معجزة الغجر في جنوب آسيا.. يمشون تحت الماء 13 دقيقة

الأحد 14 أبريل 2019 01:04 م

سمعت طالبة الدراسات العليا في علم الوراثة بجامعة كوبنهاغن "ميليسا إيلاردو"، عن جماعات الباجاو عام 2015، وتساءلت عما إذا كانت قرون من الغوص يمكن أن تؤدي إلى كل هذا التطور في سماتهم الجسمانية مما يسهل عليهم عملية الغوص.

معجزة "الباجاو" الفسيولوجية التي أبهرت "ميليسا"، هي نوع جديد من التكيّف، ليس مع الهواء أو الطعام، بل مع المحيط، إذ تطورت أجسام مجموعة من الأشخاص في جنوب شرق آسيا يعيشون في البحر ليصبحوا غوّاصين أفضل، كما ذكرت دورية Cell العلمية الخميس 19 أبريل/نيسان.

ويعيش "الباجاو Bajau" البالغ تعدادهم مئات الآلاف، ضمن مجتمعات متفرقة في ماليزيا والفلبين، ولديهم تقاليد حياتية بالعيش في بيوت من القوارب، وفي الآونة الأخيرة بَنَوا أيضا بيوتا قائمة على ركائز في المياه الساحلية.

ومع تعمُق العلماء في دراسة جيناتنا يكتشفون حالات للتطور البشري حدثت في بضعة آلاف من السنين الأخيرة، حيث تكيَّف الناس في مرتفعات التبت وإثيوبيا على سبيل المثال مع الحياة على ارتفاعات عالية، كما اكتسب رعاةُ البقر في شرق أفريقيا وشمال أوروبا طفرة تُساعد أطفالهم منذ الولادة على هضم الحليب كما لو كانوا بالغين.

وعادة ما يستطيع الشخص العادي أن يحبس أنفاسه تحت الماء لعدة ثوان، قد يصل البعض إلى عدة دقائق، غير أن جماعات الباجاو يمكنها البقاء تحت الماء 13 دقيقة، في عمق يصل إلى 70 مترا، بحثا عن الطعام وعن مواد يستخدمونها في البيوت والحياة اليومية، وفقا لتقرير نشرته "National Geographic".

المتخصص في علوم الإنسان بجامعة هاواي "رودني سي جوبيلادو"، وعرف جماعات "الباجاو" أثناء نشأته في جزيرة سامال بالفلبين، يقول عنهم: "هم ببساطة غرباء على الأرض".

ويُجري "جوبيلادو" دراسات على الباجاو لكنه لم يُشارك في الدراسة الجديدة، "نحن منبهرون للغاية من قدرتهم على البقاء تحت الماء مدة أطول مما نستطيعه نحن سكان الجزيرة المحليين. لقد تمكنت من رؤيتهم يَسيرون تحت الماء بالمعنى الحرفي للكلمة، وسيلتهم الوحيدة للحماية في زوج من المناظير الخشبية، وهذه معجزة فسيولوجية".

وقررت الباحثة الدنماركية السفر إلى جزيرة سولاويسي في إندونيسيا، ثم إلى جزيرة شعاب مرجانية حيث وصلت إلى قرية الباجاو، وبعد أن قدمت لسكان الباجاو مقترح دراستها وافقوا على الخُطة، ثم عادت إلى الجزيرة في غضون أشهر قليلة، لكنها اصطحبت معها هذه المرة جهازا متنقلا للآشعة بالموجات فوق الصوتية لقياس حجم الطحال لدى الباجاو.

وعندما يغطس الأشخاص في الماء يُظهرون ردة فعل عكسية تسمى "منعكس الغطس"، حيث "تتباطأ ضربات القلب وتنقبض الأوعية الدموية للحفاظ على استمرار تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية، كما ينقبض الطحال كذلك لضخ إمداد من كرات الدم الحمراء الغنية بالأكسجين في الدورة الدورة الدموية".

ولدى كافة الثدييات رد الفعل المعروف بمنعكس الغوص، لكن الثدييات البحرية مثل الفقمة لديها على الأخص منعكس غوص شديد، فقد تبين أن الفقمات التي لديها طحال أكبر حجما تستطيع الغوص لمسافات أعمق.

الطحال الأكبر حجما يعمل كما لو أنه أسطوانة الهواء في جهاز التنفس تحت الماء.

وأجرت "ميليسا" مسحا لبطون أهل قرية الباجاو ثم سافرت نحو 15 ميلا على الجزيرة (نحو 24 كيلومترا) لتصل إلى قرية يقطُنها فلاحون يُعرفون باسم سالوان، وأجرت لأجسادهم مسحا بالأشعة أيضا.

وعندما قارنت "ميليسا" صورة الأشعة الخاصة بسكان القريتين وجدت فرقا مذهلا، إذ كان لدى الباجاو طحال أكبر في المتوسط بنحو 50% من ذلك الخاص بفلاحي سالوان.

وتعتقد ميليسا أنه الباجاو "عاشوا لآلاف السنين في بيوت من القوارب الطافية على الماء، يسافرون بها من مكان إلى آخر في مياه جنوب آسيا. وكانوا نادرا ما يزورون اليابسة، لذلك كان عليهم أن يجدوا كل ما يحتاجون إليه في البحر"، كما قالت الباحثة لبرنامج Inside Science على شبكة BBC.

ووفقا للنتائج التي توصلت لها الطبيبة "ميليسا"، فالأمر المرجح هو أن الباجاو يولدون كذلك بسبب جيناتهم.

كما وجدت أن بعض المغايرات الوراثية أصبحت شائعة على نحو غير مألوف لدى الباجاو.

والطريقة الوحيدة الممكنة لحدوث ذلك هي الانتخاب الطبيعي: أفراد الباجاو الذين يمتلكون هذه المغايرات كان لديهم نسل أكثر ممن يفتقرونها.

وأحد المغايرات الوراثية الذي يؤثر على حجم الطحال لدى الباجاو يسمى PDE10A، والأشخاص الذين لديهم نسخة واحدة من هذا الجين الطافر لديهم طحالٌ أكبر من الذين ليس لديهم هذا الجين، والأشخاص الذين لديهم نسختان منه لديهم طحالٌ أكبر بكثير.

لم يتوصل العلماء إلى دور معين لجين PDE10A في الطحال.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي 2017، اكتشف باحثون روس أن هذا الجين يؤدي دورا في منعَكَس الغوص، ففي أجسام الأشخاص الذين يحملون مغايرات من جين BDKRB2 تتقلص الأوعية الدموية لتكون أضيق عندما يغمرون وجوههم في الماء البارد.

ولمعرفة ما إذا كانت هذه هي حالة تنطبق على الباجاو، فستحتاج "ميليسا" إلى الذهاب في رحلة أخرى إلى جزيرة سولاويسي الخلابة، وتقول: "سأكون سعيدة بفعل ذلك حالَمَا أستطيع فعله".

المصدر | العربي بوست + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية