استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لمواجهة إرهاب الرجل الأبيض

الأربعاء 20 مارس 2019 05:03 ص

تتناول مواقع إلكترونية إخبارية بشأن حادث مقتل نحو 50 مسلمًا في أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجدين في مدينة في نيوزيلاندا، دور التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي في تسويق الكراهية ونشر الأفكار المتطرفة ضد المسلمين والمهاجرين.

والحقيقة أن هذا التأطير للكارثة، بإرجاع أسبابها إلى سياق التطورات التكنولوجية، ووضع حلولها في محض "إجراءات" قانونية، من قبيل تقييد حيازة السلاح، يبدو اختزالاً فجًا لحقيقة يشهدها العالم منذ عقود، وهي أن وقائع إرهاب "المواطن الأبيض"، خصوصاً في الداخل الأميركي، تفوق عددًا وأثرًا تلك المنسوبة إلى "الإرهاب الإسلامي"!

وأن التعامل مع حالات الاعتداء بوصفها "هجمات"، وأسبابها باعتبارها "نفسية واجتماعية" يمكن حلها بإجراءات بسيطة، هو عين ما يدفع بمزيد من الضحايا إلى الموت، ذلك أن "إرهاب" المتطرّف الغربي ليس مجرد انعكاس لظروف بيئية، أو شخصية، تخص المهاجمين.

بل يمثل بصدق الجذور الفكرية والأيديولوجية لنظرية "الاستعلاء"، باعتبار أن ذوي العرق الأبيض هم المنوط بهم قيادة العالم والتأثير فيه، وليس المهاجرين، وتحديدًا "المسلمين".

وينعكس هذا المنطق بوضوح على الخطاب السياسي لرئيس أكبر دولة، والذي اعتزم تهجير المسلمين من الولايات المتحدة، وأصدر، خلال فترة ولايته، قرارًا يحظر دخول مواطني دول مسلمة الولايات المتحدة وإسقاط جنسيات المتجنسين منهم، باعتبارهم "دخلاء" لا بد من طردهم.

ومع طرق العالم أسماع المسلمين ليل نهار، منذ وقائع "11 سبتمبر" 2001، بضرورة تجديد الخطاب الديني، وغلق المساجد، وتعديل مناهج التعليم، وغيرها، فإن انتشار الإرهاب الغربي أيضاً يُبرز بعض المطالبات العادلة:

أولاً، حظر جميع أشكال الخطاب السياسي المحرّض على الكراهية، بداية من خطاب المسؤولين التنفيذيين والإداريين في مختلف الجهات الحكومية، وصولاً إلى نواب البرلمان ورؤساء الدول، من خلال القوانين التشريعية والتنفيذية، وحظر المواقع الإلكترونية المحرّضة على الكراهية، وملاحقة القائمين عليها، واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لمنع انتشار العنف.

ثانياً، إعادة تجديد الخطاب القومي من خلال مناهج التعليم الأساسية الإلزامية لمواجهة الميراث الفكري الذي نشره المتطرفون البيض، ولا يزال يلهم إرهابيين كثيرين، فيما عرف بشبكة اليمين العالمية.

ولم يتم حظر تلك المنشورات ولا حذفها، فضلاً عن إدانة محتواها ومواجهته فكرياً، ومنها "مانيفستو" النرويجي، أندريس بريفيك، الذي قتل 77 فردًا في بلاده عام 2011، مدفوعًا بكراهية "التعدد الثقافي". وكتابات أوزويلد موسلي، القائد الشعبوي البريطاني الذي نشر الأفكار الفاشية منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكان يعتبره برنتون تارنت "أقرب الشخصيات التاريخية إلى تمثيل معتقداته".

كما انتشرت على مدار الخمسين عامًا أفكار ديفيد لين، وكانت سببًا في تحريض حوادث اعتداء كثيرة على المسلمين، وكان لين من أنصار إنشاء وطن خالص للعرق الآري في شمال غرب الأطلسي، وحرضت أفكاره على طعن أحد عنصريَّين اثنين حتى الموت في المترو عام 2017.

ثالثاً، تغطية أحداث الإرهاب الموجهة ضد المهاجرين والمسلمين بقدر عادل من التركيز والإدانة يماثل خطاب "الإسلاموفوبيا" الذي أصم آذان العالم، وكان سببًا في ازدياد الهجمات على الأبرياء، بدلاً من محاسبة المتطرفين ودرء الكراهية.

رابعاً، إعادة قراءة تاريخ عنصرية البيض في الولايات المتحدة، وتحديدًا المذابح التي وقعت منذ 1860 حين خسرت الولايات الجنوبية في الحرب الأهلية الأميركية، وأصبح العمال البيض ينافسون الرجال والنساء السود، في الموارد والمكانة الاجتماعية.

لكن سرعان ما بدأت الاعتداءات والمذابح والمحارق الجماعية بحق السود، قبيل إقرار قانون الفصل العنصري، ليس فقط في الجنوب الريفي، بل بحق ملايين السود في الشمال، وصولاً إلى العام 1925، حين بلغت عضوية جماعة "كو كلوكس كلان" نحو ستة ملايين أميركي أبيض، أي نحو 5% من إجمالي المواطنين الأميركيين.

وكذلك إدانة جرائم الصرب ضد المسلمين في البوسنة وتشنيعها، والتي يبدو أن آثارها الثقافية، خصوصاً أغنية Remove Kabob التي كان يتغنى بها الجنود الصرب أثناء مذابحهم بحق المسلمين، لا تزال تلهم مزيداً من إراقة الدماء وعمليات التطهير العرقي في العالم.

وليس المطلوب هنا إعادة قراءة التاريخ فقط، بل إدانته، وتشريح ما نتج عنه من مظاهر مؤسسية وفكرية وقانونية، لا تزال تؤثر على الواقع الحالي، فإذا كانت الدولة العثمانية لا تزال تواجه إداناتٍ بشأن مذابح الأرمن، رغم انهيارها عام 1921، ويحاكم الإسلام بتاريخه على مدار 1400 عام، فكيف يُترك تراث العنصرية والعنف المسيحي والعرقي، رغم أنه أقرب إلى واقع اليوم وأشد تأثيرًا.

ما زاد استفحال الكارثة أن سنوات طوالاً من "إنفاذ القانون"، و"الحرب على الإرهاب"، لم تر في العنف إلا الإسلام والمسلمين ونصوص القرآن، ولم تفلح إلا في غلق المساجد وتدميرها وحرق الكتب، ولم ترَ انتشار الخطاب اليميني وأعمال العنف إلا "حوادث فردية"، رغم تحذير مراقبين من تنامي تلك هذه الظاهرة.

بعد الانتشار الممنهج للاعتداءات على المهاجرين المسلمين، تبقى مهمة الجهات السياسية والإعلامية والإدارية في الغرب هي بذل ما يتطلبه الموقف لمنع انتشار العنف والكراهية في العالم.

- سناء البنا، كاتبة وباحثة مصرية في الاجتماع السياسي.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

عنف الرجل الأبيض الفصل العنصري أندريس بريفيك محمد كوثراني