السيسي مهندس الفوضى.. والغرب يخطئ بوصلته في مصر

الأربعاء 27 مارس 2019 03:03 م

احتضن المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة، ممثلا في الاتحاد الأوروبي، النظام المصري بقيادة الجنرال "عبد الفتاح السيسي".

وكان العديد من الزعماء الأوروبيين مغمورين بالسعادة بصحبة الجنرال العسكري الذي تحول إلى ديكتاتور، في القمة التي جمعت بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، واستضافها "السيسي" مؤخرا في شرم الشيخ وجاءت تحت عنوان "الاستثمار في الاستقرار".

وقد تم دفع الفكرة القائلة بأن نظام "السيسي" يمكنه تحقيق الاستقرار منذ فترة طويلة كمحاولة لإقناع العالم بأن مصر لم تستطع الحياة كدولة ديمقراطية، خاصة في عهد الرئيس السابق "محمد مرسي".

تأثير "مرسي"

وكانت كلمات "فوضوي" و"أوتوقراطي" هي الكلمات المستخدمة في مقابلة "السيسي" الأخيرة في برنامج "60 دقيقة"، وصفا لنظام "مرسي". وفي الحقيقة، بالبحث السريع في "غوغل" عن "محمد مرسي"، سوف تجد سلسلة نتائج لا نهاية لها تقريبا من المقالات التحقيرية ومقالات الرأي التي تنتقد الزعيم المنتخب ديمقراطيا كمستبد آخر في الشرق الأوسط.

ولسوء الحظ، تفتقر هذه الانتقادات التي طالته خلال عام واحد في منصبه إلى الحديث عن شيء بسيط. وهو التأثير الفعلي لرئاسة "مرسي" على الساحة الدولية. وكنت قد تشرفت بالحصول على مقعد في الصف الأمامي للشأن المصري آنذاك، وكان من الواضح أن "مرسي" قد جلب عنصر الاستقرار الذي تمس الحاجة إليه في المنطقة.

ونجح "مرسي" في اجتياز أزمتين معقدتين في الشرق الأوسط، وهما قصف غزة وتصاعد العنف في سوريا. وفي كلتا الحالتين، نجح في تحقيق توازن بين البقاء وفيا لإرادة الشعب المصري، مع دعم التحالفات والاتفاقيات مع الدول الأخرى صاحبة المصلحة. وكانت النتيجة تراجعا كبيرا للعنف في غزة، وتخفيف حدة الصراع في سوريا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لعب "مرسي" دورا رائدا في إنهاء أسبوع من القصف والدمار الذي أودى بحياة 115 فلسطينيا في غزة، غالبيتهم من المدنيين، بمن فيهم 27 طفلا، عبر تنفيذ ما اعتبره كثير من المراقبين آنذاك مستحيلا من الناحية الدبلوماسية، وهو التوسط لوقف إطلاق النار بين "حماس" و(إسرائيل).

وقد بعث "مرسي" برسائل مهمة إلى المجتمع الدولي وإلى الشعب المصري، الذي كان متعاطفا إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية، وأسس طريقا جديدا في التعامل مع قضية فلسطين.

المصالح المشتركة

أولا: أرسل "مرسي" رئيس وزرائه "هشام قنديل" إلى غزة لتقديم الدعم المعنوي للفلسطينيين. وبعد ذلك، فتح المعابر الحدودية المصرية مع غزة للسماح لحركة البضائع والطعام والأشخاص بالمساعدة في تخفيف آثار الحصار الإسرائيلي، وبالتالي المساعدة على إزالة حاجة "حماس" إلى الأنفاق تحت الأرض. ثالثا، ظهر "مرسي" على شاشات التلفزيون في استعراض للتضامن مع الفلسطينيين.

ولقد اتخذ كل هذه الخطوات العملية الملموسة لصالح الشعب الفلسطيني، دون أن يبدو حادا أو عنيدا. ولقد تعهد بمواصلة الالتزام بمعاهدة السلام بين مصر و(إسرائيل) لعام 1979، وحتى مع تصاعد التوترات، أبقى خطوط الاتصال مفتوحة مع (إسرائيل) والولايات المتحدة.

ولقد أكسبه هذا العمل المتوازن الثناء العلني من الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، وحتى إدارة "نتنياهو"، حيث أشار نائب رئيس الوزراء السابق "دان مريدور" إلى أنه ربما أسس "بنية جديدة" للمصالح المشتركة. وكانت النتيجة وقف الأعمال القتالية، ما سمح للفلسطينيين في غزة بمزيد من التنفس.

وبينما دعم "مرسي" الفلسطينيين في غزة، نجح "مرسي" كذلك في السير على حبل السياسة الفلسطينية الداخلية. وأصر على أن تكون أول زيارة دولة يقوم بها زعيم فلسطيني إلى القاهرة من رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس"، وليس من رئيس حكومة غزة آنذاك "إسماعيل هنية".

حرب سوريا

كما أظهر موقف "مرسي" من الصراع في سوريا قدرته على تمثيل آراء ناخبيه، مع الحفاظ على العلاقات الدولية وموازنتها.

وفي خطابه الرئيسي في قمة حركة "عدم الانحياز"، في أغسطس/آب 2012 في طهران، أكد على الحاجة إلى "تدخل نشط" لإجبار نظام "الأسد" على التنحي. وبصفته آنذاك رمز نجاح الربيع العربي، وصف دعم النضال السوري ضد نظام "الأسد" بأنه "واجب أخلاقي وضرورة سياسية واستراتيجية".

وفي نفس القضية، كشف عن خطط لتشكيل "مجموعة اتصال" في الشرق الأوسط تضم مصر وإيران والسعودية وتركيا؛ لإيجاد حل للحرب الأهلية الوحشية في سوريا. وكان هدف المجموعة هو ضمان وصول إيران مباشرة إلى الطاولة، وإجبارها على أن تكون جزءا من الحل، بدلا من الاستمرار في أن تكون جزءا من المشكلة.

وفي النهاية، تم إحباط مجموعة الاتصال، ليس من قبل إيران، ولكن من قبل السعودية، وأصبح من الواضح أن السعوديين لم يكونوا مهتمين بأي حل للأزمة السورية يأتي من القيادة المصرية.

ومع تلاشي الآمال في التوصل إلى قرار دبلوماسي، وبعدما أصبح من الواضح أن الرئيس "بشار الأسد" ملتزم بتدعيم سلطته بالقوة، تحرك "مرسي" لقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وإغلاق السفارة المصرية في دمشق، وسحب القائم بالأعمال المصري من العاصمة السورية. وبدأ في تنظيم قمة عاجلة للدول العربية والإسلامية الأخرى لمناقشة الأزمة، ودعا إلى تنفيذ منطقة حظر جوي فوق الدولة التي مزقتها الحرب، وقال إن القاهرة ستبدأ في تزويد قوات المعارضة السورية بالمساعدات المالية.

انهيار مصر

وفي حين دعم "مرسي" بشدة المعارضة في سوريا، إلا أنه كان قادرا على المزج بين المصالح الدبلوماسية لمصر وانحيازات الشعب المصري، حيث كان 81% منهم لديهم رؤية غير مواتية لـ"الأسد"، وفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "بيو" في مايو/أيار 2013.

ومع ذلك، كرر "مرسي" التأكيد على أن حكومته ستظل وفية للاتفاقيات السابقة، بما في ذلك الاتفاقيات مع (إسرائيل). كما استخدم التوقيت لصالحه، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا تماما في الوقت الذي أعلن فيه "أوباما" أن الولايات المتحدة ستبدأ في تزويد الثوار السوريين بالأسلحة.

واستمرت قيادة "مرسي" في تعزيز مكانة مصر كقوة إقليمية قوية، ومرساة للاستقرار الحقيقي في المنطقة.

وعلى النقيض من ذلك، تم تقليص فكرة الاستقرار في ظل "السيسي" إلى الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ولقد عانى الفلسطينيون في غزة من أهوال لا توصف منذ الانقلاب الذي أطاح بـ "مرسي"، وأصبحت سوريا ملعبا لروسيا وإيران، وكلاهما عزز قبضته على ذلك البلد.

ودخلت السعودية في حرب لا نهاية لها في اليمن. وفي ليبيا، خرج التحول الديمقراطي عن مساره، حيث حاولت القوى الإقليمية تكرار سيناريو الانقلاب المصري عبر الجنرال "خليفة حفتر"، لكن المعارضة الليبية كانت قد تعلمت أن المعارضة غير المسلحة يتم ذبحها بسرعة.

في الواقع، لم تمكن السياسة الخارجية لمصر في ظل "السيسي" هذه الكوارث فحسب، بل روجت لها.

وكما أوضحت المقابلة في برنامج "60 دقيقة"، تسير مصر نحو "الانهيار" منذ تولي "السيسي" منصبه. ولا تستند الفكرة القائلة بأن هذا النظام يمكنه تحقيق الاستقرار سوى لبعض الأفكار المأمولة والآراء قصيرة النظر للقادة الأوروبيين وغيرهم من القادة الغربيين، أكثر من أي حقائق على أرض الواقع.

المصدر | وائل هدارة - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية