فورين بوليسي: لماذا تدعم أوروبا الأنظمة الاستبدادية بالشرق الأوسط؟

الاثنين 4 مارس 2019 03:03 ص

في علاقات أوروبا مع جيرانها العرب وممتلكاتها الاستعمارية السابقة، لا يتعرض التاريخ وحده للخطر، ففي القمة غير المسبوقة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، في شرم الشيخ بمصر، في 24 و25 فبراير/شباط، كان الأمر أشبه بصدام بين الأنظمة السياسية.

ويفخر الاتحاد الأوروبي بسياسة خارجية تقوم على القيم وتؤكد الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، لكن من بين 30 دولة عربية اجتمعت في مصر، فإن تونس فقط تقترب من الوفاء بتلك المعايير.

وفي النهاية، حضر 20 رئيس حكومة أوروبيا، بما في ذلك المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، ولكن فقط بعد أن وافق اثنان من المبعدين، وهما الرئيس السوداني "عمر البشير" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، على عدم الحضور.

لكن قد يسلط ذلك الضوء على عدم الاتساق الذي عانى منه الاتحاد الأوروبي، بقبوله الحضور في ضيافة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي".

و"السيسي" هو عسكري سابق أطاح بحكومة "الإخوان المسلمين" المنتخبة، في صيف عام 2013، على حساب مئات الأرواح.

ومنذ ذلك الحين، حكم بقبضة حديدية، وسجن عشرات الصحفيين والسياسيين، وفقا لـ"هيومن رايتس ووتش"، إضافة إلى 60 ألفا من خصومه السياسيين.

وفي الشهر الماضي فقط، أعدم 9 أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، وتم تبرير الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، التي جاءت بها ثورة 2011، في البداية باعتبار الأمر مرحلة انتقالية، ويدفع مؤيدو "السيسي" الآن نحو تمكين قبضة الجنرال على السلطة حتى عام 2034.

ويلبس "السيسي" على الأقل ثوب رجل الدولة الحديث، لكن السعوديين لا يهتمون بذلك حتى، فقد تلعثم الملك "سلمان" خلال خطاب القمة قبل مغادرته المنصة، لكن كان على الجميع إظهار الاحترام لكلمته احتراما لكرامته الملكية، أو ربما ببساطة احتراما لشيخوخته.

الواقعية الجديدة

وأصبحت أوروبا معتادة على تصوير تجاهلها لحقوق الإنسان كتكاليف دبلوماسية ضرورية في عالم فوضوي، لكن هذه الحجة تعد خداعا للذات، والسؤال الحقيقي هو: لماذا تشعر أوروبا أنه من الضروري للغاية إقامة علاقات مع الحكومات والأنظمة الاستبدادية؟

وكان الأساس المنطقي الرئيسي لعقد اجتماع مع جامعة الدول العربية هو أن على أوروبا أن تتحدث مع جيرانها، ومن الصعب إنكار ذلك، لكن رغم أنه لم يتحقق شيء آخر غير الكلام في شرم الشيخ، فلا يخلو هذا من الآثار والتبعات.

ويتوق "السيسي" إلى الشرعية، ويمنحه الاتحاد الأوروبي ذلك بقبول دعوته، وقد تم اختتام القمة بمؤتمر صحفي محرج برر فيه "السيسي" نظامه الاستبدادي تحت مظلة القومية الثقافية، حيث قال موجها حديثه للأوروبيين: "لن تعلمونا إنسانيتنا"، وأصر على أن "لدى الأوروبيين والعرب إحساس مختلف بالإنسانية والقيم والأخلاق"، وقال: "احترموا قيمنا وأخلاقنا كما نفعل نحن"، ثم حاز "السيسي" على التصفيق الحار من صفوف الصحفيين المصريين "المخلصين".

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يتسق مع مبادئه، فلم يكن عليه في الواقع قبول مثل هذا الرفض المتعالي للقيمة العالمية لحقوق الإنسان، وبالتأكيد فإن عليه التوقف عن دعم شرعية "السيسي" المريبة.

وتشير الكثير من استطلاعات الرأي المستقلة التي لدينا إلى أن جزءا كبيرا من الرأي العام المصري يعترض في الواقع على عنف النظام.

وجاء تواطؤ الاتحاد الأوروبي بدعوى ممارسة "واقعية" جديدة، وكالعادة، كان رئيس الوزراء الهولندي "مارك روتا" حريصا على تجميل هذا الفهم، ولقد أعلن أن أوروبا قد قبلت بأن "القوة" ليست كلمة قذرة، وكالعادة، كان جاهزا بمثل شعبي: "في بعض الأحيان عليك أن ترقص مع من يقف في حلبة الرقص"، كما قال في خطاب في سويسرا قبل قمة مصر.

لكن هل هذا في الواقع منطقي؟ أي نوع من القوى يرقص معهم الأوروبيون؟ ولماذا تحتاج أوروبا أساسا إلى الرقص؟

من المؤكد أن قبضة "السيسي" على السلطة تبدو ثابتة في الوقت الراهن، لكن من المؤكد أيضا أنها وحشية، وأن نظامه لا يقدم للمصريين أي شيء إيجابي على المدى الطويل.

وبصفتها الشريك التجاري الرئيسي لمصر، فإن أوروبا لها رأي في الأمر، وتمتلك أوروبا حاليا حصة تجارية مع مصر تبلغ 30%، وترى أنه يمكنها الحصول على أكبر من ذلك بكثير.

لكن في مغازلتها "السيسي"، تنسى أوروبا على ما يبدو الحرج البالغ الذي سببته علاقاتها السابقة مع "معمر القذافي" في ليبيا، أو "حسني مبارك" في مصر عندما تم إسقاطهما سريعا عندما بدأ الربيع العربي عام 2011؟

بصرف النظر عن حقيقة الجغرافيا، فإن الإشارة إلى "الواقعية" كمبرر لاحتضان هذا النوع من الحكام هي أمر خطير، ففي كثير من الأحيان، عبر تبرير وضع أيادينا في الأيادي القذرة بالضرورة الحتمية، فإن مثل هذه التبريرات تعمل على حجب الإجابات الحقيقية للأسئلة المنطقية.

المصدر | آدم توز - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

القمة العربية الأوروبية السيسي إعدامات مصر