بشار الأسد.. الصامد الأخير بعد موجة الربيع العربي الجديدة

الأحد 14 أبريل 2019 04:04 ص

إنها الموجة الثانية من الربيع العربي، وإنه واحد من الذين تبقوا.. آخر رجل يقف بين مجموعة من المستبدين العرب، بعد موجة جديدة من الاحتجاجات أدت للإطاحة بالزعيمين الجزائري والسوداني من المناصب التي شغلوها لعقود.

لقد نجا رئيس النظام السوري "بشار الأسد" من انتفاضة وحرب مدمرة استمرت لسنوات و"خلافة" إسلامية نشأت على أجزاء من بلده المحطم، ومع دخول النزاع السوري عامه التاسع، يبدو الزعيم البالغ من العمر 53 عاما أكثر أمانا وثقة من أي وقت منذ بدء التمرد ضد حكمه في عام 2011.

ولكن الحرب السورية لم تنته بعد، والطريق إلى الأمام مليء بالصعوبات.

إنه الربيع العربي الثاني، وهو مصطلح أطلق بعد الإطاحة المتعاقبة بالرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" بعد عقدين من الحكم والزعيم السوداني "عمر البشير" بعد 3 عقود من الحكم، بعد موجة الاحتجاجات التي هزت الشرق الأوسط عام 2011 وتسببت فى الإطاحة بمستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن.

تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بصور الزعماء في مؤتمرات القمة العربية السابقة، مشيرين إلى أن جميعهم تقريبا تم عزلهم الآن باستثناء "الأسد"، وأشار البعض إلى أنه من المفارقات أن آخر رحلة قام بها "البشير" خارج السودان في ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت إلى دمشق، حيث التقى "الأسد".

فى معظم دول الربيع العربي، تمت إزالة الرؤوس التي كانت تصدر الأوامر، ولكن النخبة الحاكمة ظلت فى الخلف أو لم تتم محاكمتها بسبب الفوضى.

فى سوريا، قبض "الأسد" ودائرته الداخلية بإحكام على السلطة، وتدبرت النخبة الحاكمة أمرها للنجاة من 8 سنوات مليئة بالدم والفوضى، وهذه المرونة قد تبقي "الأسد" فى السلطة لسنوات حتى مع وجود تحديات أخرى، بما في ذلك الاقتصاد المتدهور بسرعة والتمرد المستمر في الشمال الغربي.

 قوة "الأسد" المتبقية

نجا "الأسد" من العديد من الظروف الفريدة.. إن حكمه يعتمد على الأقلية، وقد استفاد من دعم وولاء طائفته العلوية، التي تخشى على مستقبلها في حال خلعه.

هذا الدعم امتد بجانب قاعدته إلى أقليات أخرى فى سوريا وأغلبية من السُنة الذين يرون "الأسد" حصن الاستقرار فى وجه الإسلام المتطرف.

وبالرغم من الانشقاقات التي حدثت فى بداية الصراع، لم تظهر الأجهزة الأمنية والعسكرية تشققات كبيرة، ونمت الميليشيات الموالية للنظام وأصبحت قوة خاصة له.

حتى عندما سقطت أجزاء شاسعة من بلده عن سيطرته أو تحولت إلى حقول قتل، حافظ "الأسد" على نظامه الأساسي.

ولعل أكبر رصيد لـ"الأسد" هو مكانة سوريا باعتبارها محورا جغرافيا على البحر المتوسط وفي قلب العالم العربي، ما أدى إلى اجتذاب تدخلات أجنبية، خاصة من روسيا وإيران، التي دعمت مساعدتها السياسية والعسكرية "الأسد"، وقلبت مجرى الحرب لصالحه.

هذا الدعم القوي من الأصدقاء الأقوياء هو تناقض حاد مع الرد المشوش من جانب الإدارة الأمريكية، ولم يستفد شيء من القادة العرب الآخرين في نضالهم ضد خصومهم.

هل هو خارج الغابة تماما؟

يبدو أن "الأسد" آمن حتى الآن، فبفضل مساعدة روسيا وإيران، استعاد "الأسد" السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، ويبدو أن العالم وافق على استكمال حكمه، على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021.

وقد أعادت الدول الخليجية افتتاح سفاراتها بعد سنوات من المقاطعة، وزارت وفود من العراق ولبنان والأردن "الأسد" خلال الشهور الأخيرة، وناقشوا إعادة التجارة، وإعادة الاتفاقيات التجارية وإطلاق سراح المعتقلين.

وبالرغم من أن الجامعة العربية قالت إن الوقت ليس مناسبا لإعادة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن الموضوع تمت مناقشته خلال الاجتماع السنوي للمرة الأولى منذ أن فقدت سوريا مقعدها منذ 8 سنوات.

ما سيحدث بعد ذلك يعتمد على قدرة "الأسد" على تغطية الاستياء المتزايد مع تدهور مستويات المعيشة، وما إذا كان قادرا على الحفاظ على دعم روسيا وإيران.

فوضى اقتصادية

أصبح الاقتصاد السوري معضلة كبرى بعد سنوات من الحرب والعقوبات الأمريكية، فخزائن الدولة تترنح بسبب قلة الموارد، والأمم المتحدة تقول إن 8 من أصل 10 أشخاص فى سوريا يعيشون تحت خط الفقر.

وتفشى نقص الغاز والوقود فى دمشق واللاذقية وحلب هذا الشتاء، وعقدت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مسابقات حول المدينة التي لديها أطول خطوط في محطات الوقود، مما اضطر إلى مناقشة القضية في البرلمان.

هذا الأسبوع، فرضت الحكومة تقنين الغاز، وفرضت على سائقي السيارات تعبئة 20 لترا كل 48 ساعة.

وتفاقمت الأزمة عندما انتشرت التقارير حول ارتفاع وشيك في الأسعار، مما دفع طوابير من مئات السيارات إلى الاصطفاف لأميال خارج محطات الوقود، فيما نفى وزير النفط "علي غانم" خطط رفع الأسعار، محذرا مما سماه "حرب الشائعات".

وقد أدى عدم قدرة الحكومة على مواجهة الاحتياجات المتزايدة إلى إثارة النقد والغضب حتى بين القاعدة الداعمة لـ"الأسد"، ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤدي الاستياء إلى موجة أخرى من الاحتجاجات، فمعظم السوريين الآن سيواجهون أي شيء لتجنب الانزلاق مرة أخرى إلى العنف.

ومع ذلك، تصف الأمم المتحدة مستوى الحاجة في البلاد بأنه "كبير"، حيث يحتاج 11.7 ملايين سوري إلى المساعدة، وهو ما يمثل نحو 65% من تعداد السكان البالغ 18 مليون نسمة والذين ما زالوا في البلاد، حيث فر أكثر من 5 ملايين آخرين إلى الخارج أثناء الحرب.

هل اكتملت الدائرة؟

عادت المظاهرات التي تذكرنا بالسنوات الأولى للصراع إلى الظهور، ففي درعا، حيث بدأت الثورة، خرج المئات إلى الشوارع مؤخرا بسبب خطة الحكومة لإقامة تمثال للرئيس الراحل "حافظ الأسد".

وحدثت احتجاجات أخرى في بعض مناطق المعارضة السابقة التي استولت عليها الحكومة بعد أن تحركت السلطات لفرض التجنيد العسكري هناك على الرغم من الوعود بالتأجيل.

ولا يزال يتم الإبلاغ عن عمليات الاعتقال والاحتجاز في المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها، مما زاد من المخاوف من أن ما يسمى بصفقات المصالحة بين السلطات وسكان مناطق المعارضة السابقة ليست سوى واجهات لاستمرار القمع والاستبداد.

ففي الغوطة الشرقية، التي استعاد النظام السيطرة عليها العام الماضي بعد الحصار، اعتقلت قوات النظام زعماء الاحتجاج السابقين والجماعات المناهضة للنظام على الرغم من صفقات المصالحة، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وعسكريا، أغلقت هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" الشهر الماضي فصلا وحشيا من الحرب ولكنها فتحت الباب أمام مجموعة من النزاعات المحتملة الأخرى، حيث تمهد هزيمة التنظيم الطريق أمام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لبدء سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ومن المتوقع أن يؤدي الانسحاب إلى بدء سباق لملء الفراغ.

ويتم التركيز أيضا على إدلب، آخر معقل للمعارضة في سوريا حيث يعيش ما يقدر بنحو 3 ملايين شخص، والتي تقع تحت سيطرة من يصفهم النظام بـ"المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة".

المصدر | أسوشييتد برس

  كلمات مفتاحية