لماذا يتجاهل زعماء أوروبا تنفيذ أحكام الإعدام في مصر؟

السبت 23 مارس 2019 08:03 ص

عقد قادة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أول قمة على الإطلاق بين الطرفين يومي 24 و25 فبراير/شباط في مصر.

وتهدف القمة، التي استمرت يومين، برئاسة رئيس المجلس الأوروبي "دونالد تاسك" والرئيس المصري "السيسي"، إلى إيجاد أرضية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية حول الأمن والهجرة والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي حين كانت القمة بمثابة فرصة لأوروبا لتأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة، لكنه كان هناك غياب صارخ لأي إشارة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام "السيسي" كجزء من حملته المستمرة ضد المعارضين.

وفي الواقع، أغفل جدول أعمال القمة أي مناقشة للقيم الأساسية للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باحترام كرامة أو حقوق الإنسان أو الحرية أو الديمقراطية أو المساواة أو سيادة القانون.

وكانت السلطات المصرية قد أعدمت 15 شخصا في فبراير/شباط، وكان من بينهم 9 من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" أدينوا بقتل النائب العام في مصر، "هشام بركات"، عام 2015.

كما تم إعدام 3 رجال آخرين لتورطهم المزعوم في مقتل ضابط شرطة خلال أعمال الشغب التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الإسلامي "محمد مرسي"، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، عام 2013.

كما تم إعدام 3 "معتقلين سياسيين" الشهر الماضي، بعد إدانتهم بقتل نجل قاضٍ عام 2014، وقد عذبت السلطات المصرية المعتقلين الثلاثة ليعترفوا بارتكاب الجريمة.

ورغم أن أنباء عمليات الإعدام قد روعت منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وتلقت إدانة دولية، لكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ظلت صامتة إلى حد كبير.

إدانة دولية

ودعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان "السيسي" إلى وقف عمليات إعدام الأشخاص الـ15 شخصا قبيل تنفيذ حكم الإعدام بحقهم.

وقال "روبرت كولفيل"، المتحدث باسم المفوضية، إن "موقفنا المشترك في الأمم المتحدة هو الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام".

ومضى "كولفيل" بالقول: "أثناء المحاكمة، يبدو أن المحاكم قد تجاهلت روايات مفصلة عن التعذيب المزعوم استخدامه للحصول على الاعترافات".

وجاء ذلك بعد أن توصلت لجنة التحقيق ضد التعذيب التابعة للأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2017، إلى الإقرار بممارسة التعذيب "المنهجي" في مصر.

وقد دعت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية إلى التراجع عن قرار إعدام الرجال التسعة، ووصفته بأنه "وصمة عار".

وقالت "نجية بونعيم"، مديرة حملات منظمة العفو الدولية في شمال أفريقيا: "بتنفيذ عمليات إعدام هؤلاء الرجال التسعة، أظهرت مصر تجاهلا مطلقا للحق في الحياة. يجب على السلطات المصرية اتخاذ خطوات لإلغاء عقوبة الإعدام مرة واحدة وإلى الأبد".

كما أدان رئيس تركيا "رجب طيب أردوغان" عمليات الإعدام بشدة، وصرح للتليفزيون الوطني أن "هذا ليس شيئا يمكن أن نقبله"، كما دعا "أردوغان" إلى إطلاق سراح سجناء "الإخوان المسلمون".

وكانت العلاقات التركية - المصرية قد توترت منذ صعود "السيسي" إلى السلطة عام 2014، وتصف أنقرة "السيسي" بأنه رئيس "غير شرعي"، بالنظر إلى أن الجيش المصري أطاح بحليف تركيا الوثيق، "محمد مرسي" عبر انقلاب عسكري.

وقام "إبراهيم قالين"، الناطق بلسان "أردوغان"، ومستشاره الخاص، بتوبيخ القادة الأوروبيين في تغريدة في 24 فبراير/شباط، متهما إياهم بـ"التواطؤ" في إعدامات مصر، وغرد "قالين" قائلا : "السيسي يعدم 9 شبان، وغيرهم، ثم تحضرون قمة جامعة الدول العربية في مصر؟ أين قيمكم ومبادئكم؟ عار عليكم جميعا".

كما جاءت القمة بالتزامن مع تعديل دستور مصر الذي بموجبه يمكن لـ"السيسي" البقاء في السلطة حتى عام 2034، ما يعكس إحياء السلطوية التي رفضها الشعب المصري خلال الربيع العربي.

محاباة الاستبداد

وبعد الربيع العربي، قامت المفوضية الأوروبية بمراجعة سياسة الجوار الأوروبية، وكان الاتحاد الأوروبي قد تبنى في الأصل تلك السياسة عام 2004 لتقريب الدول المجاورة في الجنوب ودعم إصلاحاتها السياسية.

وقام الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق بمراجعة هذه السياسة استجابة للاحتجاجات العربية التي ركزت على تعزيز "الديمقراطية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولقد فاجأ الربيع العربي الاتحاد الأوروبي، لكنه أجبره على دعوة الزعماء العرب وبعض "الشركاء الاستبداديين" الآخرين للنظر في المطالب الديمقراطية لشعوبهم.

ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد أعاد ضبط بوصلة علاقاته مع جيرانه الجنوبيين، مع التركيز أكثر على تعزيز الاستقرار أكثر من الديمقراطية الفعلية، كما جاء في مراجعة سياسة الجوار الأوروبية لعام 2015.

وليس الأمر أن الأوروبيين "لا يهتمون" بحقوق الإنسان"، ولكنهم "يهتمون أكثر بالأشياء الأخرى، وفي هذه الحالة، يهتمون بالاستقرار على عتبات أبوابهم".

وتظهر مشاركة أوروبا الأخيرة مع "السيسي" أن الاتحاد الأوروبي يتجنب الترويج للديمقراطية. وبدلا من ذلك يشجع الحكومات المستقرة التي تمنع المواطنين العرب من مغادرة بلدانهم، وطرق شواطئ أوروبا كلاجئين غير نظاميين.

وتسببت أزمة اللاجئين في توترات كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتعتبر عاملا رئيسيا يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز تعاونه مع العالم العربي، والتعامل بحكمة مع الحكام الاستبداديين.

ومع ذلك، في الفترة التي تسبق القمة، طالب الاتحاد الأوروبي جامعة الدول العربية بعدم دعوة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وحضر والده، الملك "سلمان"، بدلا من ذلك.

ونأت العديد من دول الاتحاد الأوروبي عن "بن سلمان" منذ اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في القنصلية السعودية في إسطنبول.

ولم يحضر الرئيس السوداني "عمر البشير" القمة، حيث كان قد تمت إدانته بجرائم حرب تم ارتكابها في عام 2008 من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وبالمثل، لم تشارك سوريا، التي من المتوقع أن تعود إلى جامعة الدول العربية خلال أسابيع، بعد أن تم تعليق عضويتها إثر القمع العنيف الذي مارسه نظام الرئيس "بشار الأسد" ضد المتظاهرين المناهضين للنظام عام 2011، وقد أسفرت الحرب الأهلية في سوريا، وعدم الاستقرار المرتبط بها في المنطقة، عن أزمة لاجئين أثرت كثيرا على أوروبا.

وفي حين أن الاستقرار مهم، بالطبع لكنه لا يمكن أن يأتي على حساب مبادئ الديمقراطية.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يروج للقيم الديمقراطية "الأساسية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فلا يمكن أن يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الزعماء المستبدون في المنطقة.

المصدر | يوسف إغروان - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

القمة العربية الأوروبية الاتحاد الأوروبي جامعة الدول العربية السيسي إعدامات مصر