لماذا يتجاهل ترامب انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية؟

الأربعاء 3 أبريل 2019 12:04 م

للوهلة الأولى، يبدو الرئيس "دونالد ترامب" و"محمد بن سلمان"، ولي عهد المملكة العربية السعودية وحاكمها بالأمر الواقع، كزوجين غريبين.

وبالنظر إلى الخطاب النرجسي الذي يتبناه كل منهما مقابل السلوك الفاسد أو المتهور، يصبح من الواضح أنهما يتحدثان نفس اللغة السياسية.

فهما شخصان متهوران يحميهما الامتياز السياسي ويختبئان وراء السلطة، ويتشاركان علانية في علاقة متبادلة المنفعة تعزز انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، بما في ذلك سجن ناشطات حقوق المرأة، والقتل الوحشي لكاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي".

وكما هو الحال في مقتل "خاشقجي"، لم تكن حملة القمع في المملكة سرا، وقد تم إلقاء القبض على 10 نساء سعوديات في شهر مايو/أيار الماضي، أي قبل شهر من قرار "بن سلمان" برفع الحظر المفروض على قيادة النساء في البلاد.

وكان من بين هؤلاء النساء، الناشطات البارزات "لجين الهذلول" و"عزيزة اليوسف" و"إيمان النفجان"، وجميعهن تم اعتقالهن بعد احتجاجات سلمية على انتهاكات حقوق المرأة في البلاد بما يشمل حظر قيادة النساء.

وفي أواخر يوليو/تموز، تم اعتقال "سمر بدوي"، وكانت "سمر" قد تم تقديرها من قبل الولايات المتحدة بسبب نشاطها، وتم منحها الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة في الولايات المتحدة عام 2012، وهي أيضا شقيقة "رائف بدوي"، وهو مدون سعودي تم الحكم عليه حاليا بالسجن 10 أعوام و1000 جلدة؛ بتهمة الإساءة إلى الإسلام.

وكان "بن سلمان" قد تمت الإشادة به في البداية كمصلح حداثي من قبل العديد من الخبراء الأمريكيين البارزين، لكن بدلا من ذلك، ظهر كأنه الملك "جوفري" الخاص بالشرق الأوسط، حيث اكتشف الجميع أنه قائد غير كفء ولا يرحم، لكن هذا "المصلح" أبقى الناشطات في سجن سري لأكثر من عام، حيث تعرضن للتعذيب، بما في ذلك الضرب والاعتداء الجنسي.

وفي مارس/آذار، اتهمت محكمة في الرياض رسميا العديد من النساء بالتجسس والتآمر. وانتقدت منظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجميع حكومات الاتحاد الأوروبي الـ28، السعودية بسبب هذا "الاحتجاز التعسفي"، وطالبوا بالإفراج عن النساء المعتقلات.

وكانت كندا قد دعت سابقا المملكة إلى إطلاق سراح الناشطات، وردت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كندا وطرد سفيرها.

وفي الوقت نفسه، لم يقل "ترامب" شيئا.

وفي مارس/آذار أيضا، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المملكة احتجزت وعذبت مواطنا وطبيبا أمريكيا أتم تدريبه في جامعة "هارفارد"، يدعى "وليد فتيحي"، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وكان "فتيحي" أحد ضحايا النسخة السعودية من "لعبة العروش" الشهيرة، حين عزز "بن سلمان" سلطته وثروته عبر احتجاز 200 من السعوديين البارزين والاستيلاء على مليارات الدولارات.

ولا يزال "فتيحي" واحدا من عشرات السعوديين الذين لا يزالون يقبعون في السجن منذ ذلك الحين.

وتتحدث "آية حجازي"، وهي معتقلة سابقة، عن "فتيحي"، و"حجازي" هي مواطنة مزدوجة الجنسية تم الإفراج عنها من سجون القاهرة بعد تدخل الرئيس "ترامب"، وقالت في رسالة نصية لصحيفة "نيويورك تايمز": "إن عدم جعل وليد فتيحي أولوية، سوف يرسل رسالة مفادها أن أمريكا ليست أولا حقا، بل صفقات المال والنفط".

لكن "ترامب" لم يقل شيئا.

أمريكا ليست أولا

وكان "ترامب" قد رفع شعارا قوميا بامتياز في رحلته إلى رئاسة الولايات المتحدة، تحت عنوان "أمريكا أولا"، ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بتفاعلات "ترامب" مع السعودية، فإن أمن الأمريكيين، وتعزيز حقوق الإنسان، لا يكون "أولا" على الإطلاق.

وبدلا من ذلك، يتعلق الأمر كله بالمقايضة و"فن الصفقات"، الذي لا يشمل القيم والحريات الديمقراطية.

وقد تجاهل "ترامب" بشكل تام القتل الوحشي للصحفي "جمال خاشقجي"، الذي كان من منتقدي "بن سلمان" الذين فروا من البلاد، وأصبح كاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست".

وقد تجاهل البيت الأبيض مهلة حددها الكونغرس للإدارة للإبلاغ عن من المسؤول عن القتل، وبينما أصدر في نهاية المطاف إدانة عامة للقتل، لا يزال "ترامب" يقبل كلمة "بن سلمان" فوق كلمة مجتمعاته الاستخباراتية، التي خلصت إلى أن ولي العهد السعودي قد قام شخصيا بإصدار الأمر بالقتل.

وفي تطور حاسم، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن أبناء "خاشقجي" يتلقون الآن "دية" سخية للغاية.

كما قام "ترامب" بتشويه "خاشقجي"، قائلا إنه إسلامي متطرف محتمل، وبالطبع لم يكن "خاشقجي" كذلك.

وإذا كنت تتابع الأمور جيدا، فقد انحاز "ترامب" إلى "بن سلمان"، ورئيس كوريا الشمالية "كيم يونغ أون"، والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، على حساب مجتمعات الاستخبارات الأمريكية عدة مرات خلال أول عامين له في منصبه.

ويبدو الأمر كما لو أنه مولع بالقادة السلطويين العنيفين.

كما يبالغ "ترامب" في جعل مبيعات الأسلحة للسعودية والاستثمار فيها سببا للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع البلاد.

وكسب السعوديون "ترامب" وولاءه الكبير عبر إنفاق مبالغ ضخمة من المال في عقارات "ترامب" منذ انتخابه، وقد قاموا بالإطراء عليه واستقباله في حفل فخم عندما زار البلاد في أول زيارة خارجية له.

ويبدو أن "ترامب"، الذي ألقى باللوم على المملكة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، بدا "فرحا" عند تلقيه ميدالية ذهبية من الملك السعودي "سلمان"، على الرغم من أنه انتقد الرئيس "أوباما" بسبب "الركوع" عندما التقى العاهل السعودي الراحل "عبدالله" عام 2009.

ومن الواضح أن التملق والصفقات المالية والعقود المربحة تملك القدرة على تغيير القلوب والعقول، لكنها لا تزال غير قادرة على مساعدة النساء والناشطات اللائي يتعرضن للتعذيب والضرب والاعتقال لأجل كرامتهن وحقوق الإنسان.

ولم يكن سلوك "غاريد كوشنر"، صهر الرئيس ومستشاره، مختلفا عن سلوك "ترامب" نفسه، وفي فبراير/شباط، التقى كوشنر مع "بن سلمان"، وعلى الرغم من مناقشة خطة السلام في الشرق الأوسط، قيل إنه لم يكن هناك أي نقاش حول الناشطين المحتجزين، وتعذيب مواطن أمريكي، وقتل صحفي مقيم في أمريكا.

ولا عجب في أن "كوشنر" قد تم استهدافه من قبل المملكة كشخص قابل للاستغلال بسبب قلة خبرته السياسية وسذاجته، فـ"كوشنر"، الذي رفضت أجهزة الاستخبارات حصوله على تصريح أمني، قيل إنه شارك في اتصالات عبر حسابه الخاص في برنامج "واتساب" مع "بن سلمان"، الذي تفاخر بأنه يضع "كوشنر" "في جيبه"، وفقا ما أورده موقع "إنترسبت".

المصالح أولا

وبطبيعة الحال، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، تتغلب المصالح السياسية والمالية الأمريكية الأنانية دائما على قيمنا الديمقراطية.

ومنذ أن هزم الرئيس "فرانكلين روزفلت" الخاطبين الآخرين، ونجح في استمالة الملك "بن سعود" على متن المدمرة الأمريكية "يو إس إس كوينسي"، للوصول إلى النفط السعودي، تغاضى كل من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء عن انتهاكات المملكة المروعة والمستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اضطهاد النساء والأقليات الدينية والنقاد السياسيين.

وشارك كل من "أوباما" و"ترامب" في جرائم الحرب المستمرة التي ارتكبتها المملكة في اليمن، حيث قتلت التفجيرات المتعمدة مدنيين أبرياء في بلد يعاني من أزمة إنسانية ومجاعة وكوليرا خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ 4 أعوام.

لكن الأمر المختلف في "ترامب" هو عجزه الظاهر في التظاهر حتى بالاهتمام بالحديث حول القيم الديمقراطية، فهو لا يستطيع حتى استعمال روايات الدبلوماسيين المبتذلة، حول حقوق الإنسان والديمقراطية.

وفي نهاية شهر مارس/آذار، أعلنت السعودية أنها أطلقت مؤقتا سراح 3 من الناشطات اللائي يخضعن للمحاكمة حاليا، من بينهن "عزيزة اليوسف" و"إيمان النفجان"، وفي اليوم نفسه، ورد أن إدارة "ترامب" وافقت على 6 تصاريح سرية للشركات لبيع تكنولوجيا الطاقة النووية إلى المملكة.

وفي النهاية، لا ينبغي لنا أن نتوقع من "ترامب" أن يطالب بالإفراج عن باقي المدافعات عن حقوق الإنسان المحتجزات، وبدلا من ذلك، يتعين علينا دعوة مجموعات المناصرة والوكالات الدولية والمشاهير لمواصلة ممارسة الضغط العام والتدقيق على المملكة.

ويجب على الصحفيين وكتاب الأعمدة استخدام منصاتهم وأعمدتهم لنشر قصص وأسماء الناشطين والناشطات الشجعان الذين ما زالوا يتعرضون للتعذيب.

وينبغي على الدول أن تحذو حذو كندا، وأن تدين المملكة العربية السعودية علانية بسبب انتهاكاتها.

ويتعين على الشركات الخاصة والأفراد، الذين يشاركون في صفقات تجارية مربحة مع المملكة، النظر في المقاطعة أو استخدام علاقتهم المالية كوسيلة للدفاع عن العدالة.

وسوف يكون أي إجراء يهدف لمساعدة هؤلاء الناشطات البريئات مرحبا به مقارنة بالتجاهل المتعمد من قبل إدارة "ترامب"، التي بادلت حياتهن ونضالهن الطيب مقابل فواتير الدولارات وحجوزات الفنادق.

المصدر | إن بي سي نيوز

  كلمات مفتاحية