الجزائرية يعملون في القطاع العام.

وفي إطار الجهود المبذولة لتهدئة المخاوف الاقتصادية التي تؤثر على العديد من مواطنيها، لم تنفذ الحكومة بعد أي إصلاحات طويلة المدى.

وبدلا من ذلك، حاولت إجراء إصلاحات على المدى القصير، مثل طباعة المزيد من الأموال لمعالجة نمو الدين، لكن من الواضح أن الجزائريين يشعرون بالضجر من الوضع، حيث أصبح الآن سوء الإدارة الاقتصادية للحكومة، الذي تفاقم بفعل التصور الشعبي للفساد المستشري، بمثابة الصرخة الرئيسية للحشد المتنوع والمتزايد من الخصوم السياسيين.

تغيير في الأفق

ودفع الاستياء المتزايد من السياسة عددا كبيرا غير عادي من المرشحين والأحزاب والجماعات السياسية للوقوف في وجه تحدي إعادة انتخاب "بوتفليقة".

وانضم إلى السباق سياسيون معروفون، منهم رئيس الوزراء السابق "علي بن فليس" و"عبدالرزاق مقري" من حركة مجتمع السلم الإسلامية.

وفي غضون ذلك، قادت مجموعة جديدة من المجتمع المدني تدعى "مواطنة" مظاهرات عامة ومناقشات طلابية جامعية ركزت على تحدي ترشح "بوتفليقة" لولاية خامسة.

وقد ترددت رسالة "مواطنة" في صفوف مجموعة متنوعة من الطبقات الاجتماعية ومجموعات المصالح.

لكن ربما كان أبرزها، تحدي القائد العسكري السابق القوي، "علي غديري"، لـ"بوتفليقة"، وتؤيد القوات المسلحة الجزائرية تقليديا طريقة الإدارة التي تتبعها الحكومة الحاكمة، وبالتالي فإن انشقاق "غديري" قد يشير إلى أن النخبة العسكرية ليست بالضرورة متناغمة وراء "بوتفليقة"، على الرغم من جهود "صالح".

وقامت السلطات الجزائرية تقليديا بإسكات المعارضين السياسيين عبر الضغط على وسائل الإعلام الرسمية لجعل تغطيتهم الانتخابية في صالح الحكومة.

لكن حتى هذه القناة لا تثبت كفاءتها، فقد أصدر موظفو الإذاعة الحكومية الجزائرية مؤخرا رسالة غير موقعة تفيد برفضهم الإذعان لمطالب تغطية الحكومة.

وفي اعتراف محتمل بهذا الاتجاه، لم يقر البيان الأخير الذي أصدره حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يتزعمه "بوتفليقة"، بالمظاهرات التي قادتها المعارضة فحسب، بل وصفها بأنها سلمية، ما يشير إلى أن الحكومة قد تعدل استراتيجيتها الإعلامية لتجنب المزيد من إثارة غضب الجزائريين.

عهد جديد

ولأول مرة منذ 20 عاما، أصبح هناك مسار، وإن كان ضيقا، لفوز مرشح من المعارضة بالانتخابات في الجزائر، خاصة إذا استمرت الاحتجاجات في الشوارع.

وإذا حدث ذلك، فقد يبدأ زعيم جديد بفتح حكومة الجزائر على العالم الأوسع، والعمل بشكل أكثر تنافسية مع نظرائه في شمال أفريقيا، مثل المغرب ومصر.

وقد يفسح الانتقال السياسي المجال لتكتيكات جديدة موجهة نحو إصلاح البنية الهيكلية للاقتصاد، بالإضافة إلى أساليب أكثر واقعية لتعديل أنظمة الاستثمار الأجنبي.

ومع ذلك، لا تزال الآلة السياسية المؤسسية في الجزائر تفضل فوز "بوتفليقة" بفترة خامسة.

ولم تعكس المشاركة الضعيفة للناخبين في الانتخابات الجزائرية الأخيرة خيبة أمل من حكام الجزائر فحسب، بل أيضا ازدراء لقائمة المرشحين المعارضين المتاحين.

ولتحقيق الفوز في الانتخابات التالية، سيتعين على أحزاب المعارضة أن تجد طريقة للتغلب على انقسامهم الحالي، وتوحيد جهودهم، لكن القيام بذلك لن يكون عملا صغيرا، وقد انتهى اجتماع لزعماء المعارضة في 20 فبراير/شباط دون اتخاذ قرار بشأن مرشح توافقي.

وبغض النظر عمن سيفوز، فسوف تكشف الانتخابات المقبلة عن عمق الإحباط في الجزائر حول حكومة لا تلبي احتياجات المواطنين.

وسيستمر هذا في دفع الزخم باتجاه حركة المعارضة، التي ستواصل الضغط من أجل التغيير الاقتصادي والسياسي لفترة طويلة بعد أن يتم التصويت في أبريل/نيسان، ويعني هذا أنه حتى لو استحوذ "بوتفليقة" على "العهدة الخامسة"، فمن المؤكد أنها ستكون الأخيرة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

انتخابات الجزائر العهدة الخامسة الاستعمار الفرنسي عبد العزيز بوتفليقة