مؤرخ إسرائيلي يكشف مخطط 60 عاما لتهميش فلسطينيي 48

الجمعة 29 مارس 2019 11:03 ص

استعرض المؤرخ الإسرائيلي "آدم باز" وثيقتين صهيونيتين تكشفان مخططات 60 عاما بدولة الاحتلال، استهدفت تقسيم فلسطينيي 48 والحيلولة دون حصول غالبيتهم على قدر كبير من التعليم، ومنع توحدهم في كتلة سياسية.

وذكر "باز"، في تقرير نشره بصحيفة "هآرتس" العبرية، الخميس، أن تكتيكات ضمان عدم التأثير السياسي لمن سُموا لاحقا بـ"عرب إسرائيل" تضمنتها وثيقة من أرشيف حزب العمل اليساري، مؤرخة في سبتمبر/أيلول من عام 1959.

وتضمن الوثيقة توصية بتنفيذ دولة الاحتلال سياسة تقوم على استنفاد جميع الاحتمالات الممكنة لسياسة التقسيم الطائفي "الذي أثمر في الماضي، ونجح في خلق حاجز - حتى لو كان مصطنعًا في بعض الأحيان - بين شرائح معينة من السكان العرب".

وتقر الوثيقة بأنه "لا مجال للتوهم بأن هكذا مزيج (من التكتيكات) يمكن أن يحول العرب إلى مواطنين موالين (للدولة الصهيونية)، لكنه سيقلل عداءهم المفتوح بمرور الوقت ويمنع تعبيره النشط إلى حد ما".

ولفت المؤرخ الإسرائيلي إلى أن التقييم القائل بأن "الجمهور العربي لن يكون مواليًا للدولة اليهودية أبدا" ظل راسخًا في العقد التالي أيضًا، مستشهدا بوثيقة طويلة كتبها مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية في يوليو/تموز من عام 1965 "شموئيل توليدانو".

نقاش سري

 كانت الوثيقة بمثابة نقطة انطلاق لمناقشة سرية جرت بين "توليدانو" ورؤساء جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، والاستخبارات الخارجية (الموساد)، ووزارتي الخارجية والتعليم، دون دعوة ممثلين عن الجمهور العربي، وخلصت إلى أنه "لا يجب طلب الولاء من الأقلية العربية إلى درجة التماشي مع أهداف الدولة اليهودية؛ لأن ذلك ليس عمليا أو منطقيا".

وبدلا من ذلك، اقترحت الوثيقة أن يسعى المسؤولون الصهاينة جاهدين "من أجل قبول العرب السلبي لوجود الدولة اليهودية، وأن يصبحوا مواطنين ملتزمين بالقانون".

وبحسب "باز"، فإن كلا الوثيقتين، تناولتا قضايا متنوعة تتعلق بحياة العرب في (إسرائيل) وتساعدان في إلقاء الضوء على الجهود الرسمية لقيادة الدولة الصهيونية لمنع تسييس المجتمع العربي ومقاومتها لظهور قيادة حديثة تمثله.

وجرت المناقشات، الواردة بالوثيقتين، بوقت عاشت فيه غالبية فلسطينيي 48 (باستثناء سكان حيفا ويافا) في ظل نظام عسكري (لم يتم رفعه حتى عام 1966) تضمن حظر تجول ليلي دائم والحاجة إلى تصاريح للسفر داخل دولة الاحتلال.

الطبقة المتعلمة

وكانت "الطبقة المتعلمة بين عرب إسرائيل" أحد العناصر على جدول أعمال مناقشة 1965، إذ أوصت وثيقة "توليدانو" بـ "تجنب تشكيل طبقة (عربية) واسعة التعليم قدر الإمكان"، وبررت ذلك بأن "الطبقة المتعلمة تميل إلى تبني مواقف القيادة الراديكالية".

وبناءً على ذلك، أوصت الوثيقة بـ "حلول تدريجية"، منها "عدم تشجيع دخول الطلاب العرب إلى مؤسسات التعليم العالي، وتشجيعهم – بدلا من ذلك – على الانخراط بالمهن والصناعات".

أما هؤلاء الذين يواصلون مسيرة تعليمهم من الطلاب العرب، فتوصي الوثيقة بتوجيههم نحو العلوم الطبيعية والطب؛ وإبعادهم عن العلوم الإنسانية والقانون.

حظر سياسي

كما تضمنت وثيقة "توليدانو" توصية بحظر إنشاء الجمعيات السياسية بين العرب "من أجل منع إنشاء كيانات سياسية منفصلة على أساس قومي"، إذ أن وجهة نظر الدولة الصهيونية آنذاك تمثلت في وجوب تعبير الناخبين العرب عن أنفسهم بشكل من أشكال الدعم للأحزاب الصهيونية، على أن تفتح الأخيرة أبوابها لهم وتدمجهم في صفوفها "تدريجياً وتجريبياً".

ويمكن العثور على أسباب هذا النهج في وثيقة حزب العمل لعام 1959، إذ تنص على أن سياسة التقسيم التي اتبعت بحق السكان العرب "سمحت للدولة بمنع توحيدهم في كتلة سياسية، وأعطت لقادة كل فئة منهم متنفسًا للتعامل مع شؤونهم، بدلاً من الشؤون العربية العامة".

ويعلق "باز" بأن الاطلاع على الوثيقتين يولد شعورًا بمفارقة حزينة مفادها أن القيادة الإسرائيلية عملت، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بقوة لمنع إنشاء أحزاب سياسية عربية مستقلة، بهدف إرفاق قوائم المرشحين العرب بقوائم الأحزاب الصهيونية لتكون بمثابة "أحزاب تابعة"، ولضمان أن يكون للممثلين العرب أماكن مضمونة في الأحزاب الصهيونية الأم.

انعكاس وهمي

واليوم، وعلى عكس موقف الدولة الصهيونية في وقت تأسيسها، فإن الأحزاب العربية كيانات مستقلة، والأحزاب الصهيونية لديها ممثلون عرب بالكاد، لكن ذلك ليس سوى انعكاس وهمي، إذ لم يمثل ذلك تغيرا جوهريا.

ففي حين استهدف دمج العرب بالأحزاب الصهيونية في العقود الأولى للدولة عدم تسييس المجتمع العربي، حافظت تنحيتهم من الأحزاب الكبيرة اليوم على الانفصال بين مجتمعهم وبين مراكز صنع القرار في (إسرائيل) وهو ما علق عليه "باز" بقوله: "إذا كان العرب في البداية ورقة تين، فقد أصبحوا اليوم كبش فداء".

ويمثل هذا الانفصال الأساس المنطقي لغياب أعضاء الكنيست العرب في أحزاب يسار الوسط الإسرائيلية، ولا يعكس ذلك إرادة قادة هذه الأحزاب فحسب، بل منافستهم فيما بينهم على إظهار من هو الأكثر معاداة للعرب.

ففي السنوات الأخيرة، أظهر حزب العمل، على سبيل المثال، أنه لا يهتم بوجود نشاط للعرب داخله، حتى أن قائمته مرشحي الكنيست لا تتضمن فرصة واقعية واقعية لممثل عربي.

وبالمثل في حزب "كاحول لافان"، فمن بين الأماكن الأربعين الأولى بقائمته، هناك امرأة درزية واحدة فقط، بالمرتبة 25.

ورغم أن وثيقة حزب العمل التاريخية تنص على أن "الحكم المستقر في إسرائيل أمر لا يمكن تصوره مع وجود غالبية الأقلية العربية في المعارضة"، إلا أن هكذا تقييم تم دحضه، إذ ظل الجمهور العربي في المعارضة طوال 70 عامًا، ولايزال يفتقر إلى أي قوة حقيقية.

تمييز عنصري

 ويشير المؤرخ الإسرائيلي هنا إلى استطلاع أجرته صحيفة هآرتس قبل الحملة الانتخابية لعام 2015، أظهر أن عرب 48 لا يؤيدون هكذا انفصال عن التأثير بعمليات صنع القرار والسياسة، وأن 60% منهم يرغبون في الانضمام إلى الحكومة، نصفهم فقط اشترطوا أن تكون تلك الحكومة يسارية.

ورغم أن هذه النتيجة تمثل تهديدا انتخابيا لحكم رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني "بنيامين نتنياهو"، إلا أنه من الواضح أن خصومه يبدون على نفس الخط، إذ أعلنوا للجمهور أنهم لا يفكرون في عقد ائتلاف مع حزب حركة أبناء البلد القومي العربي.

وبهذا المعنى، فإن استمرار فصل العرب يستلزم التمييز العنصري الذي تحافظ عليه المراسيم والقنوانين الإسرائيلية حاليا، وهو ما علق عليه "باز" قوله: "ربما تكون الحكومة العسكرية قد ألغيت، لكن روحها لا تزال تحكم، على اليمين، في الوسط، على اليسار - في كل مكان".

المصدر | هآرتس

  كلمات مفتاحية