لماذا لا يستطيع أردوغان التخلي عن إسطنبول؟

الجمعة 10 مايو 2019 11:26 م

يوم الإثنين، ألغت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا نتائج انتخابات بلدية إسطنبول التي فاز بها مرشح من حزب الشعب الجمهوري المعارض بفارق ضئيل.

وفي البداية، قال الرئيس "رجب طيب أردوغان" إنه وحزب العدالة والتنمية سيقبلان نتائج الانتخابات. لكن موقفهم تغير لاحقا وتحدوا النتائج بدعوى حدوث مخالفات في التصويت شملت قيام الأفراد لهم صلات برجل الدين "فتح الله غولن"، الذي يتهمه "أردوغان" بالتخطيط لمحاولة الانقلاب لعام 2016، بإلغاء أصوات ما يصل إلى 15000 ناخب. وأمرت الهيئة الانتخابية بإعادة الانتخابات في 23 يونيو/حزيران المقبل.

بعد هذا الإعلان، انخفضت قيمة الليرة التركية إلى 6.16 ليرة للدولار يوم الثلاثاء، وهي أدنى نقطة لها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018. وغالبا ما تميل العملات إلى الصعود والنزول مع الأخبار الجيدة أو السيئة، لذلك يمكن للمرء بسهولة أن يستنتج أن تراجع الليرة هو نتيجة للجدل الانتخابي.

لكن أساسيات الاقتصاد التركي التي تجعل الليرة معرضة للخطر في المقام الأول وهي الديون الخارجية المرتفعة وانخفاض الاحتياطيات الأجنبية ظلت دون تغيير نسبيًا لفترة من الوقت.

وبشكل عام، كان أداء الاقتصاد التركي جيدًا إلى حد ما تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية. لكن معدلات النمو المرتفعة نسبياً في البلاد في السنوات الأخيرة كانت مدفوعة بالديون، التي كان معظمها من الديون الخارجية، بسبب نقص رأس المال الاستثماري المحلي.

لكن الدين المقوم بالعملات الأجنبية محفوف بالمخاطر لأنه إذا انخفضت قيمة العملة المحلية، يصبح الدين الخارجي أكثر تكلفةً.

وفي مثل هذه السيناريو، تصبح احتياطيات العملات الأجنبية مهمة للغاية؛ حيث يمكن استخدامها لخدمة الدين الخارجي وتجنب استخدام العملة الوطنية الأضعف، مما يجعل دفع الديون أقل تكلفة نسبيا.

ومع ذلك، لم تكن تركيا جيدة بشكل خاص في تكديس الاحتياطيات الأجنبية والاحتفاظ بها. حيث انخفض إجمالي الاحتياط الأجنبي في تركيا (باستثناء الذهب) على مدى السنوات الخمس الماضية من ذروة بلغت حوالي 110 مليار دولار إلى حوالي 73 مليار دولار في أواخر أبريل/نيسان.

لكن صافي احتياطيات تركيا الأجنبية يبلغ 26 مليار دولار فقط، وحتى هذا الرقم مضخم إلى حد ما. ففي أواخر شهر مارس/آذار، ولتجنب حدوث عمليات بيع محتملة لليرة في الفترة التي تسبق الانتخابات البلدية، بدأت تركيا في اقتراض العملات الأجنبية وقدم البنك المركزي التركي تسهيلات لمبادلة المزيد من الليرات للمستثمرين في مقابل الدولارات، مما جعل وضع صافي احتياطيات تركيا على الورق يبدو أفضل مما كان عليه في الواقع.

المشكلة، بالطبع، هي أن تركيا لا تملك تلك الدولارات فعليًا. ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإن صافي احتياطيات تركيا الفعلية يقترب من 11 مليار دولار. في عام 2018، بلغ إجمالي واردات تركيا حوالي 223 مليار دولار، أو 19 مليار دولار شهريًا في المتوسط​​، مما يعني أن احتياطياتها الصافية يمكن أن تغطي واردات أقل من شهر واحد.

ويجادل البنك المركزي التركي بأن إجمالي الاحتياطيات، بدلاً من صافي الاحتياطيات، يعد مؤشرًا أفضل لكفاية رأس المال. ولكن إجمالي عبء الديون الخارجية لتركيا وصل إلى حوالي 448 مليار دولار في نهاية عام 2018، بما يعني أن احتياطيها الإجمالي يغطي فقط حوالي 16% من إجمالي ديونها الخارجية.

وإذا أضفنا حوالي 20 مليار دولار من احتياطيات الذهب، فإن نسبة التغطية سترتفع إلى 21% تقريبًا. لكنها تنخفض إلى 2.5% فقط عند حسابها باستخدام صافي الاحتياطيات مع استثناء الدولارات المقترضة قصيرة الأجل. وإذا احتاجت تركيا إلى شراء الليرة لدعم العملة، فإن نسبة تغطيتها للديون ستنخفض أكثر.

وأصبحت تركيا الآن عالقة في قائمة من الخيارات السيئة لمحاولة حل مشاكلها الاقتصادية.

أحد الخيارات هو الاستمرار في السياسة السابقة وهي إبقاء أسعار الفائدة منخفضة قدر الإمكان والوصول إلى نسبة ائتمان وفيرة.

وساعد الائتمان الرخيص في تغذية الاقتصاد التركي في الماضي، لذلك يمكن أن يساعد في الحفاظ على معدلات النمو في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة عبء الديون الخارجية.

ومع ذلك، فقد تقلص اقتصاد تركيا في الربعين الثالث والرابع من عام 2018، وبلغ معدل التضخم حوالي 20% في أبريل/نيسان، مما يشير إلى أن البلاد قد لا تكون قادرة على صد الآثار السلبية للنمو الذي تغذيه الديون. والخيار الثاني هو رفع الفائدة ومحاولة توليد نمو لا يعتمد على الاقتراض الأجنبي.

كلا الطريقين له عواقب سياسية. قد يعني الاستمرار في المسار الحالي ارتفاع التضخم، مما سيزيد من تكلفة المعيشة ويمكن أن يحفز الناس على الابتعاد عن حزب العدالة والتنمية.

كما أن محاولة إصلاح مشاكل تركيا الاقتصادية الهيكلية - جزئيا عن طريق رفع أسعار الفائدة، وتشجيع المزيد من المدخرات المحلية ومراكمة المزيد من رأس المال المحلي للإقراض - من المحتمل أن يطيل التباطؤ الاقتصادي في تركيا ويخلق ألما اقتصاديا خطيرا للعديد من الأتراك العاديين. ويمكن أن يضر كلا الخيارين بشعبية حزب العدالة والتنمية، لكن يبدو أن الحزب لا يملك أي بدائل أفضل من مجرد إدارة تداعيات الأزمة.

يدرك حزب العدالة والتنمية بوضوح أن إدارته لمشاكل تركيا الاقتصادية يمكن أن تهدد قبضته على السلطة السياسية. وإذا شعر حزب العدالة والتنمية بالأمان من الناحية السياسية، فلن تكون خسارة الانتخابات المحلية مصدر قلق كبير. لكن مع العلم أن الأمور سوف تزداد صعوبة مع مرور الوقت، يجب أن يأخذ كل صوت على محمل الجد. الضغط من أجل إعادة انتخابات إسطنبول، هو أكثر من أي شيء آخر، اعتراف بأن الوقت ليس في صالح حزب العدالة والتنمية.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشر

  كلمات مفتاحية