النسخة الثانية من الربيع العربي تثير الذعر في ملكيات الخليج

السبت 11 مايو 2019 12:47 ص

تظهر الاحتجاجات المستمرة في الجزائر والسودان أنه على الرغم من انحسار مكتسبات الربيع العربي الذي اندلع عام 2011، تواصل الشعوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كفاحها من أجل التحرر من الاستبداد. وتختلف احتجاجات 2019 عن الاحتجاجات في عام 2011 من عدة جوانب، وقد تنتهي بنتائج أفضل. ويبقى السؤال التالي هو ما إذا كان نجاحها المحتمل قد يشكل تهديدا للممالك المستقرة في المنطقة.

وفي ما يسميه البعض موجة ثانية من الربيع العربي، شهدت الجزائر والسودان مظاهرات جماهيرية متزامنة في الأشهر الأخيرة، مما أسفر عن الإطاحة بزعيمين يقبعان في السلطة منذ زمن طويل. ورغم ذلك فإن الاحتجاجات لا تزال مستمرة مما يشير إلى أن التغيير الجذري لا يزال يمثل أولوية بالنسبة للشعوب حتى مع الاستبداد السائد في جميع أنحاء العالم العربي.

وكانت الاحتجاجات الشعبية قد بدأت ضد نظام الرئيس "عمر البشير" في السودان في ديسمبر/كانون الأول 2018، واستمرت منذ ذلك الحين. وفي نهاية المطاف، وضع الضغط حدا لحكم "البشير"، الذي دام 30 عاما، في 11 أبريل/نيسان، وأزاح 2 من كبار قادته، وزير الدفاع "عوض بن عوف" ورئيس المخابرات "صلاح غوش". واستولى مجلس عسكري على الحكم الانتقالي للبلاد، لكن المتظاهرين يواصلون الدعوة إلى عملية انتقال يقودها مدنيون.

وبالمثل في الجزائر، اندلعت مظاهرات حاشدة في فبراير/شباط 2019، ضد محاولة الرئيس المخلوع الآن "عبد العزيز بوتفليقة" إعادة انتخابه لتمديد فترة حكمه التي استمرت 20 عاما. وبعد شهر ونصف، استسلم الرئيس المريض لإرادة الشعب الجزائري، ووافق في نهاية المطاف على التنحي في 2 أبريل/نيسان. وبعد ذلك، تولى رئيس المجلس الدستوري الجزائري، "الطيب بلعيز" السلطة مؤقتا، ليستقيل بعد أيام تحت الضغط الشعبي. ويبدو أن الشعب الجزائري مصمم على القضاء على كل آثار إدارة "بوتفليقة".

وتبرز المظاهرات المستمرة في الجزائر والسودان تصميم جيل يشعر بالاختناق في ظل حكم استبدادي متحجر، ومدى توق هذا الجيل إلى الحرية. وأحيت تلك المظاهرات ذكريات ثورات الربيع العربي، التي اندلعت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2011، وحلم التحرر من الاستبداد.

واكتسب هذا الحلم أهمية متزايدة على مدار الـ 7 أعوام الماضية، حيث طورت الأنظمة الاستبدادية في المنطقة آليات معززة للقمع وأحلت الإكراه الوحشي محل الحوار، ونجحت الدول إلى حد كبير في ترويع شعوبها حد الخضوع.

خصائص الموجة الثانية

وحتى الآن، يتظاهر الجزائريون والسودانيون بسلام، ونجحوا في تجنب مستوىات العنف والمواجهة الدموية التي شابت بعض الثورات العربية. وعلى الرغم من تسجيل وفيات في السودان، إلا أن العدد أقل بكثير من الأعداد الهائلة من الضحايا المدنيين في عام 2011.

واستلهم المتظاهرون في كلا البلدين الدروس من التاريخ الثوري لبلديهما. فقد خُلدت أحداث المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في الذاكرة الجماعية الجزائرية، وعلى الرغم من أن حزب جبهة التحرير الوطني المغضوب عليه الآن كان قد قاد الجزائر إلى الاستقلال في الخمسينيات والستينيات، فقد ألهمت حرب الجزائر من أجل الاستقلال الموجة الحالية من المظاهرات التي أعادت تأكيد سلطة الشعب في معارضة الحزب الحاكم.

وعلى الرغم من محاولات حكومة "بوتفليقة" غرس الخوف من خلال استدعاء الأحداث الدموية للحرب الأهلية الجزائرية، والمعروفة أيضا باسم "العشرية السوداء"، إلا أن هناك جيلا جديدا من الجزائريين قاوم على الرغم من ذلك.

وفي السودان، كانت ثورة أكتوبر/تشرين الأول الجليلة، التي يحركها الطلاب، والتي أطاحت بنظام "إبراهيم عبود" العسكري، وبدأت فترة من الديمقراطية البرلمانية دامت 4 أعوام، هي التي ألهمت الجيل الجديد من المحتجين السودانيين.

علاوة على ذلك، يبدو أن المتظاهرين في السودان والجزائر قد تعلموا أيضا من الربيع العربي لعام 2011. وقادت المسيرات الحالية في السودان نقابة عمالية مستقلة غير تابعة وغير مؤدلجة، هي جمعية المهنيين السودانيين.

ونتيجة لذلك، تميزت المسيرات بغياب الأيديولوجية، والتي كانت مصدر توتر حاسم في انتفاضات عام 2011. وعلى الرغم من الانتماءات السياسية المختلفة للمتظاهرين، والمعتقدات الأيديولوجية المتنوعة، والخلفيات العرقية المختلفة، فقد تمكنوا من الحفاظ على الوحدة.

كما تميزت لهجة المظاهرات، والتي انعكست في الشعارات المستخدمة، عن موجة الاحتجاجات لعام 2011. وفي السودان والجزائر، كان المحتجون واضحين للغاية بشأن الرغبة في إحداث تغيير سياسي طويل الأمد وتحولي في بلدانهم.

وفي السودان، كان هناك شعار مشترك وهو "تسقط بس". وفي الجزائر، بدأ المتظاهرون وهم يهتفون "لا للعهدة الخامسة"، ولكن بعد استقالة "بوتفليقة" أخيرا، تغيرت لهجتهم وبدأوا في الهتاف، "فليرحل الجميع"، في إشارة إلى نيتهم ​​الإطاحة بجميع مؤسسات "بوتفليقة".

ومثلما ألهمت حركات الاحتجاج في تونس وغيرها من البلدان العربية بعضها بعضا في عام 2011، فقد حفز سقوط "بوتفليقة" أيضا المسيرات السودانية. ويستخدم المتظاهرون في كلا البلدين وسائل التواصل الاجتماعي لدعم بعضهم البعض وتعزيز تحركاتهم

وفيما يتعلق بدور وسائل الإعلام، غطت قناة "الجزيرة"، على سبيل المثال، ثورات 2011 على نطاق واسع وعلى مدار الساعة. وكان تأثير القناة القطرية عاملا أساسيا في تعبئة المحتجين، ووفر منصة غير مسبوقة لمئات النشطاء والمحللين للتعبير عن آرائهم. لكن في هذه المرة، كان وجود وسائل الإعلام وتأثيرها أقل وضوحا.

علاوة على ذلك، بسبب فشل ثورة 2011 في سوريا، والحرب في اليمن، وتأخر التحول الديمقراطي في ليبيا، وكذلك صعود وسقوط "تنظيم الدولة"، لم تظهر القوى الدولية الكثير من الاهتمام بالانتفاضات. ولقد علّمت النتائج المأساوية للربيع العربي عدة دول غربية توخي المزيد من الحذر قبل إظهار دعمها للتغيير السياسي في المنطقة.

الملكيات تعيش الخوف من جديد

ومع ذلك، في حين يبدو أن المتظاهرين يحققون أهدافهم تدريجيا، تراقب دول الخليج المناهضة للثورات، بما في ذلك السعودية والإمارات، هذه التطورات بقلق. وانطلاقا من هذا التوتر، دعا المتظاهرون لمنع تدخل دول الخليج لإنشاء أنظمة عسكرية استبدادية كما فعلوا في مصر مع "عبد الفتاح السيسي"، الذي أطاح بـ "محمد مرسي" وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد في عام 2013.

وقد سلط "العربي زيتوت"، الدبلوماسي الجزائري السابق والعضو المؤسس لحركة معارضة جزائرية، الضوء على ظاهرة خوف الملكيات الخليجية من الثورات، وهو خوف ينبع من إيمانهم بأن إضفاء الطابع الديمقراطي على أي نظام في المنطقة "سوف يسقطهم، لأنهم موجودون دون قاعدة شعبية".

وبالمثل، على الرغم من أن الرئيس التونسي السابق "منصف المرزوقي" زعم أن الإمارات تستخدم الأموال لإحباط الثورات، إلا أنها لم تنجح في إخماد معنويات الناس أو كبح موجة الاحتجاجات المتجددة.

ويبقى الاهتمام الأكبر لدول الخليج هو الحفاظ على سلطتها. وفي عام 2011، دعا مجلس التعاون الخليجي المغرب والأردن للانضمام إلى التكتل الذي تقوده السعودية لحماية وجود الممالك في العالم العربي، ومواجهة تهديد المعارضة الشعبية.

ولم يتحرك كل من المغرب والأردن، اللذين اختارا الاستجابة للاحتجاجات الجماهيرية بالإصلاحات الدستورية، للحصول على العضوية. وفي وقت لاحق، تلقت كلتا الملكيتين 5 مليارات دولار كحافز من مجلس التعاون الخليجي لإطلاق مشاريع اجتماعية اقتصادية لقمع سخط مواطنيهم. ومع ذلك، حتى الآن، لم يتقدم المغرب ولا الأردن بطلب الانضمام إلى "المجلس".

وتعد الحرية حقا أساسيا من حقوق الإنسان. ومع أن الأنظمة القديمة والقاسية تحاول حرمان مواطنيها من ذلك، فبمجرد أن تتراكم الرغبة في أذهان الناس، فإنهم سيجدون طرقا لإظهارها. وفي حين تمكن قادة الجزائر والسودان من تجنب الموجة الأولى من الاحتجاجات عام 2011، إلا أنهم قد سقطوا الآن. ويبدو أن هذه الموجة الثانية قد أثمرت، مما أثار فزع الإمارات والسعودية.

وما زال الوقت مبكرا لمعرفة ما إذا كان الشعبان الجزائري والسوداني سيكونان قادرين على إحداث تغيير دائم، لكن المرء يتساءل إلى متى تكون ممالك العالم العربي في مأمن من موجة التغيير الاجتماعي التي لا هوادة فيها.

المصدر | يوسف إغروان - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

ناسا: المهمات المقبلة إلى القمر والمريخ ستتكون من النساء

وفاة مصممة تليسكوب هابل وأول قيادية أمريكية بوكالة ناسا

امرأة تقاضي «ناسا» للاحتفاظ بهدية حصلت عليها من القمر