فيلم خلاويص.. كوميديا سوداء تصور معاناة واقع مصر المعتقل

الأربعاء 3 أبريل 2019 08:04 ص

على الرغم من فصول المأساة المريرة، فإن فيلم "خلاويص" المصري، إنتاج 2018، مبني على قصة حقيقية، بل إن معظم أحداثه تتشابه مع فصول من المأساة التي مر بها آلاف المعتقلين السياسيين في البلاد، ما يجعله أحد أفلام الكوميديا السوداء النادرة في مصر.

ورغم فصول المأساة الواقعية التي سيشعر بها المشاهد، فإنه لن يتمالك نفسه من الضحك على أداء بطله "أحمد عيد" الذي يمثل واحدا من المواطنين المطحونين الذي تخرج في الجامعة ليعمل في النهاية سائقا على تاكسي، ويعول أباه وأمه المسنين، بالإضافة إلى ابنه "علي" الذي تركته له زوجته الراحلة.

لكن معاناة "حسن" (أحمد عيد) الحقيقية تبدأ فصولها عندما يعود إلى منزله حاملا دراجة هوائية جديدة لابنه، ليفاجأ عند وصوله بأن قوة من الشرطة قد ألقت القبض على ابنه من المنزل، بينما كان يلعب لعبة الاختباء والغماية مع جده (معروفة في مصر باسم خلاويص)، وذلك بدعوى أن حكما بالمؤبد صدر ضد ابنه، بالاسم والعنوان ذاتهما.

ورغم أن قوة الشرطة فوجئت بأن المحكوم عليه هو طفل صغير، فإن الضابط المسؤول عن قوة تنفيذ الأحكام في النهاية فضل تنفيذ التعليمات، وتصدير المشكلة للقسم التابع له عنوان الطفل، وهكذا قرر مأمور القسم بدوره (رغم انزعاجه) تصدير المشكلة للسجن، وترحيل الطفل إلى السجن.

قالب حزين.. وقفشات ضاحكة

ورغم قفشات "عيد" الضاحكة، فإن حبكة الفيلم الحزينة وقالبه الدرامي جعله أحد أفلام الكوميديا السوداء، ما يخلق عند المشاهد حالة من الضحك المرير، والسخرية المشوبة بالحزن، خاصة عندما يرى قوات الأمن المرتعشة تواصل ترحيل الطفل مرة تلو الأخرى حتى يصل إلى مشهد الأب وهو يجري خلف عربية الترحيلات أملا في أن يطمئن طفله الوحيد الذي أصبح وحده فجأة بين المجرمين.

في طريق البحث عن الطفل، يتقابل الوالد مع المحامية التي تحاول مساعدته وتتعاطف مع قضيته، ويعرف منها بشكل عارض أنه يمكن لم شمل الطفل داخل السجن مع أي من ذويه، ليقرر أن يدخل السجن بتهمة ملفقة تتهمه فيها المحامية أنه سرق منها هاتفها، وهكذا يصر المتهم (الأب) على أن يدخل السجن رغم محاولات وكيل النيابة لتبرئته والعفو عنه لأنها سابقته الأولى.

يصل "حسن" إلى السجن ليرافق ابنه "علي"، ليجد أن مأمور السجن رغم تعاطفه الشديد، وإيمانه ببراءتهما قد قرر أن ينفذ التعليمات واللوائح ويضعهما في زنزانة مع مجرمين وعتاة.

هكذا صار "علي" (الطفل الذي يمثل مستقبل البلاد) مسجونا، يقنعه أباه أن كل ذلك ليس إلا جزء من اللعبة التي كان يلعبها مع جده (خلاويص) وأنهما يختبئان فقط كي لا يجدهما الجد، وذلك أملا في ألا تتأثر نفسية الطفل.

وعندما تصعد المحامية إعلاميا حول القضية لإلقاء الضوء عليها، يدخل "حسن" و"علي" إلى مرحلة جديدة من اللعب بورقتهما للإلهاء عن فشل الحكومة حول عدد من الملفات، لكنه ما إن يتصاعد الغضب الشعبي بشأن سجن الطفل، حتى يكون لزاما على المسؤولين أن يجدوا مخرجا يحفظ ماء وجهها.

المخرج إذن أن يكون الوالد هو الجاني، لا الابن، ورغم الاتفاق مع الوالد على أن يقضي 5 سنوات فقط مع تعويضه لحفظ ماء وجه المسؤولين، فإن كل هؤلاء تخلوا عنه، وتركوه يواجه عقوبة المؤبد، وتنصلوا من وعودهم.

الأبرياء.. وتجار السلاح

هكذا يجد "حسن" نفسه (بعد أن أقر بجريمة لم يرتكبها) بدون ابنه مجددا، لكنه في السجن هذه المرة وابنه في الخارج، لكن وجوده في قيد واحد (كلابش) مع أحد كبار تجار السلاح يضمن له هروبا لم يخطط له.

الهروب العفوي يمنح المسؤولين فرصة لتأكيد روايتهم بأن "حسن" ما هو إلا إرهابي خطير، وأنه ضلل الرأي العام برواية ابنه لاستدرار عطفهم.

يفاجأ "حسن" (البريء) أنه تلقى حكما بالمؤبد، بينما تاجر السلاح (الكبير) الذي نجحت عصابته وصبيانه في تهريبهما لم يتلق إلا حكم بـ5 سنوات فقط، ليقرر أن يهرب إلى الخارج برفقة ابنه عن طريق الهجرة غير الشرعية.

يبيع سيارته الأجرة (التاكسي) ليكمل مصاريف الهروب في مركب مكتظ وطريق غير آمنة ابتلعت آلاف من جثث الآملين في حياة آمنة.

يودع أبويه المسنين على وعد باللقاء، دون أن يترك من يرعاهما، أبوه يودعه باكيا: "لما ترجع هكون مت يا حسن".

لا يترك الفيلم مشاهديه يغرقون في اليأس، إذ ينتهي بالإطاحة بالمسؤولين الفاسدين، وتدخل أحد الأقل مسؤولية لإنقاذ "حسن" من على أعتاب ركوب مراكب الموت العابرة للمتوسط.

ورغم عدم واقعية الدقائق الأخيرة في الفيلم، إلا أنها كانت محاولة فاشلة لإنقاذ المشاهدين من تسجيل سوداوية الواقع الأليم.

أحداث واقعية

فيلم "خلاويص" مبني على قصة واقعية حدثت في فبراير/شباط 2016 عندما أصدرت محكمة عسكرية مصرية حكما بالمؤبد على طفل عمره أ4 سنوات؛ بسبب خطأ في تسجيل الاسم.

في القصة الواقعية لم يدخل الطفل السجن، وظل الحكم غيابيًا بحقه حتى تم فك لغزه، لكن هذا الخبر بنى عليه المؤلفان "لؤي السيد" و"فيصل عبدالصمد" قصة فيلم "خلاويص".

ومزج المؤلفان قصة ذلك الفيلم بمئات الأطفال المصريين من أبناء المعارضين الذين جرى الزج بهم في الإصلاحيات عندما لم تجد قوات الأمن آباءهم عند اقتحام منازلهم للقبض عليهم، فنسبت إليهم تهما أيضا بالتظاهر والشغب والتخريب.

كما حاول الفيلم عرض بعض من معاناة المعتقلين السياسيين الذين جرى احتجازهم في زنازين مع عتاة الإجرام والمحكومين جنائيا، كما ألمح من طرف خفي إلى كثير ممن أعطوا اعترافات كاذبة على أنفسهم إما طمعا في النجاة من وطأة التعذيب في مقار الأمن الوطني، أو لحماية آبائهم وأبنائهم من تهديدات البعض.

يكشف الفيلم كذلك مناخ الخوف السائد في البلاد، إذ يفضل كل مسؤول الالتزام باللوائح، مع اعترافه بالظلم الواقع، وتصدير المشكلة للمسؤول الآخر.

ويوضح الفيلم كيف أن النظام المصري يتحكم في الأذرع الإعلامية التي عمدت إلى الكذب على الشعب والتلاعب بمشاعر المواطنين.

نهاية غير واقعية.. وحرب إعلامية

الحقيقة أن نهاية "حسن" وابنه "علي" لم تكن بالسعادة التي انتهى عليها الفيلم، فكثير من "حسن" و"علي" يقضيان أعوام عمرهما في سجون مصر، أو تسبح جثامينهما في أمواج البحر الأبيض، أو مسجاة على رمال المنطقة الحدودية مع السودان.. الأسعد حظا (وأتعس حالا) يعيشون ممزقين في بلدان متفرقة يتلمسون كفاف العيش ويحاولون بدء حياة جديدة.

لكن الفيلم لقي في مصر تضييقا من النظام، إذ جرى رفعه سريعا من معظم دور السينما التي عرضته، كما أن وسائل الإعلام الموالية للنظام حرصت على ترويج أخبار حول فشله وعدم تحقيقه إيرادات تذكر، وهاجمته بضراوة.

لكنه يحسب لـ"أحمد عيد" أنه حافظ على خطه الفني غير الممالئ للسلطات، وبقائه منحازا لمشاكل الشعب، ومعبرا عنها.

الفيلم من بطولة "أحمد عيد" و"أيتن عامر" (المحامية) ومن تأليف "لؤي السيد" في ثالث تعاون له مع "عيد"، بعد فيلمي "رامي الاعتصامي" و"ياباني أصلي"، و"فيصل عبدالصمد" الذى قدم معه فيلم "أنا مش معاهم"، من إخراج "خالد الحلفاوي"، ابن الممثل "نبيل الحلفاوي"، ويشارك فى البطولة "أحمد فؤاد سليم"، "طارق عبدالعزيز"، "محمد حاتم"، "محسن منصور"، "سامي مغاوري"، وآخرون.

 

 

 

 

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية