ما يحدث في مصر.. اشتباكات مسلحة أم إعدامات ميدانية؟

الأربعاء 17 أبريل 2019 09:04 ص

نشرت وزارة الداخلية المصرية في 11 أبريل/نيسان الجاري على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" بيانًا مألوفًا جاء فيه: "تبادلت قوات الأمن إطلاق النار مع خلية إرهابي في مدينة العريش شمال سيناء، ما أسفر عن مقتل 11 شخصًا".

وفي نفس اليوم، أعلنت وزارة الداخلية عن غارة "استباقية" أسفرت عن مقتل 6 من "الإخوان الإرهابيين" في محافظة القليوبية بدلتا النيل.

ولم يسبق أن ذكر أي من تقارير الوزارة حول الاشتباكات المزعومة مع المسلحين أن "الإرهابيين" أصيبوا أو أُسروا أو فروا، ودائما ما كان يتم الإعلان عن قتلهم.

كما لا تشير البيانات أبدا إلى وجود إصابات بين الضباط في هذه العمليات.

ودائما ما تتجاهل التقارير أسماء القتلى في الوقت الذي تشير فيه مصادرة عدد صغير نسبيًا من الأسلحة والأجهزة المتفجرة اليدوية.

نمط متكرر

تبدو هذه الحوادث متكررة وفق نمط واضح في بيانات وزارة الداخلية المصرية.

وقبل أسبوع، نشرت "رويترز" تحليلًا مطولًا لـ 108 من الاشتباكات التي أعلن عنها مسؤولون مصريون خلال 3 سنوات ونصف العام بين يوليو/تموز 2015 ونهاية عام 2018.

وشملت هذه الحوادث 471 رجلاً، نجا 6 منهم فقط وقتل الباقون بنسبة 98.7%، وقد قتل 5 من ضباط الأمن في هذه الحوادث، وجرح 37.

وقد ركز تقرير "رويترز" على 11 قتلوا في حادثة مزعومة لإطلاق النار، لكن خبراء الطب الشرعي الذين شاهدوا صور القتلى قالوا إنه من غير المرجح أن تحدث الوفيات في تبادل إطلاق النار، كما ادعت السلطات.

ودرس أخصائي علم الأمراض المشهورة "ديريك باوندر" قضية "زكريا محمود"، الذي زعمت السلطات أنه "إرهابي هارب" وأنه قُتل في تبادل لإطلاق النار في 15 يوليو/تموز 2017، وخلص إلى "سيناريو أكثر ترجيحًا هو أن الضحية كان راكعًا بينما يقف الرامي على مقربة منه.

وزعمت الداخلية أن شخصا آخر "سهيل أحمد" قتل في "تبادل إطلاق النار" نفسه، لكن المراحل المختلفة من التحلل للجثتين أشارت إلى وجود فارق زمني يقدر بـ48 ساعة بين الواقعتين.

ووفقا لتحقيقات "رويترز"، فإن معظم القتلى كانوا في العشرينات من العمر، وقالت بيانات وزارة الداخلية، التي غالباً ما أعقبت هجمات الإسلاميين المسلحين، إن 320 من القتلى كانوا "إرهابيين" و28 كانوا "مجرمين أو تجار مخدرات".

ولم تتضمن البيانات، التي شمل بعضها صورا مزعومة لمسرح الجريمة، أسماء 302 شخص من بين 465 شخصا قتلوا.

وبدلاً من توفير مواقع دقيقة، قالت "رويترز" في كثير من الحالات إن الاشتباكات المزعومة "وقعت في مناطق صحراوية أو جبلية نائية".

وقام "باوندر"، أخصائي الطب الشرعي، بفحص 20 صورة من الصور وأشار إلى وجود علامات دم وسحب في الرمال تشير إلى أن الجثث تم نقلها بعد القتل "ورجح أن اثنين من الرجال قد أصيبوا بالرصاص بينما كانوا في وضع الركوع".

ويظهر مقتل "خالد إمام" البالغ من العمر 37 عامًا، الموثق في تقرير "رويترز"، نمطًا آخر، وقالت وزارة الداخلية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017 إن قواتها قتلته واثنين آخرين في تبادل لإطلاق النار، لكنه، وفقاً لعائلته، كان قد "خُطف من الشارع" في يونيو/حزيران - أي قبل مقتله بأشهر - على أيدي رجال ملثمين، وقال قريب له إنه وجده في المشرحة وعلى جسده علامات تعذيب متعددة.

متسلسلة القتل

يشبه مقتل "خالد إمام" حوادث أخرى، غير مدرجة في تقرير "رويترز"، حيث تم في الواقع القبض على عشرات الأشخاص وإخفاؤهم قسريا لينتهي بهم المطاف قتلى بعد تبادلات إطلاق نار مزعومة مع قوات الأمن.

وذكرت وزارة الداخلية في 13 يناير/كانون الثاني 2017 بعد 4 أيام من هجمات على نقطتي تفتيش للشرطة في العريش أسفرت عن مقتل 8 من رجال الشرطة، أن قوات الأمن، بعد تعرضها لإطلاق النار من مقاتلي الدولة الإسلامية في مبنى مهجور في العريش، ردت بإطلاق النار وقتل جميع من كانوا بداخل المبنى.

وفي مقطع فيديو تم تحريره بدقة ونشرته الوزارة على فيسبوك في نفس اليوم، اقترب عدد من الكوماندوز من المبنى الذي كان يحتوي على 6 جثث لرجال يرتدون ملابس مدنية في غرف مختلفة مع الأسلحة وبرك الدماء وآثار الرصاص على الجدران.

وقال أقارب 3 من الرجال الذين قُتلوا في الحادثة لـ"هيومن رايتس ووتش" إنهم قُبض عليهم في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل أشهر من الواقعة، وأظهروا إيصالات برقيات أرسلوها في ذلك الوقت إلى السلطات تستفسر عن مكانهم.

وقال محام وعضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الرسمي إن أسماء بعض القتلى كانت مدرجة في قائمة سبق أن تم تسليمها إلى لجنة العفو الرئاسي.

وأعرب الخبراء العسكريون الذين راجعوا الفيديو بناء على طلب "هيومن رايتس ووتش" عن شكوكهم في أصالته، مشيرين إلى أن قوات الكوماندوز لم تتصرف كما لو كانت تحت التهديد، ولاحظ خبير في الطب الشرعي أن جثة واحدة على الأقل تم نقلها قبل تصوير الفيديو.

وقال أقارب العديد من الضحايا إنهم رأوا جثثهم في المشرحة، ويبدو أن الضحايا قد أُصيبوا بالرصاص في الرأس، وكانت الجثث تحمل علامات الصدمات الكهربائية وحروق السجائر، وذكر أقارب ضحيتين أن معتقلين سابقين اتصلوا بهم وقالوا إنهم شاهدوا ذويهم في قسم الأمن الوطني بمقر وزارة الداخلية في العريش.

ولا تسمح السلطات المصرية بوصول المراقبين المستقلين إلى سيناء، وقد حاكمت وسجنت الصحفيين المصريين الذين كتبوا عن النزاع هناك.

وفي أبريل/نيسان 2017، نشرت "هيومن رايتس ووتش" تحقيقًا في حادثة منفصلة في شمال سيناء قامت خلالها قوات الجيش بإعدام 8 أشخاص غير مسلحين كانوا رهن الاحتجاز بالفعل.

وأظهر شريط فيديو بثته قناة تليفزيونية مقرها تركيا رجلاً، تم التعرف عليه بشكل منفصل على أنه قائد ميليشيا محلية تعمل عن كثب مع الجيش المصري، قام بإعدام الشقيقين "داود صبري العوابدة"، 16 عاماً، و"عبدالهادي صبري العوابدة"، 19 عاما، ببندقية هجومية.

ويُظهر الفيديو نفسه 8 جثث على الأرض بالإضافة إلى سيارات همفي التي زودتها الولايات المتحدة إلى الجيش المصري، وقد شوهد ضابط مخابرات مصري وهو يراقب عملية الإعدام الميداني.

وتم إلقاء القبض على الأخوين "العوابدة" في منتصف يوليو/تموز 2016، قبل أن يختفيا قسريا لعدة أشهر.

ولم يعرف تاريخ مقطع الفيديو السابق الإشارة إليه، لكن مقطعا آخر تم نشره على صفحة "فيسبوك" مؤيدة للحكومة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 يوضح ما يبدو أنها نفس هيئات القتلى الثمانية السابقين، فضلاً عن مبنى يشبه المبنى الموجود في فيديو الإعدام.

وأظهر المقطع الأخير 6 جنود يقفون بجانب الجثث يدور بينهم حوار حول الانتقام لقتلى الجيش في سيناء.

وأظهرت صورة مصاحبة لبيان حكومي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2016 اثنتين من الجثث التي شوهدت في فيديو الإعدام، وفي ذلك البيان، وصف متحدث باسم الجيش العملية بأنها تمت بواسطة قوات إنفاذ القانون التي "شددت قبضتها الأمنية في مناطق مكافحة الأنشطة الإرهابية في شمال سيناء، حيث تمكنت من القضاء على 8 عناصر إرهابية مسلحة في تبادلات لإطلاق النار".

المصدر | جو ستورك - لوبيلوغ

  كلمات مفتاحية