أسامة جاويش يكتب عن لعبة القط والفأر بفضاء مصر الإلكتروني

الثلاثاء 16 أبريل 2019 04:04 ص

"لا أحد يصدق أن الاستفتاء سيكون نزيها"..

هكذا  تناول الإعلامي المصري "أسامة جاويش" استفتاء تعديل الدستور الذي يعتزم نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي" إطلاقه، بما يضمن مد فترة رئاسته، والسماح له بولاية جديدة، في مقال نشره بصحيفة "الغارديان" البريطانية.

وذكر "جاويش"، في المقال، أن عددا من المؤشرات تؤكد أن "السيسي" يشعر بقلق شديد بينما يراقب العالم بمهابة واندهاش الثورة السلمية التي تأذن بتغيير يجري في السودان، وهو ما يظهر جليا في إغلاقه للمواقع الإلكترونية المعارضة، لاسيما موقع حملة "باطل" للتصويت برفض التعديلات الدستورية، وفقا لما ترجمه موقع "عربي 21".

وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها باتت تسمح للناشطين بمساحة للتعبير عن آرائهم بحرية بعيدا عن قمع السلطة للحريات، ما سيجعل محاولة النظام المصري لإفشال حملة "باطل" مهمة صعبة.

وأكد الإعلامي المصري المعارض أن الرافضين لحكم "السيسي" داخل وخارج مصر سيواصلون رفع أصواتهم ضد تعديلاته الدستورية ولن يصمتوا على عسكرة المجال العام من خلالها.

 

وفيما يلي نص المقال:

بينما يراقب العالم بمهابة واندهاش الثورة السلمية التي تأذن بتغير يجري في السودان، من الواضح أن الرئيس "السيسي" في مصر، الجارة الشمالية للسودان، يشعر بقلق شديد.

ففي اليوم ذاته الذي وصلت فيها الاحتجاجات في الخرطوم ذروتها، قام نفر منا، نحن معشر المعارضين لحكم "السيسي" الاستبدادي، بإطلاق عريضة عبر الإنترنت للإعلان بأن أي نتيجة يتمخض عنها استفتاء الثلاثاء حول التعديلات الدستورية المقترحة ستكون "باطلة".

يوجد من بين التعديلات التي يسعى "السيسي" لفرضها على الشعب المصري مادة يمكن أن تسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2030.

كما أن من شأن التعديلات أيضا أن تزيد من إحكام قبضة العسكر على مقاليد الأمور، لأنهم سيمنحون بموجبها سلطات تخولهم بالرقابة على المجال السياسي في مصر، كما تمنح التعديلات "السيسي" صلاحية التحكم بتعيين القضاة والنائب العام.

من المفترض أن يصوت الناس على هذه التعديلات في استفتاء عام، ولكن لا يوجد من يصدق بأن هذه العملية ستكون حرة أو نزيهة.

يتوق "السيسي" للبقاء في السلطة مدة أطول، ولهذا السبب قررنا إطلاق استفتاء "ظل" لنعبر من خلاله عن الإرادة الحقيقية للشعب المصري.

وكما هو معهود من "السيسي"، فقد تم حظر الموقع الإلكتروني للحملة في مصر بعد أن وصل عدد التوقيعات إلى 60 ألف توقيع خلال الساعات القليلة الأولى من إطلاق الموقع.

بعد ذلك تم تحويل التصويت إلى تطبيق "تليغرام" للرسائل المشفرة، لكن فريق "السيسي" تمكن من حظر الدخول إليه أيضا، ما قاد إلى فتح صفحة أخرى.

وغدا الأمر الآن بمثابة لعبة القط والفأر ما بين حظر المواقع وإعادة فتح مواقع بديلة، حتى تجاوز عدد التوقيعات الآن ربع مليون توقيع دون أن تفلح الحكومة المصرية بكل ما أوتيت من قوة في إسكات الإرادة الحقيقية للشعب.

وكانت موجة غضب أخرى قد غمرت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية قبل أسابيع قليلة فقط من خلال وسم "إنت مش لوحدك"، التي بدأها "معتز مطر"، الإعلامي المصري المعارض الذي يعمل في قناة الشرق الفضائية التي تبث من تركيا، والذي دعا الناس إلى التغريد بوسم (#اطمن_إنت_مش_لوحدك).

ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى فاضت المواقع به وأصبح الوسم الأكثر تغريدا في مصر والجزائر وقطر والأردن.

