هيومن رايتس ووتش: هجمات إسرائيل على غزة تعد جرائم حرب

الخميس 17 يوليو 2014 11:07 ص

هيومن راتيس ووتش 16/7/2014

قالت هيومن رايتس ووتش، الأربعاء، إن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش استهدفت في ما يبدو مبان مدنية وقتلت مدنيين، في مخالفة لقوانين الحرب. ويتعين على إسرائيل إنهاء هجماتها غير المشروعة التي لا تستهدف أعياناً عسكرية وقد يقصد بها العقاب الجماعي أو تدمير ممتلكات مدنية على نطاق واسع. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات العمدية أو المتهورة، بالمخالفة لقوانين الحرب، تعد جرائم حرب.

 

 

تسببت غارة إسرائيلية على هذه الشقة السكنية في غزة في 9 يوليو/تموز، بمقتل أمل عبد الغفور، 30 عاما، ورضيعتها التي في عامها الأول، اللذين كانا في منزلهما المطل على الشارع. تم إطلاق صاروخ "تحذيري" صغير غير متفجر على المبنى قبل دقائق من الغارة، لكن العائلة لم تعرف بهذا التحذير أو لم يكن لديها الوقت للفرار. © 2014 ديما الغول/هيومن رايتس ووتش.

 

 

تسببت الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ 7 يوليو/تموز 2014، التي قال مسؤولون إسرائيليون إنها ألقت بما يزيد على 500 طن من المتفجرات عن طريق صواريخ وقنابل جوية ونيران مدفعية، تسببت بمقتل ما لا يقل عن 178 شخصاً وجرح 1361 حتى 14 يوليو/تموز، وبينهم 635 سيدة وطفلا، بحسب الأمم المتحدة. تعرفت التقارير المبدئية للأمم المتحدة على 138 شخصاً، أو نحو 77 بالمئة من القتلى، وبينهم 36 طفلاً، ووجدت أن الهجمات دمرت 1255 منزلاً وأدت إلى تشريد 7500 شخصاً على الأقل.

قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يطنطن الخطاب الإسرائيلي بدقة الهجمات الجراحية، إلا أن الهجمات التي لا تصيب أهدافاً عسكرية وتؤدي إلى الكثير من الوفيات المدنية لا يمكن اعتبارها جراحية. والحالات الأخيرة الموثقة في غزة تتفق للأسف مع سجل إسرائيل الطويل المتمثل في غارات غير مشروعة تؤدي إلى خسائر مدنية مرتفعة".

يتعين على الجماعات الفلسطينية المسلحة أيضاً وضع حد لهجماتها الصاروخية العشوائية عديمة التمييز على التجمعات السكانية الإسرائيلية. أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن جماعات فلسطينية مسلحة أطلقت 1500 صاروخ على إسرائيل، فجرحت 5 مدنيين إسرائيليين ودمرت ممتلكات.

كانت القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة قد شنت عددا أقل من الهجمات وإطلاق الصواريخ في مايو/أيار ومطلع يونيو/حزيران. ثم تسببت غارة جوية إسرائيلة في قتل عضو مزعوم بجماعة مسلحة ونجله على دراجة نارية في غزة يوم 11 يونيو/حزيران، مما أشعل شرارة الهجمات الصاروخية من جانب الجماعات الفلسطينية المسلحة، وأدى إلى تصعيد هائل للاعتداءات الإسرائيلية في 7 يوليو/تموز. كما ألقت إسرائيل باللوم على حماس في اختطاف وقتل 3 مراهقين إسرائيليين قرب مستوطنة بالضفة الغربية في 12 يونيو/حزيران، فشنت عملية عسكرية في الضفة الغربية يوم 13 يونيو/حزيران وقتلت ما لا يقل عن 6 فلسطينيين. أشادت حماس بعمليات الاختطاف إلا أنها أنكرت المسؤولية عنها.

حققت هيومن رايتس ووتش في 4 غارات جوية إسرائيلية، أثناء عملية يوليو/تموز العسكرية في غزة التي أدت إلى خسائر مدنية ولم تهاجم أي هدف عسكري مشروع أو شنت الهجوم رغم أرجحية عدم تناسب الخسائر المدنية مع المكسب العسكري. وتشكل تلك الهجمات عند ارتكابها عن عمد أو تهور جرائم حرب بموجب قوانين الحرب المنطبقة على كافة الأطراف. وفي تلك الحالات لم يقدم الجيش الإسرائيلي معلومات تبين أنه كان يهاجم أهدافاً عسكرية مشروعة أو يعمل على تقليص الخسائر المدنية.

زعمت إسرائيل كذباً، كسياسة متبعة، أن الأعضاء المدنيين في حماس أو غيرها من الجماعات السياسية الذين لا يؤدون دوراً عسكرياً هم "إرهابيون" ومن ثم فهم أهداف عسكرية مشروعة، وقد سبق لها شن المئات من الهجمات غير المشروعة على هذا الأساس. كما قامت إسرائيل باستهداف منازل عائلات أعضاء مزعومين في جماعات مسلحة دون أن تثبت استخدام المبنى في أغراض عسكرية.

في 11 يوليو/تموز أدت غارة إسرائيلية على مقهى "فن تايم بيتش" قرب مدينة خان يونس في قتل 9 مدنيين، وبينهم طفلان في الخامسة عشرة، وجرح 3 بينهم صبي في الثالثة عشرة. قال متحدث عسكري إسرائيلي إن الهجمة "كانت تستهدف إرهابياً" لكنه لم يقدم أدلة على مشاركة أي شخص من الموجودين في المقهى، الذين كانوا قد تجمعوا لمشاهدة إحدى مباريات كأس العالم، في عمليات عسكرية، أو على أن قتل "إرهابي" واحد مزعوم في مقهى مزدحم يبرر الخسائر المدنية المتوقعة.

في اعتداء آخر يوم 11 يوليو/تموز سقط صاروخ إسرائيلي على عربة بمخيم البريج للاجئين فقتل اثنين من عمال البلدية بداخلها. كان الرجلان عائدين إلى منزليهما في عربة تعلوها شارة البلدية بعد رفع الركام من طريق تضرر جراء غارة جوية. وقال أقاربهما إن أياً من الرجلين لم يكن ينتسب إلى جماعة مسلحة، وإن السائق كان يتبع نفس الروتين اليومي بنفس العربة كل يوم منذ 7 يوليو/تموز. أدى الانفجار إلى نسف سقف العربة والخروج الجزئي لأحشاء فتاة عمرها 9 سنوات وجرح شقيقتها، 8 سنوات، حيث كانتا تجلسان أمام منزلهما القريب. لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على وجود أهداف عسكرية في العربة أو في المنطقة في ذلك الوقت.

وأدت غارة جوية إسرائيلية يوم 10 يوليو/تموز على منزل عائلة محمد الحاج، الذي يعمل كخياط، في مخيم خان يونس المزدحم باللاجئين إلى قتل 7 من أفراد العائلة المدنيين وبينهم طفلان، وجرح أكثر من 20 مدنياً. قال بعض السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن حالة الوفاة الثامنة، وهو نجل الحاج البالغ من العمر 20 عاماً، كان عضواً منخفض الرتبة في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس. قال الجيش الإسرائيلي إن الهجمة موضع تحقيق. لكن حتى لو كان النجل هو الهدف المقصود فإن طبيعة الهجوم تبدو عشوائية عديمة التمييز ومن شأنها أن تتسم بعدم التناسب في أي حال من الأحوال.

قالت سارة ليا ويتسن: "إن وجود مقاتل واحد منخفض الرتبة لا يكاد يبرر فظاعة محو عائلة بأسرها من الوجود، ولن تقبل إسرائيل التعلل بأن منزل أحد أفراد قوات الدفاع الإسرائيلي في إسرائيل يمثل هدفاً مشروعاً".

أدت هجمة إسرائيلية رابعة في 9 يوليو/تموز إلى قتل أمل عبد الغفور التي كانت حبلى في الشهر السابع، وابنتها التي تبلغ من العمر سنة واحدة، وجرح زوجها وابنها الذي يبلغ من العمر 3 سنوات. كانت الأسرة تعيش في مواجهة مبنى أصابته عدة صواريخ، بحسب شهود. وقال سكان المنازل القريبة إن القوات الإسرائيلية أطلقت صاروخاً "تحذيريا" صغيرا غير متفجر على البناية السكنية قبل دقائق من إطلاق الصاروخ الرئيسي. إلا أن الأسرة لم تعرف بالتحذير ولا اتسع وقتها للفرار. لم يصرح المسؤولون الإسرائيليون بسبب استهدافهم للبناية السكنية.

أكد بيان مبدئي قصير في 8 يوليو/تموز من مكتب الناطق العسكري الإسرائيلي أن الهجمات العسكرية استهدفت "4 منازل لنشطاء في منظمة حماس الإرهابية ضالعين في أنشطة إرهابية، يوجهون ويطلقون نيراناً طويلة المدى نحو إسرائيل"، دون أي توضيح إضافي. وفي بيانات لاحقة قال الجيش إن سياسته تقضي بمهاجمة المنازل المستخدمة "كمراكز قيادة وتحكم" أو "كبنية تحتية للإرهاب" بعد إنذار سكانها بضرورة الإخلاء، لكنه لم يقدم معلومات تؤيد هذه المزاعم الغامضة.

قالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية في 13 يوليو/تموز إن الناطق باسم قوات الدفاع الإسرائيلي قام بتغيير صياغة البيانات المتعلقة بتلك الهجمات على مدار العملية العسكرية الراهنة، لكن الجيش لم يزعم وجود أسلحة مخبأة في منزل تعرض لهجومه إلا في حالة واحدة محددة. كما صرح مسؤول عسكري إسرائيلي في 12 يوليو/تموز بأن الجيش استهدف "أكثر من 100 منزل لقادة من رتب مختلفة" في غزة، بحسب تقرير لموقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

لا تتحول المباني المدنية، من قبيل المنازل السكنية، إلى أهداف مشروعة إلا عند استخدامها في أغراض عسكرية. وبينما تعمل قوانين الحرب على تشجيع استخدام الإنذار المسبق بالهجمات لتقليل الخسائر المدنية إلا أن تقديم الإنذار لا يضفى المشروعية على هجمة غير مشروعة من أوجه أخرى.

ولكي يتسم الإنذار بالفعالية فمن اللازم منح المدنيين وقتاً كافياً للإخلاء والذهاب إلى مكان آمن قبل الهجوم. وقد قامت إسرائيل بتقديم إنذار في عدة حالات حققت فيها هيومن رايتس ووتش، لكنها نفذت الهجمات في غضون 5 دقائق أو أقل. وبالنظر إلى عدم توافر ملاجئ من القصف في غزة فإن المدنيين لا يجدون مكاناً يفرون إليه على أرض الواقع في أحيان كثيرة.

ولا مشروعية للهجمات التي تستهدف مدنيين أو أعيان مدنية، ولا للهجمات التي لا تميز أو لا يمكنها أن تميز بين المدنيين والمحاربين. أما الهجمات التي يقصد بها معاقبة أقارب أحد قادة العدو أو مقاتليه فهي تمثل بدورها ضرباً من ضروب العقاب الجماعي غير المشروع. كما تحظر الهجمات المؤدية إلى دمار واسع النطاق والتي تشن دون وجه حق وعلى نحو غاشم.

قالت سارة ليا ويتسن: "ربما يعمل إنذار العائلات بضرورة الفرار على تقليل الخسائر المدنية، إلا أنه لا يضفي أية مشروعية على الهجمات غير المشروعة. وإخفاق الإسرائيليين في البرهنة على مشروعية هجمات تتسبب في قتل مدنيين يثير أسئلة جدية حول ما إذا كان يقصد بتلك الهجمات استهداف المدنيين أو تدمير ممتلكات مدنية على نحو غاشم".

قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عقد جلسة خاصة لمعالجة انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سياق النزاع. ويتعين على المجلس تفويض المكتب الأممي للمفوضة السامية لحقوق الإنسان في تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بهدف التحقيق المحايد وتقديم تقارير سريعة وعلنية بشأن الانتهاكات المرتكبة من جانب كافة الأطراف، وإصدار توصيات للأطراف وللأمم المتحدة.

وينبغي للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء تأييد عقد الجلسة الخاصة وتشكيل لجنة تقصي الحقائق، كما أن عليهم العمل من أجل قرار:

·       يشدد على التزامات الأطراف المتنازعة بموجب القانون الدولي بحماية المدنيين؛ و

·       يشدد على الحاجة إلى إبقاء الحدود مفتوحة لوصول المساعدات الطبية والإنسانية إلى المحتاجين إليها والسماح لهم بالمغادرة؛ و

·       يدين انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من جانب كافة الأطراف؛ و

·       يشدد على الحاجة إلى المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة.

لم يسبق للسلطات الإسرائيلية ولا الفلسطينية على الإطلاق اتخاذ إجراءات جادة للتحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب على أيدي أفراد قواتهم في نزاعات مسلحة سابقة. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش العديد من الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب من جانب القوات الإسرائيلية في العقد الماضي، وبوجه خاص الهجمات العشوائية عديمة التمييز على المدنيين.

أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ 2005 وحتى نهاية 2012 إلى وفاة 1474 مدنياً وتدمير آلاف الأبنية. وفي الفترة نفسها قامت حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة بإطلاق 8734 صاروخاً على تجمعات سكانية إسرائيلية تسببت في قتل 38 مدنياً بينهم 26 إسرائيلياً و2 من الأجانب و10 فلسطينيين، عند سقوط الصواريخ على مواقع تقصر دون الهدف المقصود.

وعلى منظمة التحرير الفلسطينية توجيه الرئيس محمود عباس إلى التماس اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق وملاحقة الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة من قبل كافة الأطراف على أراض فلسطينية.

وعلى الحكومات التي تقدم أسلحة إلى إسرائيل أو حماس أو إلى جماعات مسلحة في قطاع غزة أن توقف شحن أية معدات تم توثيق استخدامها، أو التقدم بمزاعم ذات مصداقية عن استخدامها بالمخالفة للقانون الإنساني الدولي، وكذلك تمويل وصيانة مثل تلك المعدات، وهذا بحسب هيومن رايتس ووتش. تقوم الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بطائرات عسكرية مروحية وثابتة الجناح، وصواريخ "هيلفاير"، وذخائر أخرى تم استخدامها في غارات جوية غير مشروعة على غزة.

قالت سارة ليا ويتسن: "إن إخفاق الجانبين المتطاول في ملاحقة جرائم الحرب المرتكبة في غزة يعني أن الخيار الجدي الوحيد المتاح لتحقيق العدالة والمحاسبة هو الإجراءات القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية. فكم مدنياً آخر سيموت نتيحة الغارات الجوية الإسرائيلية غير المشروعة قبل أن يعمل الرئيس عباس على مثول فلسطين أمام تلك المحكمة؟".

 

طالع: تفاصيل الهجمات الأربع التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش

 

  كلمات مفتاحية

ترحيب فلسطيني بتقرير أممي يدين استهداف (إسرائيل) لمدارس في قطاع غزة