جيوبوليتيكال فيوتشرز: أهلا بكم في زمان نتنياهو

الثلاثاء 16 أبريل 2019 08:04 ص

منذ تأسيسها عام 1948، كانت (إسرائيل) عنوانا للتناقض. وثقافيا، تشترك (إسرائيل) في الكثير مع الولايات المتحدة. وهي بلد شاب يستوعب باستمرار المهاجرين الجدد المتنوعين في جسده السياسي. ومن الناحية السياسية، تشترك (إسرائيل) في قيم أكثر مع الدول الأوروبية. فلديها نظام برلماني يضم مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية التي تنطوي على تبادل سياسي دائم وغريب أحيانا. ومن الناحية الدينية، تشترك (إسرائيل) في الكثير من الأشياء مع جيرانها المسلمين. وهي تكافح لإيجاد التوازن الصحيح بين هويتها الدينية والمثل العليا السياسية. هذه هي الدولة التي يبدو أن "بنيامين نتنياهو" في طريقه لقيادتها في فترة رئاسية خامسة كأطول مدة لرئيس وزراء في التاريخ الإسرائيلي الحديث.

تأسيس (إسرائيل)

كان الرجال والنساء الذين أسسوا دولة (إسرائيل) لاجئين مثاليين. وكانت الصهيونية تعبر عن القومية اليهودية، وهي حركة لها نفس جذور الحملات القومية في جميع أنحاء أوروبا في القرن التاسع عشر. وكانت مشكلة اليهود الأوروبيين هي أن موطن الأجداد الذي قرروا المطالبة به لم يكن في أوروبا، بل في الشرق الأوسط، في ملكية عثمانية تسمى "فلسطين". وكان بعض الصهاينة يعتقد في إمكانية إقامة دولة يهودية في أي مكان، حتى في أوغندا البريطانية، ولكن فقط لأجل استعادة الأرض التي تم تسميتها في الكتاب المقدس باسم (إسرائيل)، التي كان يهود عاصمتها يسمونها "زيون"، أو صهيون، استولت فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين على قلوب وعقول الشعب اليهودي.

ولم تتضمن موجات الهجرة الأولى إلى فلسطين سوى جزء صغير من يهود العالم. وتوافد بعض اليهود الأوروبيين على الأرض، حيث قاموا بشراء قطع الأراضي من البائعين العثمانيين، ولكن الغالبية الساحقة اختارت البقاء في أوروبا، حيث كانوا يعيشون منذ أجيال. وأراد اليهود الفرنسيين أن يظلوا فرنسيين. وأراد اليهود الألمان أن يكونوا ألمانيين. وأراد اليهود المجريين أن يبقوا مجريين. وكانت تلك المراكز الكبرى للثقافة اليهودية في القرنين الـ 18 وأوائل القرن الـ19، على الرغم من ظهور شكل جديد من المشاعر المعادية لليهود أطلق غليه "معاداة السامية" في ألمانيا، في نهاية القرن الـ19. وفي الغرب، كان اليهود تجارا ومصرفيين وأطباء انخرطوا وذابوا بين مجتمعاتهم. وفي الشرق، كانت هناك بلدات بأكملها ذات أغلبية يهودية، حيث اتبعت الحياة إيقاعات التقويم الديني اليهودي.

وأنهت الحرب العالمية الثانية كل ذلك. ولا يزال الكثيرون يعتقدون أن ألمانيا النازية فشلت في إبادة اليهود تماما، مثلما حدث الآشوريين والبابليين واليونانيين والفرس والرومان. لكن هذا ليس صحيحا تماما، فقد نجحت ألمانيا النازية في تدمير يهود أوروبا. ولا تزال هناك جيوب صغيرة من اليهود الأوروبيين من اليسار، ولكن حتى هؤلاء بدأوا في مغادرة أوروبا، كما يتضح من الموجة الأخيرة للهجرة اليهودية الفرنسية إلى (إسرائيل). وكان تأسيس (إسرائيل) ممكنا فقط بسبب تدمير يهود أوروبا. وقد كان قتل "هتلر" لليهود الأوروبيين هو ما مكن من خلق الكتلة الحرجة الضرورية لتدفق اليهود ونشوء (إسرائيل) كدولة ديمقراطية يهودية.

وكانت العقود الأولى من وجود (إسرائيل)، كليئة بالتهديدات الوجودية. وكان هناك صراع داخلي بين الفصائل اليهودية، والذي يظهر رمزيا في إغراق قوات الدفاع الإسرائيلية الوليدة لسفينة تدعى "ألتينا" كانت تسلم أسلحة إلى ميليشيا يهودية منافسة تدعى "إرجون". لكن (إسرائيل) واجهت مشاكل أكبر في حلها من الخلافات الداخلية. فقد كانت محاطة بالأعداء الأقوياء. وقد بذل "ديفيد بن غوريون"، و"جورج واشنطن"، كل ما في وسعهما لتوحيد الأمة الناشئة معا. وقد كانت أمة "بن غوريون" أمة علمانية في ذلك الوقت، لذا فقد عقد صفقة مع اليهود المتدينين أن بإمكانهم السيطرة على المناصب الدينية إذا دعموا الحكومة. واعتقد "بن غوريون" أن الدافع الديني سيموت مع مرور الوقت، وأن الصهيونية القومية هي الغراء الذي يربط شعبه. لكن "بن غوريون" كان على خطأ. فقد أصبحت (إسرائيل) أقل علمانية على نحو متزايد في العقود اللاحقة، لدرجة أن أي زعيم إسرائيلي محتمل الآن يجب أن يختار بين التحتالف مع الأحزاب العربية الإسرائيلية أو الأحزاب الدينية اليهودية. وبالنظر إلى أنه لم تتضمن أي حكومة ائتلافية إسرائيلية أي حزب عربي، ومن المحتمل ألا يحدث ذلك في أي وقت قريب، فإن هذا يمنح رجلا مثل "بنيامين نتنياهو" ميزة كبيرة في أي حملة انتخابية.

معضلة إقليمية

وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، تكافح الدول لإيجاد التوازن الصحيح بين هويتها الدينية وهويتها الوطنية. وقد جربت مصر لفترة وجيزة حكم "الإخوان المسلمون"، قبل أن يتدخل الجيش المصري ليعيد تأكيد السيطرة العلمانية على الحكومة. وفي المملكة العربية السعودية، يبني ولي العهد الشاب دور السينما، ويسمح للنساء بقيادة السيارات للمرة الأولى، في الوقت الذي يحاول فيه الحفاظ على السيطرة على الفصائل الأكثر محافظة وتقليدية في الدولة الوهابية. وتحاول تركيا، التي تعد أرضا موالية للعلمانية أكثر من أي بلد في المنطقة، تحقيق التوازن بين الأمة التركية وقيادة العالم المسلم السني، وبين إسطنبول وأنقرة، وبين "أتاتورك" والخلافة. وقد أدت ثورة 1979 الإيرانية إلى تأسيس الجمهورية الإسلامية، ولكن حتى الآن، هناك توتر بين المتشددين والبراغماتيين. ودعم الرئيس الإيراني الحالي ضمنيا عدم إجبار النساء على ارتداء الحجاب، ما أغضب العناصر الأكثر محافظة في المؤسسة السياسية، وخاصة الحرس الثوري الإسلامي.

وتواجه (إسرائيل) نفس المعضلة الداخلية. فمن المفترض أن تكون (إسرائيل) دولة ديمقراطية ودولة يهودية معا. والمشكلة هي أنه، مع تحول التركيبة السكانية لها منذ عام 1948، ليس من الواضح أنها يمكن أن تكون كلاهما معا. وهنا، تتضح كيفية تأمين "نتنياهو" لمكانه كزعيم (إسرائيل) الأطول بقاء في المنصب. ويهتم "نتنياهو" بـ(إسرائيل) كدولة يهودية أكثر من أي شيء آخر. ويرى إيران وحزب الله وحماس تهديدات وجودية. ويرى الضفة الغربية كجزء من دولة قومية يهودية. ويعتقد أن من واجب الحكومة الإسرائيلية أن تضمن أن (إسرائيل) ستبقى مكانا يهوديا.

ومثل هذه المواقف هي التي تمنح "نتنياهو" مثل هذه القوة. فعلى الرغم من اتهامات الفساد والفضائح والمراوغة التي ينظر بها اليسار السياسي الإسرائيلي إلى سياسته، وتوافقه مع القوميين والأصوليين الدينيين، إلا أن "نتنياهو" احتفط بمقعده كرئيس للوزراء. وهناك علاقة عميقة بين "نتنياهو" وجزء كبير من الناخبين الإسرائيليين، هذا الناخب القلق بشأن صواريخ غزة التي تضرب تل أبيب، والأنفاق تحت الأرض التي يمكن استخدامها لمهاجمة الإسرائيليين في الشمال، والنظام الإيراني الذي يهدد باستمرار بإبادة (إسرائيل). وتجدي الديمقراطية الليبرالية عندما يكون لدى المجتمع رؤية مشتركة لما يفترض أن تحميه حكومته، لكن المجتمع الإسرائيلي ليس لديه رؤية من هذا القبيل، فهو مكون من العرب المسلمين والعرب المسيحيين والدروز واليهود العلمانيين واليهود المتدينين القوميين واليهود الأرثوذكس، ومجموعة من الفصائل الأخرى الأصغر.

ويوفر "نتنياهو" رؤية تشتد الحاجة إليها في (إسرائيل). حيث يضمن أن تكون (إسرائيل) دولة يهودية وهو يرى أن الغاية تبرر الوسيلة. وفي الوقت الذي يفتقر فيه الاقتصاد العالمي لليقين، ويموج فيه الشرق الأوسط بالاضطرابات، يوفر "نتنياهو" لشعبه الوضوح. لقد كان التصويت لصالحه تصويتا للتأكد من عدم وجود محرقة ثانية. فلقد جربت (إسرائيل) المثالية والسلام، ولكن حان الوقت الآن لتقارب الصفوف، ولتأمين الوطن اليهودي، ولصقل الأبواب أمام العواصف القادمة، أو على الأقل هكذا يفكر الناخبون.

فماذا يعني إذن كل هذا؟ على الرغم من سرد وسائل الإعلام على عكس ذلك، يتعاطف غالبية الإسرائيليين مع "نتنياهو" أو مع أحزاب مماثلة عقائديا لحزبه ستنضم في النهاية إلى ائتلاف يقوده "نتنياهو". ويعني هذا أن الحكومة الإسرائيلية ستكون عدوانية في الدفاع عن مصالحها في العالم وفي الشرق الأوسط وفي الداخل. ويعني هذا أن (إسرائيل) ستبقى دولة يهودية قبل كل شيء. وسوف تنهار أحلام المثاليين الذين استقروا في فلسطين قبل فترة طويلة وأملوا فب ناء دولة ديمقراطية. لكن "بنيامين نتنياهو" هو الزعيم الذي اختاره الإسرائيليون للعالم الذي يعيشون فيه بالفعل اليوم، وليس العالم الذي حلموا بالعيش فيه.
 

  • المقال المنشور يعبر عن رأي كاتبه

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية