ناشيونال إنترست: هل تشهد الجزائر ربيعا عربيا جديدا؟

الأربعاء 27 مارس 2019 06:03 ص

يواجه الجزائريون مستقبلا غامضا، حيث تخلى رئيسهم "عبدالعزيز بوتفليقة" عن محاولته الترشح لولاية خامسة، وأجل انتخابات 18 أبريل/نيسان، ودعا لعقد مؤتمر وطني في وقت لاحق لإعادة كتابة الدستور.

واشتهر "بوتفليقة" في الأصل بدوره في إنهاء "العشرية السوداء"، وهي الحرب الأهلية التي استمرت 10 أعوام في الجزائر بين الإسلاميين والحكومة، لذا يُنظر إليه باعتباره بطلا قوميا.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات العامة في 16 فبراير/شباط ضد محاولة "بوتفليقة" الترشح لعهدة خامسة، كانت كل الأنظار تدور حول الجيش، وهو أقوى مؤسسة في الدولة الجزائرية.

وينتظر الجزائريون معرفة ما إذا كان الجيش سيدعم "بوتفليقة" أم الجمهور.

ومنذ إصابة "بوتفليقة" بالسكتة الدماغية عام 2013، كانت مجموعة مكونة من الجنرالات والسياسيين ورجال الأعمال، تسمى "لو بوفوار" (أو السلطة)، هم الزعماء الفعليون للجزائر.

وقد حصل "بوتفليقة" على دعم ثابت من هذه النخبة كوجه لنظامهم، وقد استهدفوا جهود المحتجين بتقديم بعض التنازلات، بدلا من الاستجابة لدعوات المطالبة بتغيير النظام.

وقد نجحت الحكومة في تجنب الانتفاضات واسعة النطاق خلال الربيع العربي، عبر زيادة الدعم وخلق وظائف إضافية في القطاع العام.

ومع ذلك، نظرا لانخفاض أسعار النفط من ذروتها حول 100 دولار للبرميل عام 2014 إلى أقل من 70 دولارا للبرميل الآن، يفتقر النظام إلى الموارد اللازمة لإعادة تطبيق هذا النهج.

بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الدعم الشعبي للحركات السياسية الإسلامية في أعقاب "العشرية السوداء"، وتفتت الأحزاب الأخرى، منع من ظهور معارضة منظمة تتحدى النظام خلال الربيع العربي.

وعلى الرغم من نجاح "بوتفليقة" في الحفاظ على الاستقرار طوال الربيع العربي، أهمل اللواء "أحمد قايد صالح"، رئيس أركان الجيش وثاني أهم رجل في الحكومة، ذكر "بوتفليقة" في مناسبتين متتاليتين، وبدلا من ذلك، أكد على الروابط بين الشعب الجزائري وجيشه.

وفي 20 مارس/آذار، نأى "صالح" بنفسه بوضوح عن "بوتفليقة"، مشيدا بالأهداف النبيلة "للمتظاهرين".

ومع ذلك، ظل موقفه العام من الولاية الجديدة لـ "بوتفليقة" غير واضحة حتى 26 مارس/آذار، عندما دعا إلى إعلان خلو منصب الرئاسة، والالتزام بالمادة 102 من الدستور، التي تنص على أن يعمل رئيس مجلس الأمة، المنصب الذي يشغله حاليا "عبدالقادر بن صالح"، كرئيس مؤقت لمدة 45 يوما على الأقل.

وعلى الرغم من موقف "صالح"، تشير دلائل إلى أن الجيش الجزائري منقسم بشأن خليفة "بوتفليقة"، خاصة بعد التوترات الداخلية التي أعقبت إقالة وسجن خمسة ضباط عسكريين جزائريين في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بتهمة الفساد.

وعلى الرغم من إطلاق سراحهم فيما بعد، إلا أن سوء معاملتهم قد أغضب القادة العسكريين، وجعلهم أيضا أكثر حذرا تجاه نظام "بوتفليقة".

وبينما بررت السلطات الجزائرية الاعتقالات باعتبارها حملة للتطهير ضد الفساد، رأى المحللون أنها محاولة من "بوتفليقة" أو أنصاره للقضاء على خصومه السياسيين داخل الجيش.

وقد بلغ معدل البطالة في الجزائر 11.7٪ في سبتمبر/أيلول الماضي، وسجلت البلاد نتائج سيئة في محاربة الفساد، حيث احتلت المرتبة 105 من أصل 180 على مؤشر "مدركات الفساد" لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2018.

وذكرت "فريدوم هاوس"، في تقرير لها، أن السياسة في الجزائر تهيمن عليها "نخبة مغلقة مقرها الجيش".

وأضاف التقرير أن الانتخابات مشوبة بالاحتيال، وتفتقر إلى الشفافية.

وقد عبر عدد من الصحفيين والناشطين عن قلقهم بشأن نزاهة الانتخابات في غياب أي شفافية.

الخلفاء المحتملون

وإذا نجحت الدولة الجزائرية في إجراء انتخابات، فهناك عدد من الخلفاء المحتملين لـ "بوتفليقة"، على رأسهم رئيس أركان الجيش.

ويعتبر "صالح" أحد أعضاء الحرس القديم الذين أدت سياساتهم في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدلات البطالة والفساد وإضعاف الديمقراطية.

ويمثل "صالح" استمرارا للوضع الراهن.

وفي عام 2013، من أجل منع الجزائر من الانزلاق إلى الاضطرابات، أعلن "صالح" دعمه لـ "بوتفليقة" عندما دعا وزير التجارة "نور الدين بوكروح" إلى الانقلاب عليه.

ويبلغ "صالح" من العمر 79 عاما، ومن الممكن أن يعترض عليه نفس الأشخاص الذين اعترضوا على شغل "بوتفليقة" للمنصب في سن الـ 82 عاما.

ويعد الدبلوماسي الجزائري المخضرم "الأخضر الإبراهيمي"، وزير الخارجية السابق، الذي كان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا حتى مايو/أيار 2014، مرشحا أيضا.

ويتمتع "الإبراهيمي" بسجل متميز، حيث عمل كممثل خاص للأمم المتحدة في أفغانستان أثناء وبعد حكم طالبان، ومبعوثا خاصا للأمم المتحدة إلى العراق بعد سقوط "صدام حسين".

وبعد فشل الأمين العام السابق للأمم المتحدة "كوفي عنان" في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا، تم تعيين "الإبراهيمي" كمبعوث عربي للأمم المتحدة في سوريا، في أغسطس/آب 2012.

وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من وقف سفك الدماء في سوريا، إلا أن أدوار "الإبراهيمي" الدبلوماسية الدولية أكسبته احترام الشعب الجزائري، وتم تعيينه لرئاسة المؤتمر الوطني لإعادة كتابة الدستور الذي اقترحه الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة".

وقد تم تكليف المؤتمر الوطني بتقديم مسودة دستورية تتضمن إصلاحات بعيدة المدى، في المقام الأول لتدشين عملية انتخابية جديدة.

وسوف تخضع الوثيقة خاضعة لاستفتاء عام.

ومن المتوقع أن يكتسب "الإبراهيمي" شعبية كرئيس للمؤتمر، والذي يهدف إلى تلبية مطالب الشعب.

كما تم اقتراح وزير الشؤون الخارجية السابق، "رمضان لعمامرة"، كزعيم محتمل في المستقبل، بسبب حياته المهنية كسفير للجزائر في الولايات المتحدة وإثيوبيا وجيبوتي.

ويعتبر رئيس الوزراء الجديد المعين في 11 مارس/آذار، "نورالدين بدوي"، خليفة محتمل أيضا لـ "بوتفليقة". وقد شغل "بدوي" سابقا منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية.

ولا تزال المعارضة تفتقر إلى الإجماع على مرشح للسباق الرئاسي ضد الحرس القديم، ومع ذلك، اختار الكثيرون "مصطفى بوشي"، وهو ناشط حقوقي مشهور، لتمثيل الحركة الشعبية.

وإذا توفي "بوتفليقة" أو استقال من منصبه قبل تنظيم الانتخابات الجديدة، ينص الدستور الجزائري على أن يعلن البرلمان عدم قدرة رئيس الجمهورية على ممارسة مهام منصبه، ويعين رئيس مجلس الأمة لمدة أقصاها 45 يوما بصفته رئيس الدولة المؤقت، وهو ما دعا إليه "قايد صالح".

وإذا استمرت حالة العجز إلى ما بعد فترة الـ 45 يوما، يجب إعلان شغور المنصب بشكل نهائي، ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة 60 يوما أخرى، يتم خلالها تنظيم الانتخابات الرئاسية، وفقا للمادتين 88 و89 من الدستور.

ورغم تأجيل الانتخابات وتأسيس المؤتمر الدستوري، لم يتم بعد توضيح إجراءات إعلان الترشيح.

ويعتقد الكثيرون أن "بوتفليقة" أرجأ الانتخابات من أجل البقاء في السلطة.

ومع ذلك، تزداد شعبية المطالب برحيل "بوتفليقة".

وكان تحالفا جديدا، يسمى "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير"، قد خرج من رحم المعارضة المجزأة إلى حد كبير.

وتتألف التنسيقية من 9 شخصيات معارضة بارزة، من ضمنها ناشط في مجال حقوق الإنسان، وزير مالية سابق، وشخصيتان إسلاميتان مشهورتان، من بين آخرين.

وقد أعلنت المجموعة 7 مطالب، بما في ذلك حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، وقبل كل شيء، استقالة "بوتفليقة" قبل 27 أبريل/نيسان.

وطالبت المجموعة أيضا برئاسة جماعية تتألف من شخصيات قومية نزيهة مستعدة للتخلي عن سلطاتها في نهاية الفترة الانتقالية.

ومن خلال دعوة "بوتفليقة" إلى الاستقالة، يعمل "قايد صالح" على تأجيل المؤتمر الدستوري، والحفاظ على سلطة الجيش.

ومن شأن طلبه الالتزام أن يؤخر الإصلاحات التي من المرجح أن تضعف نفوذ الجيش على المستوى المؤسسي.

وطوال الربيع العربي، تراجعت الاحتجاجات بعد إزاحة رؤساء الدول.

ويبرز هذا الاحتمال بالنسبة للجزائر أيضا، لكن من الممكن أيضا أن يستمر المتظاهرون، الذين تعلموا من الدروس المستفادة من العديد من ثورات الربيع العربي، في المطالبة بالمؤتمر الدستوري لإصلاح الحكومة الجزائرية على المستوى المؤسسي.

وفي الوقت الحالي، ينتظر الجزائريون معرفة ما إذا كان "بوتفليقة" سوف يتنحى قبل أن يبدأ فراغ السلطة في 28 أبريل/نيسان، وهو آخر يوم لـ "بوتفليقة" في منصبه.

المصدر | مايكل جريسو وكريم رزق - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية