فورين بوليسي: سجون مصر أرض خصبة لتجنيد أفراد جدد لتنظيم الدولة

الأربعاء 10 أبريل 2019 01:04 م

في الوقت الذي عانى فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" من الهزيمة في معقله الأخير في "الباغوز" الشهر الماضي، أعلن البيت الأبيض النصر على الخلافة المعلنة ذاتيا، وأعلن عبر تويتر أنه "تم طمسها من على الخريطة". لكن منظمات حقوق الإنسان والناشطين، بعيدا عن الخطوط الأمامية للمعركة، يحذرون من تزايد تجنيد "الدولة الإسلامية" والجماعات المتطرفة الأخرى للأفراد في السجون المصرية، حيث أدت ظروف السجناء المروعة إلى تسريع عملية التجنيد.

وترأس الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ما وصفته "هيومن رايتس ووتش" بأنه "أسوأ أزمة لحقوق الإنسان في مصر منذ عقود". وقدرت "هيومن رايتس ووتش"، عام 2016، أن أكثر من 60 ألف شخص قد تم اعتقالهم أو توجيه التهم إليهم في مصر منذ أن أطاح "السيسي" بـ"محمد مرسي" في انقلاب عام 2013، حيث استهدفت الاعتقالات مجموعة واسعة من المعارضين السياسيين. وقال "حسين باومي"، وهو باحث مصري في منظمة العفو الدولية: "تمر مصر بواحدة من أسوأ الفترات من حيث القمع والاعتقالات التعسفية. يمكن اعتقال الناس في مصر دون أي سبب على الإطلاق".

ولدى مصر بالفعل تاريخ من ازدهار التشدد والتطرف خلف القضبان، حيث يعتبر زعيم القاعدة الحالي، "أيمن الظواهري"، من بين الجهاديين البارزين المتطرفين الذين تخرجوا من سجون البلاد. لكن منظمة العفو الدولية وصفت حملة "السيسي" على الحريات المدنية بأنها "لا مثيل لها في تاريخ مصر الحديث"، حيث تم احتجاز أشخاص بسبب "تهكم، أو تغريدة، أو دعم ناد لكرة القدم، أو شجب التحرش الجنسي، أو تحرير الأفلام". وقد أشارت وزارة الخارجية الأمريكية منذ ذلك الحين إلى اكتظاظ السجون بشكل مهدد للحياة. وتختلف تقديرات عدد السجناء، لكن في عام 2016، قدرت "وورلد بريزون بريف" أن نحو 90 ألف سجين، سواء كانوا سياسيين أم لا، كانوا محتجزين في سجون البلاد، مع 16 ألف شخص آخرين محتجزين في أقسام الشرطة. وفي الوقت نفسه، تشير التقديرات إلى أنه تم بناء 18 سجنا جديدا في الأعوام الـ 6 الماضية، وفقا لـ"هيومن رايتس ووتش".

وتخشى منظمات حقوق الإنسان، والمحتجزون السابقون، من أن يكون عدد الأشخاص المعرضون للتطرف داخل السجون أكثر من أي وقت مضى.

ويقول "أيمن عبدالمجيد"، وهو مهندس، إنه تم القبض عليه بسبب نشاطه السياسي عام 2015، وتم احتجازه في سجن القناطر، وسجن محكمة الجيزة، وعدة مراكز شرطة، وقد رأى عدة رجال محتجزين بسبب جرائم غير عنيفة تحولوا بعد ذلك إلى التطرف أثناء الاحتجاز.

وقال: "لقد رأيت رجالا تم سجنهم بسبب خلاف مع ضابط شرطة محلي قام بعد ذلك برفع دعوى ضدهم. وينتهي بهم الأمر إلى السجن، وهم في حلقة من عدم المحاكمة، ثم يتم وضعهم رهن الاحتجاز التعسفي لفترة زمنية غير محددة".

وأضاف:"يمتلئ هؤلاء الناس بالكثير من الكراهية، إنهم يكرهون الدولة ويكرهون الشرطة. لقد فقدوا وظائفهم، وفقدوا أعمالهم. ويجعل هذا حياتهم بائسة، فهم يتركون أسرهم وراءهم. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يستهدفهم المتطرفون".

