لماذا لا يمكن للجيش قيادة الانتقال السياسي في السودان؟

الجمعة 12 أبريل 2019 07:04 ص

قامت المؤسسة العسكرية السودانية بإسقاط الرئيس "عمر البشير"، بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية المستمرة والتحريض على التغيير. وتأتي هذه الخطوة بعد أقل من شهر من قرار الجيش الجزائري سحب دعمه للرئيس الجزائري الثمانيني "عبدالعزيز بوتفليقة"، والسماح بنقل السلطة إلى رئيس البرلمان "عبدالقادر بن صالح"، الذي سيتولى فترة انتقالية مدتها 90 يوما. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن الجنرالات يعتقدون أنهم يستطيعون قيادة انتقال منظم إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب، والتي كانت المطلب الرئيسي لملايين السودانيين والجزائريين، إلى جانب دعوات التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وإنهاء الفساد، والحكم الرشيد. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، يجب توخي الحذر؛ فقد كانت العصابة العسكرية التي أسقطت "البشير" اليوم مشاركة بشكل كبير في حكمه الاستبدادي، بينما كان الضباط الجزائريون ركائز مهمة لسلطة نظام ذلك البلد.

ومن المبادئ الثابتة في العالم العربي أن القوات المسلحة تكون العامل المحوري والحاسم الذي يحدد نتيجة الانتفاضات الشعبية الهادفة للتغيير والخروج من الحكم الاستبدادي. وفي فترة ما بعد 2011، ظل الجيش التونسي فقط، وبسبب الظروف الهيكلية المتعلقة بطبيعته غير السياسية عموما، خارج المعركة، مما سمح بانتقال جيد تقوده وتنفذه القوى السياسية المدنية في البلاد. واليوم، وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية الخطيرة، يعد انتقال تونس الحالة الوحيدة لتغيير إجرائي ناجح من استبداد دولة بوليسية إلى ديمقراطية ناتجة عن تسوية بين النخب.

على الطرف المقابل، تقف مثل هذه السجلات المروعة، مثل تلك الخاصة بالقوات المسلحة المصرية والسورية واليمنية والليبية، وكل منهم مذنب بتدمير إرادة المتظاهرين والشعوب المطالبة بتغيير هيكلي في الأنظمة الاستبدادية الراسخة. وفي كل هذه الحالات، اندفع الجيش للحفاظ على نسخته من الدولة التي قادها لعقود من الزمن. وفي مصر، قام الجيش تدريجيا بتجريد قوى التغيير في المجتمع من الأمل، وانتهى به الأمر بانقلاب دموي أعاد الوضع الراهن. وفي سوريا واليمن وليبيا، قاد الجيش عملية تدمير منهجي للدولة لحماية السلطوية ومنع التغيير.

بين الجيوش والشعوب

وفي الواقع، كانت هناك مناسبات نادرة قام فيها الضباط العسكريون في العالم العربي بتنفيذ ما أراده الناس. ولم يحدث هذا الأمر في أي مكان آخر غير السودان، عندما قام المشير "عبدالرحمن سوار الدهب" بانقلاب عسكري ضد الديكتاتور "جعفر النميري" عام 1985، قبل أن يترك السلطة سامحا بالانتقال إلى الحكم المدني والديمقراطية البرلمانية. ولقد تم إسقاط تلك الديمقراطية من قبل "عمر البشير" عام 1989، بمساعدة قائد الانقلاب الحالي "عوض بن عوف"، الذي كان نائب الرئيس "البشير" ووزير الدفاع، قبل أن تتم تنحية "بن عوف" نفسه خلال ساعات من انقلابه لصالح قائد القوات البرية "عبدالفتاح برهان". وفي ظل هذا الاضطراب، من المشروع أن نسأل عن المسار المحتمل للمجلس العسكري المعلن في الخرطوم وأجندته، والفترة الانتقالية التي تمتد لعامين والتي تم الإعلان عنها عقب تحرك الجيش.

ويصر الضباط في السودان اليوم على أنهم غير طامعين في السلطة، وقد أعلنوا خارطة طريق تشمل الإطاحة برموز النظام القديم، والإفراج عن السجناء السياسيين، ومكافحة الفساد، وكتابة دستور جديد، والسماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد عامين، بين أشياء أخرى. لكن يبدو أن هذه الالتزامات لا ترقى إلى مستوى المطالب العامة التي حركت شوارع السودان منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي الواقع، سارع المتظاهرون إلى ما أسموه "انقلابا عسكريا" وهم متمسكون إلى الآن بفترة انتقالية يقودها مدنيون تكنوقراط يعدون البلاد لتغيير ديمقراطي مفتوح. وهذا هو الفرق الصارخ بين نخب النظام القديم، وخاصة الضباط العسكريين، وتحالف الحشود التي تطالب بالديمقراطية المدنية، من الأفراد والنقابيين والنشطاء المحترفين الذين لا يثقون بالجيش في قيادة السودان، بعد أن قادها الجيش إلى الوحل خلال العقود الـ 3 الماضية.

وليس لدى نظام "عمر البشير" وجيشه أي سجل جيد لدعم موقف الجيش الحالي، وبالتالي من الخطير أن يظل قادة الانقلاب مسؤولين عن فترة انتقالية مزعومة. وكان لـ"بن عوف" نفسه دورا رئيسيا في صعود "البشير" عام 1989، وظل إلى جانبه منذ ذلك الحين، وانتهى به الأمر نائبا للرئيس ووزيرا للدفاع. وعلى مر العقود، ترأس "البشير" و"بن عوف"، والنخب العسكرية ومؤيديهم في حزب المؤتمر الوطني التابع للرئيس المخلوع، الانهيار التدريجي والبطيء للبلاد، بينما يتمتع "عبدالفتاح البرهان" بسجل محدود نسبيا من حيث الانخراط السياسي ما يجعله أكثر قبولا، ولكنه يبقى جنرالا عسكريا في نهاية المطاف.

ويسيطر على السودان الفساد والمحسوبية، ويعاني اقتصاده بشدة. وقد جندت الخرطوم البلطجية والميليشيات في حملة للتطهير العرقي وانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، وتعرض "البشير" للائحة اتهام من المحكمة الجنائية الدولية. وفي عام 2011، بعد عقود من الحرب الأهلية وتدمير الجنوب، انفصل جنوب السودان، وأنشأ دولة مستقلة. ومنذ عام 2011، مع فقدان العائدات الكبيرة من نفط الجنوب، ترأس "البشير" دولة منهارة اقتصاديا، مما قاد في النهاية إلى مظاهرات واحتجاجات أدت إلى الإطاحة به.

ولا ينبغي فهم رحيل "البشير" عن المشهد باعتباره الدواء الشافي الذي سينقذ السودان من السجل الكئيب للفشل الذي ترأسه. فلم يكن وحده؛ بل كانت الرتب العليا في المؤسسة العسكرية مذنبة بارتكاب مخالفات وخسائر. وسوف تساعد إزاحتهم بشكل جماعي عن مناصبهم في السلطة اليوم على ضمان إمكانية انهيار صروح القمع والفساد والسلطوية. وفي الواقع، كانت العسكرة في السودان عائقا أمام تطور البلاد، ولن يساعدها في التغلب على العديد من العقبات الكثيرة، التي تسبب فيها كبار العسكريين، إلا العودة إلى كوادرها المدنية من السياسيين والخبراء.

المصدر | عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية