القاهرة الخديوية.. العشوائية تهدد قبلة التغيير بسبب العاصمة الجديدة

الثلاثاء 2 أبريل 2019 03:04 م

"ماذا سيكون مصير هذه القصور والمباني؟".. سؤال طرحه المؤرخ المعماري "أحمد البنداري" مشيرا إلى مباني وسط القاهرة التاريخية، في وقت تنمو فيه عاصمة إدارية جديدة بصحراء مصر الشرقية.

فوسط العاصمة المصرية، المعروف باسم "القاهرة الخديوية"، يضم تراثا معماريا ثريا، إضافة إلى "روح الحياة الشعبية" متمثلة في مقاه ودور سينما ومسارح ومصارف ومحلات تجارية كبرى، لكنه بات يصارع من أجل البقاء في ظل احتمالات تهديده بالعشوائية بعد اكتمال مشروع العاصمة الجديدة.

ويطلق اسم "القاهرة الخديوية" نسبة إلى مؤسسها الخديو "إسماعيل" الذي شيد فيها أول دار أوبرا بالشرق الأوسط لتستضيف حفل افتتاح قناة السويس عام 1869.

وعانت تلك المنطقة، كغيرها من أحياء العاصمة المصرية، من إهمال استمر لعقود، لكنها تظل قبلة المصريين الذين يقصدونها حتى عندما يطالبون بتغيير سياسي، كما فعلوا في 2011 حين مكثوا 18 يوما في ميدان التحرير ولم يغادروه إلا عقب تنحي "حسني مبارك" بعد 30 عاما على رأس السلطة.

وينقسم وسط القاهرة إلى ميادين (أو ساحات) تتفرع منها شوارع على شكل نجمة، إذ تمّ تخطيطها على الطراز "الهوسماني"، نسبة الى "جورج أوجين هوسمان"، المهندس والسياسي الفرنسي الذي وضع مخطط باريس في القرن التاسع عشر.

ويشير المؤرخ "البنداري" إلى أن "الوزارات مثل وزارة الزراعة والصحة والتربية والتعليم موجودة في مبان تاريخية وقصور"، مضيفا أن علامة استفهام بشأن مصير تلك المباني، إضافة إلى تراث معماري آخر يتمثل في "القصور التي تستخدم حاليا كسفارات في أحياء الزمالك وجاردن سيتي والمعادي".

ويضيف: "أخشى أن تُدَمر المناطق التي توجد بها هذه السفارات لأنه أحيانا تحت مسمى التطوير، يتمّ هدم أحياء بكاملها كما حدث مع منطقة بولاق أبوالعلا ومثلث ماسبيرو الواقعة بجوار مبنى التليفزيون الرسمي على النيل بالقرب من ميدان التحرير.

ترميم واستثمار

وتقول رئيسة إدارة تطوير القاهرة التاريخية في القاهرة "ريهام عرام" إنه قرارا حكوميا لم يتخذ بعد بشأن المباني الحكومية التي سيتم نقلها إلى العاصمة الجديدة، مشددة على أهمية "الحفاظ على المنطقة كي لا تقع في العشوائية".

وتشير "ريهام"، في هذا الصدد، إلى أن مشروعا لتطوير القاهرة الخديوية بدأ في العام 2014، وتم بموجبه ترميم 350 بناية، "وإعادة صبّ الزخارف وإعادة طلاء المباني بالكامل باستخدام خامات مماثلة لتلك التي استخدمت في الأصل".

وفي هذا الإطار، وبغرض المساهمة في الحفاظ على القاهرة الخديوية، أسست مجموعة من رجال الأعمال، في عام 2008، شركة الإسماعيلية للاستثمارات العقارية.

ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة "كريم الشافعي": "وجدنا أن أفضل شيء للحفاظ على وسط القاهرة هو أن يكون هناك مردود اقتصادي، وتبين أن العقارات في وسط القاهرة أكثر من نصفها خال وأسعارها مناسبة ويمكن تطويرها وتحقيق عائد مادي من خلال إعادة استغلالها".

وأضاف: "لو ذهبت إلى وسط المدينة في معظم بلدان العالم، ستجد أنها تخدم جميع الفئات وستجد مطاعم بأسعار متدنية وأخرى تقدم وجبات مرتفعة الثمن. ستجد رئيس مجلس إدارة شركة يستقل المترو إلى جوار موظف بسيط (..) لكن وسط البلد في القاهرة أصبح طاردا لفئات كثيرة".

واشترت شركة الإسماعيلية للاستثمارات العقارية، وفق "الشافعي"، 32 بناية في القاهرة الخديوية، إضافة إلى مبنى سينما راديو، الذي قامت بتأجيره إلى المذيع التليفزيوني الساخر "باسم يوسف" لتصوير برنامجه الشهير فيها قبل أن يتوقف، ثم قامت تأجيره مجددا لبرنامج ساخر آخر هو "أبلة فاهيتا"، غير أنه توقف أيضا.

ورغم ما لدى الشركة من رؤية تبدو طموحة، لكنها تحتاج إلى الكثير من الإجراءات والموافقات الإدارية لتحقيقها.

ويشير "الشافعي"، في هذا الصدد، إلى أن الشركة تحتاج إلى تصاريح لفتح مطاعم "لم نحصل عليها بعد"، ولذا فهي "تستثمر قدر الإمكان في الأنشطة الثقافية حاليا من خلال الحفلات والمهرجانات وعبر الجولة التي تنظمها صباح كل جمعة لمن يريد التعرف على تاريخ مصر المعاصر من خلال تراثها المعماري".

ويأمل رئيس شركة الإسماعيلية للاستثمارات العقارية أن تعود القاهرة لاجتذاب السياح، وأن يجدوا فيها العلامات التجارية المصرية المتميزة التي لن يجدوها في مكان آخر، خاصة في مجال الحلي والملابس.

متاحف ومراكز

ومن جانبها، تقترح أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة "سهير حواس" استغلال المباني الحكومية التي سيتم إخلاؤها بالمنطقة كمتاحف ومراكز ثقافية.

وتقول "سهير"، التي ألفت موسوعة مصورة عن القاهرة الخديوية: "نأمل أن تكون هناك عين مسلطة على القاهرة التراثية جنبا إلى جنب مع إنشاء العاصمة الجديدة"، مشيرة إلى ما تتسم به القاهرة الخديوية من تنوع للطرز المعمارية ما بين الكلاسيكية والفن الحديث.

وترى أستاذة الهندسة المعمارية أن بعض المباني الحكومية في القاهرة الخديوية يمكن إعادة توظيفها كمعارض للفنون التشكيلية ومراكز فنية، مشددة على ضرورة الحفاظ على كل أحياء القاهرة لأنها "صفحات من تاريخ العمران المصري"، حسب تعبيرها.

المصدر | الخليج الجديد + أ ف ب

  كلمات مفتاحية