سر الغرفة L.. هكذا فشلت أمريكا بحل لغز مخبأ الملا عمر

الاثنين 11 مارس 2019 07:03 ص

أين اختبأ زعيم "طالبان"، الملا "محمد عمر"، طوال السنوات التي أعقبت سقوط حكم الحركة في أفغانستان؟ وكيف عاش حياته في مخبئه؟ ولماذا لم تستطع القوات الأمريكية العثور عليه رغم رصدها 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تفضي إلى اعتقاله؟

استعرضت صحيفة "الغارديان" البريطانية إجابات هذه الأسئلة في تقرير، نشرته الأحد، وعرضت فيه مضمون كتاب أصدرته الصحفية الهولندية "بيت دام Bette Dam" حديثا بعنوان "البحث عن العدو".

عملت "دام" صحفية في أفغانستان منذ عام  2006، وقضت 5 أعوام كاملة في إعداد الكتاب، إلى أن أصدرته الشهر الماضي، كاشفة عن مفاجأة صادمة هي أن الملا "عمر" ظل مختفيا، منذ عام 2001 حتى وفاته (عام 2013)، على مسافة قريبة للغاية من قواعد عسكرية أمريكية داخل أفغانستان، الأمر الذي وصفته الغارديان بأنه "يكشف عن فشل استخباراتي للولايات المتحدة".

وزارت "دام" عدداً من مناطق أفغانستان في أثناء التحضير للكتاب، خاصة تلك الواقعة تحت سيطرة مقاتلي "طالبان"، وأجرت لقاءات مع مسؤولين بارزين في الحكومة وأعضاء كبار ناجين من الحركة، بمن فيهم الرجل الذي أخفى الملا "عمر" حتى وفاته، وقدم الحماية والإمدادات له، وهو "جبار عمري".

عمل "عمري" حاكماً إقليمياً عندما سيطرت "طالبان" على حكم أفغانستان، لكنه تخلى عن أي دور نشط في الحركة ليكون بمثابة خادم وحارس شخصي للملا "عمر" بعد عام 2001، ولذا قيل لـ"دام" إنه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقدم معلومات حقيقية وموثوقة عن الأيام الأخيرة لزعيم "طالبان".

لكن الصحفية الهولندية لم تستطع الوصول إلى "عمري" إلا بعد قيام السلطات الأفغانية بتوفير الحماية في نهاية العام الماضي، إذ وافقت على تسهيل المقابلة معه في بيت آمن بالعاصمة كابول.

ينتمي "عمري"، مثل بقية قادة "طالبان"، إلى قبيلة هوتاك، وكانت علاقاته في المنطقة مهمة لحماية الملا "عمر" بعد هربه إلى مناطق أجداده وتسليم القيادة لنائبه الملا "عبيدالله" في لقاء مع كبار قادة الحركة جرى بغرفة أرضية في إقليم قندهار (جنوبي أفغانستان).

بيت "عبدالصمد"

عاش الملا "عمر" في السنوات الأربع الأولى من عودة تمرد "طالبان" في إقليم (زابل)، ولم يكن مخبؤه يبعد عن مجمع الحاكم سوى أمتار، داخل بيت "عبدالصمد أستاذ"، وهو سائق زعيم "طالبان" السابق، الذي كان يعمل كسائق تاكسي آنذاك.

كان البيت صغيراً مبنيا من الطين، وتخفيه جدران، وهي الطريقة التقليدية لتوفير الخصوصية في أفغانستان، لكن "عمري" قام ببناء غرفة سرية في زاوية إحدى غرف البيت على شكل حرف (L) بالإنجليزية، وأخفى مدخلها خلف ما ظهر أنها خزانة عالية في الجدار.

ولم تعرف عائلة السائق شيئا عن الزائر الغامض ولا هويته، وكل ما قيل لها إنه قيادي بارز في حركة "طالبان"، وأنهم لو كشفوا عن هويته فسيتم قتلهم جميعا.

واختيرت منطقة البيت لاحقًا لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية، بهدف شن عمليات قتالية متقدمة منها، ولذا قام الملا "عمر" بنقل زوجاته إلى باكستان ورفض عرض "عمري" بإحضار ابنه لزيارته طوال تلك الفترة.

وظل الملا "عمر" يستمع لنشرة أخبار شبكة BBC الناطقة بلغة البشتو ولم يعلق - إلا في النادر - على الأخبار القادمة من العالم الخارجي، حتى عندما علم بمقتل زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، الذي كان سبباً في نهاية حكم "طالبان"، بعد تزعمه للهجمات التي نفذها التنظيم على الولايات المتحدة في 11 سبمتبر/أيلول 2001.

وبحسب رواية "عمري" فقد كانت القوات الأمريكية على مقربة من اعتقال زعيم "طالبان" مرتين، الأولى عندما سمع، برفقة الملا "عمر"، وقع أقدام جنود إحدى الدوريات، وقاما بالتواري خلف كومة من الحطب، لكن الجنود واصلوا مسيرهم بدون الدخول إلى البيت.

وفي المرة الثانية، فتش الجنود البيت، لكنهم لم يكتشفوا المدخل السري، ولم يعرف "عمري" في حينه إن كان التفتيش روتينياً أم أنه جاء بناء على بلاغ، لكنه أشار إلى أن المسؤولين الأمريكيين رجحوا اختباء الملا "عمر" في باكستان حينئذ.

كوخ وقنوات ري

وهنا قرر الملا "عمر" الانتقال من بيت سائقه، وذهب إلى قرية صغيرة ليس فيها إلا عدد قليل من البيوت، وتقع في منطقة شينكاي بإقليم زابل، حيث بنى "عمري" كوخاً صغيراً على حافة نهر هلمند ليعيش فيه الملا "عمر" مرتبطاً بقنوات ري تعطي له فرصة الهرب إلى الجبال في الحالات الطارئة.

وبعد انتقال زعيم "طالبان" بفترة قصيرة بدأت القوات الأمريكية ببناء قاعدة عسكرية لا تبعد سوى أميال عن مكان البيت، لكنه لم يقرر الانتقال مجددا، ولم يغادر بيته إلا نادراً، فقط للتشمس أثناء الشتاء، وعادة ما كان يختبئ في قنوات الري عندما كانت طائرات الاستطلاع الأمريكية تحلق فوقه.

وكانت المسافة التي تفصل الملا "عمر" عن جنود القوات الأمريكية "أقل من متر" أحيانا، بحسب رواية "عمري".

وتقول الصحفية الهولندية إن زعيم "طالبان" ربما قضى أياماً دون كلام، وكان اتصاله الوحيد مع حارسه وطباخه، حيث كانوا يتوضؤون معاً في المطبخ للصلاة.

 وكان مع الملا "عمر" هاتف من نوع (نوكيا) بدون رقاقة اتصالات، إذ كان يستخدمه فقط لتسجيل تلاوته للقرآن، أما اتصاله بقيادات "طالبان"، فكان يتم من خلال شخص موثوق رفض "عمري" الكشف عن هويته.

ظل رسول الملا "عمر" يسافر بشكل مستمر،  وعادة ما كان يعود محملاً بتسجيلات زعيم طالبان، لكنه اعتقل وحققت معه المخابرات الباكستانية، ليقرر قائد الحركة لاحقا استخدام الرسائل الشفوية دون تسجيلات.

نهاية الزعيم الروحي

ويكشف الكتاب رؤية مختلفة عن تلك التي طالما قدمتها "طالبان" عن زعيمها، الذي قام بتفويض الكثير من المهام لنوابه في عام 2001، رغم زعمهم أنه ظل القائد حتى آخر حياته وبعد عامين من وفاته، فرغم صدور بيانات الحركة باسمه كل عيد إلا أن الملا "عمر" لم يكن له دور فيها، ويبدو أنه عمل كزعيم روحي أكثر من قائد فعلي.

 وكان قادة "طالبان" يطلبون من الملا "عمر" التدخل فقط عندما تحدث خلافات فيما بينهم، واستشاروه في فتح مكتب للحركة بقطر من أجل التواصل الدبلوماسي، وهو ما وافق عليه.

وفي عام 2013 مرض الملا "عمر" وأصيب بالسعال والقيء المستمر وفقدان الشهية، وعرض عليه "عمري" إحضار طبيب أو نقله إلى باكستان، لكنه رفض العلاج الطبي مهما كان نوعه.

استسلم زعيم طالبان على ما يبدو لمصيره، وتوفي في 23 أبريل/نيسان 2013، ودفنه "عمري" في تلك الليلة، وقام بتصوير الجنازة؛ كي يقدمها لابنيه "يعقوب" و"عبدالمنان" اللذين لم يريا والدهما بعد عام 2001.

سافر الأخوان إلى مكان اختفاء والدهما، وأصرا على فتح قبره (في منطقة بعيدة من زابل) للتأكد من هويته، ولم يعلن عن وفاته رسمياً إلا بعد عامين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

طالبان أفغانستان الملا محمد عمر أسامة بن لادن