وبدلا من إدانة الاكتظاظ في السجون وانتهاكات الحقوق المدنية، أعادت الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس "دونالد ترامب"، في عام 2018، 195 مليون دولار كمساعدة عسكرية للحكومة المصرية. وكان "ترامب" قد جمد تلك الأموال عام 2017 احتجاجا على إقرار "السيسي" لقانون قمع المنظمات غير الحكومية، وعلاقة الحكومة المصرية بكوريا الشمالية، لكن واشنطن أعادت المساعدات العسكرية على الرغم من عدم وجود أي إصلاح حقيقي لحقوق الإنسان. وجاء قرار التنازل عن التمويل، على الرغم من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، بعد سابقة وضعتها إدارة "أوباما"، والتي جمدت التمويل العسكري لمصر عام 2013 بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، لتتراجع عنها بعد عامين، مشيرة إلى الحاجة إلى محاربة متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية".

وأثناء حديثه في القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي، أشاد "مايك بومبيو"، وزير الخارجية الأمريكي، بالرئيس المصري "لجهوده النشطة في مكافحة التهديد المستمر للإرهاب، وكذلك الإسلاموية المتطرفة التي تغذيها". وعلى الرغم من ثناء إدارة "ترامب"، أدرك أعضاء مجلس الشيوخ، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، التهديد الذي تشكله سياسات "السيسي" على الأمن القومي والدولي. وفي عام 2017، كتبت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، بقيادة السيناتور الجمهوري "ماركو روبيو" والسيناتور الديمقراطي "بن كاردان"، رسالة إلى "ترامب"، حثوه فيها على الضغط على الحكومة المصرية بشأن قضايا حقوق الإنسان، وإلا فإنه "يخاطرة بتمكين مصر من إدامة أنواع الظروف التي تساعد على توليد التطرف العنيف والإرهاب".

وأشار أحدث تقرير لحقوق الإنسان في وزارة الخارجية إلى العديد من قضايا حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك أعمال القتل غير القانوني أو التعسفي التي ارتكبتها الحكومة، والاختفاء القسري، وظروف السجن التي تهدد الحياة، والاعتقال والاحتجاز التعسفي، والسجن السياسي، والتعذيب. وقد تم الاعتراف بهذه الظروف من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان. ووفقا للمحتجزين السابقين، فإنها تدفع السجناء نحو تنظيم "الدولة الإسلامية".

ووفقا لـ"براين دولي"، كبير المستشارين في "هيومن رايتس فيرست"، "يؤجج القمع الوحشي الذي يقوم به "السيسي" ضد المعارضين نمو داعش، حيث تقوم المجموعة بتجنيد المؤيدين في السجون المصرية بوتيرة متسارعة. ولقد تحدثت إلى أشخاص شاهدوا تجنيد داعش للأفراد في السجون مؤخرا العام الماضي. لقد أصبح لداعش الآن سيطرة فعلية على أجزاء من نظام السجون".

وصرح "دولي" لـ"فورين بوليسي"، عبر البريد الإلكتروني، بأن "الدولة الإسلامية" تقوم بتجنيد المعارضين المسالمين والسجناء غير السياسيين عبر استغلال الغضب والشعور بالإذلال الناجمين عن الإساءة، حيث ينضم الناس إلى المجموعة من أجل الانتقام والحصول على الحماية".

وكان السجين السابق "محمد نبيل" عضوا بارزا في "حركة شباب 6 أبريل"، التي تأسست عام 2008 لدعم العمال المضربين. وقال "نبيل"، إنه أثناء احتجازه في أحد السجون المصرية، رأى زملاءه المعتقلين يتعرضون للتعذيب، ثم يتم احتجازهم في زنزانات مع سجناء تابعين لـ"الدولة الإسلامية".

وأضاف: "اعتاد المسؤولون على جعلنا نحضر جلسات التعذيب، وجعلنا نشاهد الإسلاميين يتعرضون للتعذيب والصعق بالكهرباء، والتعليق من السقف. وكانوا يقيدون أيديهم وراء ظهورهم ويعلقونها من السقف حتى يتم خلع أكتافهم. لقد اعتادوا على صعق الناس بالكهرباء في الأجزاء الحساسة من أجسامهم".

وأكمل: "رأينا أطفالا صغارا، تتراوح أعمارهم بين 13 عاما و18 عاما، تم احتجازهم وصعقهم بالكهرباء. وهكذا قام تنظيم "داعش" بتجنيدهم. لقد كان "داعش" يدير الأمور في الداخل. لقد تم اغتصاب الأطفال الصغار من قبل المسؤولين. ويخبرهم الأفراد من "داعش" بأنه يجب قتل هؤلاء الرجال، ويمكننا مساعدتكم".

وأوضح "نبيل" كيف تجري عملية التحول للتطرف، قائلا: "يكون الانتقام هو الدافع الأول. والشيء الثاني، يحصل المجندون على وعد بأنهم إذا ماتوا وهم يقاتلون من أجل مبادئهم، فسوف يذهبون إلى الجنة. إنه وعد بالذهاب إلى الجنة، وفي الوقت نفسه بالانتقام، لذلك يبدو الأمر كصفقة جيدة".

ولا يعد التحول للتطرف في السجون جديدا ولا فريدا بالنسبة لمصر. وفي أوروبا، ارتبط التطرف داخل أنظمة السجون الوطنية بالهجمات الإرهابية الفتاكة في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة ودول أخرى. وتعرض "شريف كواشي"، أحد الإخوة الذين نفذوا هجوم 2015 على مكاتب مجلة "شارلي إيبدو"، للتطرف في أحد السجون الفرنسية. ويسري الاعتقاد بأن "إيميدي كوليبالي"، الذي قتل 4 أشخاص في سوبر ماركت "كوشير" في باريس، و"بنيامين هيرمان"، الذي قتل ضابطي شرطة ومدني في "لييج"، ببلجيكا، قد تطرفا في السجون في فرنسا وبلجيكا، على التوالي.

وقال "راجان بصرة، وهو زميل باحث في المركز الدولي لدراسة التطرف، قال إن المركز شهد داخل أوروبا العديد من حالات السجناء الذين يتطرفون بعد إدانتهم بجريمة جنائية شائعة. وقال "بصرة": "يكون الشخص منفصلا عن الأصدقاء والعائلة داخل السجن، ويكون في كثير من الأحيان في بيئة معادية، حيث يتعين على الناس البحث عن السلامة البدنية، وعليهم أن يجدوا حلفاء جدد. وهناك يقابلون المتطرفين الذين يدركون نقاط ضعفهم".

وتكافح الحكومات في جميع أنحاء العالم لوقف تأثير تجنيد "الدولة الإسلامية" منذ أن سيطرت المجموعة على الأراضي في العراق وسوريا عام 2014، وألهمت هجمات الجهاديين في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن "الدولة الإسلامية" شهدت هزيمة إقليمية في سوريا، إلا أن قوات الأمن الدولية والحكومات الوطنية لا تزال تكافح من أجل احتواء التطرف بالكامل. ويعتقد المعتقلون المصريون السابقون أن التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في السجون من شأنه على الأقل إبطاء التجنيد في البلاد.

وقد تم إطلاق سراح "فهد"، الذي تم تغيير اسمه بناء على طلبه، من السجن في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعد احتجازه في 6 مراكز احتجاز مختلفة على مدار 4 أعوام تقريبا. وقال في مقابلة مع "هيومان رايتس فيرست": "ستلغي ظروف السجن الأفضل بعض المظالم التي يستخدمها داعش لإقناع السجناء، وهي ليست ضمانة، لكن إذا أوقفت التعذيب والضرب، فسوف يستهلك هذا قدرا كبيرا من قوة داعش".

وبالنسبة لـ"عبدالمجيد"، المحتجز في عام 2015، كانت تكلفة عدم التحرك واضحة: "لقد كان هناك شخص في زنزانتي رأى مسيرة الإخوان المسلمين خارج منزله، ورأى فتاة يحبها في المسيرة. وذهب لمحاولة إجراء محادثة معها. لم ينضم إلى المسيرة، لكنه انتهى به المطاف في السجن، حيث تعرض للاعتداء. ولقد قال لي في السجن، إنه في اللحظة التي يخرج فيها، سيذهب إلى الصحراء للتدريب مع داعش".

المصدر | آمي ووديات - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية