المرأة في الإعلانات التجارية.. سلعة وزبون وأداة غواية

الجمعة 8 مارس 2019 07:03 ص

غالبا ما يعلن المنتجون في العالم كله عن سلعهم وخدماتهم مستخدمين  صورة المرأة لتمرير رسائلهم، وإغراء الجمهور المستهدف بالسعة أو الخدمة أو الفكرة المعروضة.

ووسط العدد الهائل من اللوحات الإعلانية في الشوارع والوصلات التجارية عبر التلفزيونات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يخلو بعضها من إثارة الجدل، سواء في البلدان الغربية أو العربية، بسبب المشاهد أو الشعارات التي يرى فيها العديد حطا من مكانة المرأة أو تلك التي تكرس صورا نمطية عنها.

وأثار إعلان تجاري لشركة سيارات "فولكس فاغن" الألمانية جدلا في فرنسا في الأيام الأخيرة، حيث تظهر فيه صورة السيارة ذات الدفع الرباعي، مع شعار إعلاني باللغة الفرنسية "افعل ما بوسعك ليكون عشيق زوجتك هو أنت".

هذا الإعلان موجه للرجال باعتبار أن محبي السيارات الكبيرة هم الرجال، ولكنه مع ذلك يستخدم المرأة أداة للترويج، من دون أن يلجأ لفتاة إعلانات.

ويقرأ العديد في هذا الشعار صورة المرأة "الطماعة "، وضمنا "الخائنة"، التي تحب الرجل الذي يملك سيارة رباعية الدفع، ومن إنتاج هذه الشركة، وليس أمام الزوج سوى شراء هذه السيارة، ليضمن ألا تخونه زوجته مع رجل آخر يسبقها في امتلاك هذه السيارة.

وهذا ليس الإعلان الوحيد الذي يستخدم المرأة أداة لترويج المنتجات، من المواد الغذائية إلى ملابس الرجال وعطورهم، مرورا بالصابون، وحتى حفاضات الأطفال. وكلها منتجات يستخدمها الرجال أو الأطفال.

وحتى عندما يتعلق الأمر بمنتجات تستهلكها المرأة، فهي تظهر فيها بصورة المرأة التي تغوي الرجل، أو على الأقل تلك التي تسعى لإرضاء الرجل، أو شد انتباهه.

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن أنوثة المرأة جزء من كيانها، نقلا عن البعض، لكن الملاحظ هو التركيز على هذا الجانب تحديدا في المرأة، وحصر صورتها في إطار الغواية والإيحاء الجنسي أحيانا كثيرة.

يفسر ذلك صاحب وكالة "Nidal’s Agency" لعارضات الأزياء في لبنان، "نضال البشراوي"، قائلا إن "عين المشاهد هي التي ترى.. وهو بحاجة ليرى صورة جميلة".

وتساءل: "أين المشكلة إذا استعملت المرأة جمالها بالمكان الصحيح؟ الجمال شيء أساسي بهذه المهنة".

غير أن إظهار المرأة في الإعلانات بصورة الحسناء الفاتنة له تداعياته النفسية والمجتمعية كما تقول "نيكولا"، طالبة بريطانية تحضر بحثا في مجال علم النفس السلوكي، بمدينة غرونوبل الفرنسية.

وتوضح الباحثة البريطانية: "مقاييس الجمال عبر التاريخ تغيرت بتغير المجتمعات والمفاهيم، والمقاييس الجديدة في البلدان الغربية منذ القرن الـ20 فرضها مصممو الأزياء.. فأصبحت حلم كل الشابات وخصوصا من يعانين من عقد جسدية قد تكون مجرد وهم في خيالهن".وتشارك المرأة نفسها في الوصلات واللوحات الإعلانية، وتنفذ ما يطلب منها لإظهار أنوثتها واستغلالها في ترويج الإعلانات. وهن يدخلن هذا المجال عبر مسابقات "كاستينغ" لاختيار الأنسب لهذا المنتج أو ذاك من وجهة نظر خبراء الإعلانات وعروض الأزياء.

عارضة الأزياء اللبنانية المعروفة، "ناتالي فضل الله"، لم تر في إعلان سيارة "فلوكس فاعن" سوى رسالة إلى "الزوج لكي يدلل زوجته عبر تغيير سيارته بسيارة دفع رباعي من طراز فولكس فاغن"، معتبرة أن هذا أمر طبيعي بين الزوج وزوجته.

وتعتقد بأن بعض المنتجات "لا تحتاج إلى موديل امرأة مثل عجلات السيارات، لكن مستحضرات التجميل والمكياج لا بد لها من امرأة لتقديمها بالشكل اللائق"، وأن صورة المرأة إذا "وظفت في المكان الصحيح" فهذا لا يسيء للمرأة مطلقا، وفق تعبيرها.

ويتطلب العمل في الإعلانات من المرأة "الموديل" تنفيذ ما يطلب منها لإظهار المنتج على أنه الأفضل والأجدر بالنسبة لجمهور المستهلكين المستهدف، وفي أحيان كثيرة لا تعرف العارضة عن المنتج الذي تروج له أكثر من شكله، فهي لم تجرب المنتج ولم تستخدمه، ولكن عليها أن تقنع الزبون المحتمل بإخراج نقوده من جيبه وشراء منتج يجهله.

 

المرأة: "موديل" وزبونة في نفس الوقت

 

المرأة جزء من هذه الإعلانات، ولكنها أيضا جزء من الزبائن المحتملين والمستهدفين. فكيف تنظر المرأة المشاهدة لهذه الإعلانات؟

"نوال"، الطباخة في مطعم باريسي، تقول "أنا هاجرت من الجزائر وكافحت لكي أعمل وأحقق استقلالي المادي، وأنا غير متزوجة.. أكثر ما يغيظني هو الإعلان الذي يصور المرأة مجرد ربة بيت وديعة تكنس وتطبخ وتهتم بالأطفال، وتنتظر عودة الزوج للبيت بكامل أناقتها، وبابتسامة عريضة، على الرغم من تعبها طوال اليوم".

فيما تستنكر "مارية شاكر"، مغربية مقيمة بالولايات المتحدة وأستاذة جامعية، "تصوير بعض الإعلانات العربية للمرأة على أنها ساذجة، وفي الإعلانات الغربية على أنها رمز للغواية الجنسية".

من جهتها تتحدث "مشاعل بشير"، وهي صحافية من الكويت، عن صورة المرأة في الإعلانات الخليجية التي تصورها "ربة بيت محجبة ومحافظة"، بينما تركز الإعلانات في لبنان على "المرأة الفاتنة جنسيا".

وتصور المرأة غالبا في الإعلانات سعيدة بقميص زوجها الذي استعاد بياضه الناصع، وأرضية منزلها اللامعة بفضل هذا المنتج أو ذاك، وطفلها الذي يلطخ قميصه الرياضي بوحل الملعب وهي غير غاضبة، لأن عندها المنتج "المعجزة" وآلة الغسيل "الرائعة"... وغيرها من المشاهد التي تحصر المرأة في دور ربة البيت والأم والزوجة.

علاوة على ذلك، هناك إعلان لشركة حفاضات، فرع الشرق الأوسط، ذهب لدرجة تصوير المرأة على أنها امرأة اقتصادية، وتعيد لزوجها النقود التي وفرتها، لأنها اختارت حفاضات فعالة ورخيصة، وهنا إيحاء بأن الزوج هو من يعطيها المال للتسوق، وربما يحاسبها إن بذرته.

كما يصور إعلان آخر لمياه معدنية من تونس امرأة جميلة جدا ترتدي فستانا أبيض بكمين عريضين، بحيث تبدو كملاك وهي تمشي في قلب غابة خضراء ندية، وتصاحبها موسيقى تنقل المشاهد لعالم من الخيال، ثم تقترب المرأة من نبع المياه، فينعكس خيالها فيها، في إحالة لأسطورة "نرسيس"، وتتراءى صورة فتاة صغيرة تشبهها وبنفس الفستان للدلالة على أن هذا الماء يعيد للشخص الصبا والجمال.

إعلان مياه معدنية في تونس

وقد أصبحت الإعلانات مبالغة في استخدام الجمال لتقديم المنتجات، كما تحذر الباحثة "نيكولا" من "كابوس يدفع بعض المتلقيات لهذه الإعلانات نحو الجراحة التجميلية مثلا على الرغم من مخاطرها المحتملة، أو تفتيح البشرة بمواد خطيرة على بشرتهن، وربما مسرطنة أيضا".

في اليوم العالمي للمرأة، تواصل المرأة بالقرن الواحد والعشرين نضالها لكي يُنظر إليها كإنسان وليس كأداة.

وفيما تثور حفيظة الحركات النسائية والحقوقية المناهضة للتمييز تجاه المرأة ضد الإعلانات ذات المضمون المسيء للنساء، تواصل الكثير من الإعلانات التجارية تكريس صورة نمطية تعكس فكرا مجتمعيا ما زال لا يرى في المرأة كائنا مساويا للرجل في الحقوق والواجبات.

  كلمات مفتاحية

المرأة إغراء ترويج إعلانات تلفزيون سلع بيع