لماذا ترسل أمريكا حاملة طائرات جديدة إلى الشرق الأوسط؟

الجمعة 10 مايو 2019 11:13 م

أعلنت الولايات المتحدة نشر حاملة طائرات جديدة ومجموعة من المقاتلات في منطقة الشرق الأوسط.

وكان السبب المصرح به هو أن الاستخبارات الأمريكية كشفت عن تهديد إيراني ضد الأصول الأمريكية والقوات المتحالفة معها في المنطقة.

وصرحت الولايات المتحدة أنها لا تريد الحرب مع إيران، لكنها مستعدة للدفاع عن مصالحها في المنطقة. وليس من الواضح ما هو التهديد الذي اكتشفته الولايات المتحدة، ولكن بما أن هذه القوة ستستغرق بعض الوقت للوصول إلى المنطقة، يمكننا أن نفترض أن التهديد ليس وشيكا.

وسنفترض أن نوع التهديد الذي تعتقد الولايات المتحدة أن إيران تشكله يمكن مواجهته بنوع وكمية القوة الجوية التي يتم نشرها. ولكن كما هو الحال مع كل عمليات النشر هذه، تبقى هناك عناصر عسكرية ونفسية وسياسية يجب فهمها.

تداعيات الانسحاب الأمريكي

ومنذ إدارة "باراك أوباما"، كانت استراتيجية واشنطن هي إدراك أن التدخلات الضخمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد فشلت في تحقيق أهدافها السياسية، وفرضت تكاليف كبيرة على الجيش الأمريكي، وليست متوازنة مع الموقف العالمي للولايات المتحدة.

وربما تكون التدخلات العسكرية عرقلت تنظيم القاعدة، لكنهم لم تخلق أنظمة فعالة يمكنها أن تحارب الجماعات الجهادية. وأدركت واشنطن أن سحب القوات الأمريكية من المنطقة سيكون له عواقب سياسية، لكنها خلصت إلى أن التهديد الذي تشكله هذه العواقب مقبول.

وأعاد انسحاب القوات الأمريكية تحديد الديناميات الإقليمية. وكانت القضية الاستراتيجية الأساسية في المنطقة هي العلاقة بين العالم العربي والدول المحيطة غير العربية، مثل (إسرائيل) وتركيا وإيران، والقوى العظمى، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ومع انسحاب الولايات المتحدة، أصبحت الأخيرة أقل أهمية، في حين أصبحت العلاقات بين القوى العربية والإقليمية غير العربية حرجة بشكل أكبر. وفي ذلك الوقت، جاء التهديد الأكبر من إيران. وبالنسبة لإيران، كان العالم العربي يمثل تهديدا تاريخيا، وفرصة مباشرة في نفس الوقت.

وتلاشى التهديد والفرصة مع صعود تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي حدث بالتوازي مع التراجع البطيء للتواجد الأمريكي. ونظرت إيران ذات الأغلبية الشيعية إلى القوة الإسلامية والسنية والعربية الراديكالية كتهديد لمصالحها، ولا سيما لمصلحتها التاريخية في العراق. ولا يمكن لطهران أن تتسامح مع حكومة جهادية في بغداد، لذلك تدخلت، وقادت الجيش العراقي.

ومن المفارقات أنه في تلك المرحلة، توافقت المصالح الإيرانية والأمريكية، وكان كلاهما يريد ببساطة كسر تنظيم "الدولة الإسلامية". وبمجرد كسر التنظيم، واصلت الولايات المتحدة تخفيض وجودها في العراق، بينما أصبحت إيران قوة مهيمنة على نحو متزايد في بلد عربي به عدد كبير من السكان الشيعة.

وخلق هذا فرصة تاريخية أكبر بكثير لإيران. وكانت استراتيجية إيران هي استغلال الانقسام السني الشيعي في العالم العربي، وذلك باستخدام قواسمها المشتركة مع الشيعة لتحدي القوى العربية السنية، خاصة المملكة العربية السعودية.

وفي لبنان، فرضت إيران بالفعل نفوذا قويا عبر حزب الله، القوة العربية الشيعية، ورأت فرصة أخرى في سوريا. وفي حين كان النظام العلوي لـ"بشار الأسد" علمانيا بالأساس، فإن العلويين طائفة شيعية لها روابط تاريخية مع إيران.

وخلال الحرب الأهلية في سوريا، كثفت إيران دعمها لنظام "الأسد"، في تماش مع التدخل الروسي. وكان لطهران وموسكو مصلحة مشتركة في إضعاف القوة الأمريكية في المنطقة، وكان لديهما استراتيجية مشتركة لاستغلال الانسحاب الأمريكي للقيام بذلك. وكانت إيران وروسيا خصمان تاريخيا، لكن كان لكل منهما مصلحة كبرى في إضعاف الولايات المتحدة نفسيا، وإن لم يكن في القوة العالمية الفعلية.

الضغط على إيران

لذلك برزت إيران كقوة إقليمية كبرى. وهي قوة مهيمنة في العراق ولبنان، وقوة مهمة في سوريا، وتشارك بعمق في الحرب في اليمن. وبهذا تحيط إيران بالمملكة العربية السعودية، خصمها الرئيسي. وفي الواقع، من نواح كثيرة، يعد العداء السعودي الإيراني أساس الديناميات الإقليمية الحاضرة.

وفي الماضي، كما حدث خلال غزو العراق للكويت، كانت الاستراتيجية الأمريكية هي استخدام القوة لعرقلة إيران ووقف طموحاتها. لكن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة حريصة على الحد من التدخل المباشر. لذلك، تريد الولايات المتحدة الآن الاعتماد على القوى الإقليمية للتصرف عندما يكون من مصلحتها القيام بذلك، بدلا من اتخاذ إجراء مباشر بنفسها.

وكانت النتيجة ظهور تحالف إسرائيلي سعودي، يضم الدول على الساحل الغربي للخليج العربي هو تحالف يشكل خطرا على إيران.

وتتمتع إيران بالسلطة في محيط السعودية، ولكنها قوة ناعمة. وباستثناء لبنان، لا تعد سلطتها في البلدان الأخرى متجذرة بعمق أو غير قابلة للتدمير.

ويعد التعاون الذي نشأ بين (إسرائيل) والقوى العربية المناهضة لإيران تطورا كبيرا، فبالإضافة إلى الضغط السياسي التي يتم ممارسته على إيران، فإنها تتعرض لضغوط من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة بسبب برنامج إيران النووي. وفي الواقع، تتناسب العقوبات مع الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في تقليل التدخل العسكري المباشر، مع استخدام الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية لممارسة ضغط أكبر.

ويتعرض توسع إيران لضغوط كبيرة. وتهاجم (إسرائيل) المواقع الإيرانية في سوريا بانتظام، وتعد روسيا حليفا لإيران ظاهريا، لكنها ليست متحمسة لرؤية إيران قوية في منطقة القوقاز، لذا لم تقم بأي محاولة لوقف هذه الهجمات. ووضع الضغط في اليمن إيران في موقف صعب. وتبقى إيران مؤثرة في العراق، لكنها تواجه في كل مكان آخر مشاكل خطيرة.

ومع ذلك، واجهت إيران الضغط عليها بكل بما تستطيع. وكانت طهران تمد حركة حماس الفلسطينية منذ فترة طويلة بالسلاح، لكن العلاقة بين الكيانين السني والشيعي كانت معقدة بالضرورة. ويعد أحد الخيارات السياسية لإيران هو جر (إسرائيل) إلى هجمات على غزة ولبنان، وتصوير نفسها على أنها القوة الرئيسية الوحيدة في العالم الإسلامي التي تتحدى (إسرائيل). لكن المشكلة في هذه الاستراتيجية هي أنها يمكن أن تنشط الجهاديين وتدعمهم، وهؤلاء ليسوا أصدقاء لإيران.

لذلك، يتعين على إيران إما طي بعض أوراقها، أو توجيه ضربة مباشرة بطريقة أو بأخرى. وحذرت الولايات المتحدة من أن الهجوم ضد حلفائها أمر ممكن. والقضية الآن بالنسبة للولايات المتحدة هي أنه، بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية لإيران والخطر الذي يعانيه توسعها في المنطقة، فإن زيادة أعداد القوات الأمريكية قد يمنع إيران من اتخاذ إجراء. وفي الوقت نفسه، فإن إعادة إدخال أعداد كبيرة من القوات البرية ليس شيئا تريد الولايات المتحدة القيام به.

وبدلا من ذلك، تنشر الولايات المتحدة قوة جوية أمريكية في شكل مجموعة قتال محمولة. وتقوم الولايات المتحدة بإعداد نفسها، بحيث إذا نفذت إيران بعض العمليات، يمكن للولايات المتحدة أن ترد بضربات جوية.

لكن المشكلة هي أنه في سوريا ولبنان، تستطيع (إسرائيل) توفير القوة الجوية، وستجد الضربات في العراق أهدافا قليلة للنيل منها. لذا فإن الهدف الأوضح لهذه القوة هو إمكانية توجيه الضربات الجوية إلى إيران نفسها إذا نفذت عمليات ضد حلفاء الولايات المتحدة. لكن القوة التي تنشرها الولايات المتحدة ليست كبيرة بما يكفي لشن حملة جوية مستمرة لكنها يمكن استخدامها في عمل جوي محدود، مع مزيد من الإجراءات المتاحة فيما بعد.

ويعد النشر الذي أعلنته الولايات المتحدة اختبارا لأمرين. أولا، ما إذا كانت القوة الجوية تشكل تهديدا كبيرا بما يكفي لإجبار الإيرانيين على الامتناع عن الأعمال العدوانية في المنطقة. ثانيا، ما إذا كان هذا كافيا لعكس التوسع الإيراني. وتتورط إيران في قضايا داخلية. وقد يرى الجمهور الإيراني أن الضربات الجوية الأمريكية المحتملة هي أحد خطايا حكومته ولكنه في المقابل قد يختار الالتفاف حولها في مواجهة العدوان الأمريكي. وفي ظل عدم القدرة على التنبؤ، فإن إيران قد تصبح أقل ميلا للمخاطرة.

ووراء كل هذا، تبقى حقيقة أن تدخل الولايات المتحدة في المنطقة قد فشل في النهاية في تحقيق أهدافه السياسية، وأدى إلى انسحاب القوة الرئيسية للولايات المتحدة، تاركة قوات محدودة فقط للسعي وراء غايات محدودة للغاية. دون قوة عالمية تفرض النظام، أعادت المنطقة ترتيب نفسها، كما كانت الولايات المتحدة تأمل ذلك، لكن إعادة الترتيب وضعت إيران في موقع قوي، وهو ما لم ترده الولايات المتحدة بالتأكيد.

ومع توقع أن تحاول إيران ضرب التحالف الجديد المناهض لها، تحاول الولايات المتحدة إعادة تأكيد قوتها دون إعادة نشر القوات البرية. وفي النهاية، يشعر الإسرائيليون والسعوديون وحتى الأتراك، الذين لا يتم ذكرهم حتى الآن، بخطر إيران أكثر من الولايات المتحدة، وقد يضطرون إلى اتخاذ إجراء فعلي في وقت قريب.

المصدر | جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

قرقاش: علاقات الإمارات وعمان متأصلة وتاريخية.. ما سبب تصريحه؟