انضم الناس من مختلف التوجهات إلى الحملة، من زعماء المعارضة وإعلامييها إلى السياسيين الأجانب، إلى عامة الناس، ما دفع نظام "السيسي" إلى الرد بعنف شديد مستهدفا المشاركين في الحملة.

وما كان من البرلمان إلا أن أصدر تعديلا جديدا يضاف إلى القوانين الجائرة الخاصة بمحاربة الإرهاب، حيث أعلن أن عقوبة السجن على نشر أي فكرة "متطرفة" عبر الإنترنت أو التحريض على القيام بأعمال معادية للدولة، ستزيد من 5 إلى 10  سنوات.

لكن تجدر الإشارة إلى أن حرب "السيسي" على الإنترنت بدأت قبل زمن طويل من إطلاق حملتي "باطل" و"اطمن إنت مش لوحدك".

فمنذ ما قبل الثورة، وتحديدا في عام 2010، عندما كان "السيسي" مديرا للمخابرات الحربية، قال في ندوة نظمها الجيش المصري إن "مواقع التواصل الاجتماعي سيكون لها تأثير خطير على مصر وعلى المنطقة"، ولما سنحت له الفرصة لم يتأخر في القيام بما يلزم من وجهة نظره.

ففي عام 2014، وقبل الانتخابات الرئاسية التي نظمت بعد الانقلاب العسكري، دفعت الإمارات العربية المتحدة 10 ملايين يورو لشراء برنامج تجسس من شركة فرنسية اسمها "نيكسا" للتقنيات، ومنحته لمصر حتى تتمكن من مراقبة ورصد واختراق حسابات خصومها في السوشال ميديا.

وبعد ذلك بوقت قصير ألقي القبض على عدد ضخم من ناشطي المعارضة المصرية.

وفي شهر مايو/أيار من السنة الماضية، أعلن "السيسي" بغضب أن "جميع أولئك الذين يعارضون مصر عبر القنوات التليفزيونية التي تبث من الخارج، أقسم أنهم سيعاقبون"، وكان بذلك يصدر تهديدا صريحا إلى جميع الصحفيين والناشطين العاملين في القنوات التليفزيونية التي تبث من الخارج، بما فيهم أنا شخصيا.

وبدأ بعد تهديده ذلك يفرض قيودا أشد صرامة على كل ما ينشر عبر الإنترنت، وباتت حسابات السوشال ميديا المملوكة للناشطين عرضة للرصد والمراقبة والمتابعة، وألقي القبض على الكثيرين منهم، مثل "وائل عباس"، المدون الشهير، ووجهت لهم تهم بنشر "الشائعات" وإهانة الرئيس أو نشر ما يؤدي إلى خلق مناخ من التشاؤم في مصر.

ونشرت منظمة العفو الدولية تقريرا في السادس من مارس/آذار ورد فيه أن مصر استهدفت العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان بهجمات عبر الإنترنت، وأن هذه الهجمات وقعت في الفترة ما بين الثالث عشر والثامن عشر من يناير/كانون الثاني، ثم ازدادت وتيرتها بشكل كبير في التاسع والعشرين من نفس الشهر، الذي صادف انعقاد اجتماع بين ناشطين في المعارضة والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".

في هذه الأثناء يتنامى الغضب تجاه ما تمارسه السلطات المصرية من قمع وتنكيل، بل لقد أحال تزايد عدد المعتقلين من الناشطين السياسيين وسائل التواصل الاجتماعي إلى ملاذ مفضل، أكثر من أي وقت مضى، لدى المصريين، خاصة في أوساط المعارضين منهم.

وأيا كان ما يسعى لتحقيقه "السيسي" ونظامه من خلال تقييد اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فالواضح أن استهداف الناشطين وحتى تغيير الدستور يؤديان إلى عكس ما هو مرجو منهما.

فقد غدت السوشال ميديا أكثر نشاطا من أي وقت مضى، وحظر المواقع يجعل الناس أكثر شغفا بالوصول إليها، واستهداف مواقع شبكات التواصل الاجتماعي يشجع مستخدميها على إبداع وسائل أكثر عبقرية وأكثر فعالية لخدمة قضاياهم، واعتقال الناشطين يحفز أصدقاءهم لا محالة على التغريد والتدوين عنهم وعن أوضاعهم.

أتساءل في بعض الأحيان ما إذا كان "السيسي" ونظامه يدركان أننا نعيش في العام 2019، ومهما حاولوا، سنبحث باستمرار عن وسائل جديدة للتعبير عن سخطنا سواء كان ذلك في الشارع أو عبر الإنترنت، وفي المحصلة، لن يتمكن من إسكاتنا.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية