استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نظام النقطة نقطة لإصلاح الحال

السبت 30 مارس 2019 07:03 ص

نظام النقطة نقطة لإصلاح الحال

هل يتحقق الرفاه بدون نظام سياسي صديق للشعوب، ومتفاهم معها، ومتناغم مع حاجاتها؟

سبب الثورات تردّي الأوضاع الاقتصادية وسوء توزيع الدخل وهيمنة النظام الريعي الإقطاعي.

هل لدى العرب حرية قرار البناء؟ كيف تصاغ روح جديدة لعودة الحياة؟

نحن أمام امتحان تاريخي صعب في غابةٍ من الحيوانات المفترسة التي تنظر إلينا وتتربص بجسدنا الجريح.

المطلوب البناء وتراكم ثروة المجتمع  وأولوية لفرص العمل وخفض الفقر خاصة بين المتعلمين، لأنهم أكثر الناس وعياً بما يفتقدون.

*     *     *

قامت الثورة الفرنسية عام 1789، وانتهت بفوز للثائرين ونهاية مؤقتة لحكم آل بوربون. لكن الفوضى عمّت فرنسا حتى استطاع نابليون بونابرت، وبدون انتخابات، أن يحكمها بدكتاتورية، ويصنع منها قوةً عسكريةً قضت مضاجع أوروبا حتى 1814 حين سقطت باريس بيد الحلفاء وحُبس نابليون في جزيرة إلبا.

وعاد الحكم مؤقتاً إلى العائلة المالكة (آل بوربون). لكن سرعان ما عاد نابليون هارباً من سجنه، لينتهي عام 1815 بعد معركة ووترلو، ونفي إلى جزيرة سانت هيلانا حتى مماته.

وعاد آل بوربون إلى الحكم بعد معركة ووترلو، لكنهم واجهوا ثورة ثانية في عام 1830. واستمرت البلاد في حالة فوضى، إلى أن تقرّر إجراء انتخابات، فنجح فيها ابن أخ نابليون (وسُمي لاحقاً نابليون الثالث)، وحكم فرنسا حتى عام 1852.

وفي ذلك العام، قرّر أن يجدّد حكمه، فعين نفسه إمبراطوراً حتى عام 1870، حين أنهى الأمير "أوتو فون" بسمارك حكمه باحتلال باريس. وهكذا، بعد أكثر من 90 عاماً من التقلب بين حكمي البوربون ونابليون، حققت فرنسا الديمقراطية الحقيقية.

ولماذا كانت الثورات تقوم؟ السبب هو تردّي الأوضاع الاقتصادية، وسوء توزيع الدخل، وهيمنة النظام الريعي الإقطاعي، حيث ينقسم الناس إلى قلة ثرية ثراء فاحشاً وفئة أخرى جائعة، وتجد الأغلبية المعدمة من يحرّكها بفكر نبيل، مثل المساواة والحرية والعدالة، فتثور.

وتبقى الأمور فترة طويلة تدور بين فئتين، إن فازت إحداهما اختبأت الأخرى تحت الأرض، حتى تقوم ثورة أخرى، فيرجع الخاسر من تحت الأرض، ويعود الفائز تحتها حتى يحدث الله أمراً.

وقد قامت في الوطن العربي ثورات، تمخضت عما آلت إليه الأمور بعد الثورة الفرنسية، إذ أعادت الثورات إنتاج قياداتٍ قديمةٍ بوجوه جديدة. وتسعى هذه القيادات إلى إصلاح الأمور، ولكن لا تغيّر من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الثورة أصلاً.

والسبب الأساس أن القاعدة الإنتاجية تبقى هشة، بل وأن الناجح منها يبدأ في التآكل، فتضيع على القطاع المنتج فرصة تأمين العاملين فيه بحياة كريمة، وتتمسّك الحكومات بالذين يحمونها، وتطالب الناس بدفع الفواتير.

وهكذا تتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ويصبح الأغنياء الراغبون بمزيدٍ من الغنى أقرب إلى الحكومات، ويجمعون من هذه العلاقة ثرواتٍ لا تنقّط شيئاً على الشعب.

وحتى لو حسنت نيات الحكومات لإفادة الناس، فإنها لن تجد في عسرتها المالية من الأغنياء والميسورين من يعينها على أزمتها، فتحاول أن تبذل جهوداً، وتضع برامج إصلاحية، وأخرى اجتماعية، لاستدراك الأمور، ولكن نظام التنقيط يزيد الناس عطشاً، وتعود دائرة العنف من جديد.

ويستخدم الاقتصاديون مؤشّراً اسمه "معامل جيني"، لقياس توزيع الدخل في الدول. وهذا المعامل أو النسبة هو من اكتشاف عالم الاجتماع الإيطالي، جيراردو جيني، عام 1912، ويفترض أن المساواة الكاملة بين الناس سوف تجعل معامل جيني بمقدار الصفر، أي أن كل فردٍ في مجتمع ما يحصل على الدخل نفسه.

وأما إذا ارتفع المعامل إلى واحد صحيح، فهذا يعني أن شخصاً واحداً في المجتمع، أو الدولة، يحصل على كامل الدخل. ويمكن تطبيق التحليل نفسه على توزيع الثروة.

ولأن العمل داخل السوق النظامية يرتب على الفقراء رسوماً وضرائب، فهم يلجؤون إلى السوق غير النظامية. وإذا توسع الاقتصاد غير النظامي تنشأ فيه قوى على شكل منظمات غير شرعية تتصرف بأسلوب مارق لتنتزع دخلها من العاملين في هذا القطاع بدل.

وتعيش هذه الاقتصادات جغرافياً داخل الدولة، ولكنها هي في الحقيقة (أوف شور) بدون ترخيص وتعمل بحكم الأمر الواقع لا بحكم القانون. ثم من بعد ذلك، تأتي المنظمات الدولية التي تعطي شهادات حسن سلوك للدول، أو تمنعها عنها.

وملخص هذه الشهادات أن الدول قد اتخذت إجراءات تؤكّد جدارتها للحصول على ديون، وأن الحكومة في هذه الدولة قادرة مستقبلاً على السداد في مقابل ديون جديدة. أو أن الدول وصلت إلى حالةٍ لا تستطيع معها السداد.

وحينها يكون أمامها خياران: أن تبدأ ببيع موجوداتها وأصولها مقابل سداد الديون المستحقة عليها، أو تعلن عزمها على التخلف عن التسديد، ما يجعلها فريسة لإملاءات البنوك في العالم، حيث تقطع عنها خطوط الائتمان والكفالات، وتجد نفسها مضطرةً للتعامل بالدفع النقدي الكامل. وإن تراجع سعر صرف عملتها، وهو المتوقع في هذه الحالة، سيقلّ القبول بها، فترتفع الأسعار، على الرغم من تراجع الطلب.

حيال هذه الصورة الكئيبة القاتمة، تقوم ثورات الجياع كما يقولون، وتكون الفتنة والبلاء. إذن، ما هو الحل المطلوب حتى لا يقع الوطن العربي في محظور ما جرى في فرنسا؟ المطلوب هو البناء، والسماح بتراكم الثروة المجتمعية. والأولوية يجب أن تعطى لفرص العمل، والسعي إلى تقليل مساحة الفقر، وخصوصا بين المثقفين والمتعلمين، لأن هؤلاء هم أكثر الناس وعياً بما يفتقدون.

ويبقى السؤال: هل توجد في الوطن العربي حرية قرار البناء؟ هل يمكن تحقيق الرفاه بدون نظام سياسي صديق للشعوب، ومتفاهم معها، ومتناغم مع حاجاتها؟ كيف يمكن صياغة روح جديدة لعودة الحياة؟

نحن أمام امتحان تاريخي صعب. ونحن في غابةٍ من الحيوانات المفترسة التي تنظر إلينا، وتتربص بجسدنا الجريح.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية