ستراتفور: حفتر يضع ليبيا على شفا حرب مفتوحة مجددا

الخميس 18 أبريل 2019 06:04 ص

تتأرجح ليبيا مرة أخرى على حافة الحرب الأهلية الشاملة.

وفي 4 أبريل/نيسان الجاري، شن الجنرال "خليفة حفتر" وجيشه هجوما على طرابلس، ومن المحتمل أن يكون ذلك بمثابة حيلة لكسب موقع أفضل في صراعه مع حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا.

لكن يبدو أن "حفتر" قد قلل من شأن عدوه، حيث قوبل هجومه بسرعة بمقاومة شرسة وموحدة.

منذ ذلك الحين، استولى قائد القوات الجنوبية التابعة لحكومة الوفاق على سبها في منطقة فزان، مستفيدا من انخفاض تواجد القوات التابعة لـ"حفتر" هناك بعد اندلاع القتال في طرابلس.

وفي الوقت نفسه، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" بالفعل عن تنفيذ هجومين، في 9 و11 أبريل/نيسان، في وسط ليبيا.

ودخلت ليبيا في جولة أخرى من الصراع العنيف بين حكومة الوفاق الوطني، المدعومة دوليا، وما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي".

ويجدد القتال الأسئلة حول استمرار عملية وقف إطلاق النار الذي ظل ساري المفعول إلى حد كبير على مدى السنوات الأربع الماضية، مما يثير مسألة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى تسوية تفاوضية في البلاد، أو إذا كان تجدد الحرب المفتوحة أمرًا لا مفر منه.

ويعد أفضل سيناريو في الوقت الحاضر لمنع المزيد من التصعيد وظهور "الدولة الإسلامية" هو وقف لإطلاق النار بين ميليشيات "حفتر" والقوات التابعة لحكومة الوفاق وإلا، فإن الصراع في طرابلس سيجد على الأرجح طريقًا مسدودًا لأن الحرب الأهلية قد تهدد بالانتشار إلى أجزاء أخرى من البلاد.

آفاق الحرب الأهلية الطويلة

من وجهة نظر كل من الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق وقوات "حفتر"، فإن المنطق التكتيكي يكمن في توسيع القتال إلى ما بعد طرابلس.

ومن المحتمل أن يكون "حفتر" يعتقد أنه سيكون قادرًا على الحصول على موطئ قدم في العاصمة من خلال هجوم مفاجئ، ولكن يبدو أن الفرصة لمثل هذا الأمر قد انتهت.

نتيجة لذلك، يجب على "حفتر" الآن الاستعداد لمعارك أطول في طرابلس، مما يعني حماية سلاسل الإمداد الطويلة للمدينة من خلال فتح هجوم حول سرت.

تواجه ميليشيات "حفتر" في طرابلس تنظيما وتدريبا وتجهيزا أفضل مقارنةً بتلك التي قاتلتها سابقا في فزان ودرنة وبنغازي.

ويبدو أن ميليشيات مصراتة - التي تعد من أقوى القوى التي تدعم حاليا حكومة الوفاق - قد وضعت بالفعل أنظارها على قطع سلاسل الإمداد أمام قوات "حفتر".

بالإضافة إلى إرسال قوات لتعزيز المواجهين لـ"حفتر" في طرابلس، عزز المصراتيون وجودهم في وسط ليبيا استعدادا لهجوم محتمل لـ"حفتر"، وشنوا غارات جوية ضد سلاسل الإمداد التي تمتد جنوب سرت.

ومن المنطقي أنهم سوف يحاولون الاستفادة من توزع قوات "حفتر" للاستيلاء على محطات نفط قيمة شرق سرت، مما سيجبر "حفتر" على التراجع لاستعادة السيطرة عليها.

الاستجابة الدولية

لعب المؤيدون الأجانب لـ"حفتر" دورا حاسما في صعوده واستمرار هيمنته على مدى السنوات الخمس الماضية.

واستثمرت كل من روسيا ومصر والإمارات وفرنسا بكثافة في مستقبل "حفتر" منذ الإعلان عن هجومه في ليبيا لأول مرة في عام 2014. 

وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الدول الأربع قد دعمت مسبقا هجومه الأخير، فإن رحلات "حفتر" الأخيرة إلى موسكو والقاهرة وأبوظبي، إلى جانب لقائه مع العاهل السعودي سلمان في مارس/آذار بالرياض، تشير إلى أنها ستواصل دعمه كقائد عسكري وسياسي.

وهناك فرصة جيدة أن تتدخل مصر والإمارات، على وجه الخصوص، لدعم جهود "حفتر" في طرابلس.

وتتلقى قوات طرابلس ومصراتة التي اتحدت ضد "حفتر" الدعم من قطر وتركيا، ما يزيد من تحفز أبوظبي والقاهرة.

من ناحية أخرى، قد لا تكون فرنسا على استعداد للتدخل مباشرة من خلال الغارات الجوية والمعدات، لكن من المحتمل أن تضغط من أجل تسوية دبلوماسية تعيد بناء رأسمال "حفتر" السياسي.

مقارنة بالداعمين الأوفياء لـ"حفتر"، فإن البلدان التي تدعم حكومة الوفاق الوطني من المحتمل ألا تتدخل بسهولة كبيرة في طرابلس.

ففي حين أن تركيا وقطر تربطهما صلات ببعض الفصائل المتحلفة مع الحكومة، إلا أن علاقاتهما الإجمالية بحكومة الوفاق لا تزال ضعيفة.

ومن غير المحتمل أن تتدخل إيطاليا - أقوى صوت مؤيد لحكومة الوفاق في أوروبا - عسكريا أيضا.

لكن روما قد تضغط بدلا من ذلك على الاتحاد الأوروبي للرد بضغوط العقوبات، ويمكنها حتى الدعوة إلى منطقة حظر طيران أو زيادة وجود الاتحاد الأوروبي على طول الساحل الليبي لمنع هجوم بحري من قبل "حفتر".

في غضون ذلك، من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة نهجها غير المتناسق لإدارة النزاع الليبي، الذي كان قضية سامة من الناحية السياسية منذ هجوم عام 2012 في بنغازي الذي خلف أربعة قتلى أمريكيين.

وقد وافقت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ضمنيا على اكتساب "حفتر" قوة في السنوات الأخيرة، ولكنها دعت أيضًا إلى زيادة الحوار بينه وبين حكومة الوفاق.

وعملت واشنطن بشكل عملي مع كل من قوات الطرفين في جهودها لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.

لكن في حال توقف الوصول إلى النفط الليبي وسط الفوضى، فإن الولايات المتحدة قد تهدد بفرض عقوبات على "حفتر"، مثلما فعلت في عام 2018 لحمله على التراجع عن حجب صادرات النفط.

بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفها، فإن احتمال تجدد الحرب الأهلية يشكل مصدر قلق كبير لجميع القوى الخارجية.

وعلى مر السنين، انخرط "حفتر" في مبادرات السلام.. لقد غازل عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في عام 2015، ووافق على وقف إطلاق النار خلال الحرب الأهلية في عام 2017، وقد التقى رئيس الوزراء "فايز السراج" في عدة مناسبات. لكن "حفتر" لم يدعم بالكامل أي مبادرة سلام أو يقدم أي تنازل كبير، إلى حد كبير لأنها لم تتماشى مع عقيدته حول كيفية تطور الصراع الليبي.

هناك أمران يحددان عقيدة "حفتر" السياسية والعسكرية: أولاً أن الطريقة الوحيدة لحل تحديات ليبيا هي من خلال جيش موحد ييقوده رجل قوي. وثانياً، أنه يجب هزيمة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وكذلك العناصر الإسلامية الجهادية ذات الدوافع السياسية.

وكما يتضح من الهجوم على طرابلس، من الواضح بشكل متزايد أن "حفتر" ينظر إلى نفسه ولجيشه على أنه المنقذ الشرعي للبلاد من الويلات.

ويؤكد الهجوم أيضًا أنه ينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين و"الدولة الإسلامية" والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة (مثل كتائب الدفاع في بنغازي) - وكذلك حلفائهم - بمستويات متساوية من العداء، مما جعل الأمر أكثر صعوبة على "حفتر" لإيجاد توافق مع المشرعين الإسلاميين المعتدلين في طرابلس.

فرصة ضئيلة للسلام

وكان التزام "حفتر" بهذه المعتقدات مشكلة بالنسبة للاعبين الخارجيين الذين يحاولون توحيد الحكومات الليبية المتنافسة على مر السنين.

في عام 2016، على سبيل المثال، حاولت الولايات المتحدة وأوروبا دفع "حفتر" إلى تشكيل جبهة موحدة مع قوات مصراتة في الهجوم على معقل "الدولة الإسلامية" في سرت، لكن "حفتر" كان غير راغب في العمل مع المصراتيين - الذين كان يقاتلهم سابقا في بنغازي - وبدلا من ذلك فضل الجلوس خارج المعركة تماما.

ومن أجل حماية التأثير الذي تمكن من بنائه بين قادة الميليشيات في ليبيا، من المرجح أن يبقي "حفتر" متحفظًا مرة أخرى للتوقيع على أي وقف لإطلاق النار.

وعلى الرغم من أنه يطلق على قواته اسم الجيش الوطني، إلا أن أفضل وصف له هو أنه مجموعة من الميليشيات تحت قيادة "حفتر"، لكل منها مصالحها الخاصة.

وتطالب العديد من هذه الميليشيات بالسيطرة على طرابلس ويمكن اعتبار الموافقة على وقف طويل لإطلاق النار بمثابة خيانة لتلك الرؤية.

وربما الأهم من ذلك أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يحطم فكرة أن "حفتر" أصبح رجل قوي مناسب لقيادة شعب وجيش موحد.

لكن بدون وقف لإطلاق النار، فإن تجدد القتال بين بعض أقوى القوى الليبية لن يؤدي إلا إلى ترسيخ العداوات، مما يعقد المفاوضات للتوصل إلى حل سلمي لأحدث حرب أهلية شاملة في ليبيا.

من المحتمل أن يكون هجوم "حفتر" على طرابلس قد أحرق أي جسور في عملية السلام الجارية مع الأمم المتحدة أيضًا، على الأقل في الوقت الحالي.

بعد كل شيء، لماذا يثق به أي شخص في طرابلس في تسوية سياسية بعد ذلك؟ ولكن كلما طال أمد الصراع، زاد احتمال تراجع التقدم المحرز في توحيد المؤسسات الليبية، والإبقاء على صادراتها النفطية مفتوحة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية