لماذا تعزز فرنسا نفوذها العسكري في دول الخليج؟

السبت 20 أبريل 2019 11:04 ص

يزداد تواجد فرنسا الأمني ​​وتتوسع مصالحها في جميع أنحاء الشرق الأوسط أهمية أكبر، مما يجعل باريس تحتل موقعا حيويا في المسائل الإقليمية الأساسية. والسؤال هو ما إذا كانت باريس يمكن أن تنجح في مواجهة قوى أخرى تتنافس من أجل النفوذ في المنطقة.

وكما يتضح من الجهود التي بذلتها في منطقة الساحل، لا تبتعد فرنسا كثيرا عن المناطق التي احتلتها في الماضي. وبينما يبدو أن الاتحاد الأوروبي يتحرك بشكل عام بعيدا عن المجال العسكري في الشرق الأوسط، والخليج العربي على وجه الخصوص، فإن صفقات الأسلحة الفرنسية مع السعودية والإمارات وقطر بالإضافة إلى تعاونها العسكري مع الكويت، هي أمور تتعارض بوضوح مع هذا الاتجاه.

فن الصفقات

ويأتي دور فرنسا في منطقة الخليج العربي مدفوعا بأهمية صناعة الأسلحة للاقتصاد الفرنسي وقدرة تلك الصناعة على التأثير في السياسة الخارجية لباريس.

وكانت فرنسا ثالث أكبر دولة مصدرة للأسلحة خلال الفترة من 2015 إلى 2017، متخلفة عن الولايات المتحدة وروسيا، ومتقدمة عن المصدرين الرئيسيين للأسلحة مثل الصين وألمانيا والمملكة المتحدة. وكانت فرنسا تتفاوض مع العديد من دول الخليج العربي حول مبيعات مقاتلة رافال النفاثة.

واعتقد المسؤولون الفرنسيون أن افتتاح معسكر السلام في أبوظبي في عام 2009، وهو أول قاعدة عسكرية لفرنسا في دول الخليج، من شأنه أن يساعد على تمهيد الطريق لمزيد من مبيعات الأسلحة لكن ذلك لم ينجح.

ونظرا لأن أربعة من أصل خمسة عملاء لصناعة الأسلحة الفرنسية هم من الخليج العربي، فمن نافلة القول أن الفرنسيين أصبحوا أكثر نشاطا في قطاع الأمن في المنطقة في السنوات الأخيرة. على وجه الخصوص، تشكل الزيارات التي تتم شهريا تقريبا من قِبل مسؤولين من وزارات الأمن الفرنسية إلى المنطقة، بالإضافة إلى الضغط المستمر بالفعل من قبل الممثلين الفرنسيين الدائمين هناك، والتعاون بين وزارتي الدفاع الفرنسية ونظيراتها دول الخليج العربي من خلال التدريبات والمؤتمرات، تشكل جزءا رئيسيا من استراتيجية فرنسا لتوسيع نفوذها في مجال الأمن في دول الخليج العربي. وتوضح الجولات الشهرية تقريبا لكبار الدبلوماسيين الفرنسيين إلى الخليج العربي مدى جدية باريس في علاقتا مع هذه الدول.. وعلى رأس هذه العلاقات تتربع الروابط المالية بين الدوحة وباريس والتي تعود إلى عقود.

وبينما يزيد الفرنسيون من تواجدهم في القطاعات الأمنية في الخليج العربي، تبدو بقية دول الاتحاد الأوروبي أكثر قلقا بشأن الانخراط معها، حيث صرحت دول مثل هولندا وألمانيا والدنمارك بأنها لن تبيع أسلحة لأي من أعضاء التحالف الخليجي في اليمن، لأن هذه المبيعات ستساعم بشكل غير مباشر في الأزمة الإنسانية المستمرة هناك.

وعلى النقيض المباشر من تعليق مبيعات الأسلحة من قبل زملائهم الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقع الفرنسيون مؤخرا على اتفاقية جديدة، يقال أن قيمتها تبلغ عدة مليارات من الدولارات، مع المملكة العربية السعودية لبناء السفن. كما وقعت عدة شركات فرنسية صفقات أسلحة جديدة مع الإمارات خلال معرض ومؤتمر الدفاع الدولي "إيدكس" في أبوظبي في فبراير/شباط وترى باريس أن هذه الاتفاقات هي مفتاح مصالح فرنسا طويلة الأجل في المنطقة.

ولا تعد هذه الاتفاقات اتجاها جديدا، ولكنها مجرد استمرار للارتفاع في مبيعات الأسلحة في المنطقة وهو اتجاه كان واضحا في صيف عام 2018، حين تضاعفت من الأسلحة إلى الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن الفرنسيين قاموا بتنويع أسواقهم مقارنة بالسنوات السابقة، حيث قاموا ببيع المزيد والمزيد من الأسلحة إلى دول مثل قطر والكويت، بدلا من الإمارات والسعودية فقط. وفي الوقت نفسه، تظل الإمارات والسعودية من بين كبار مستوردي الأسلحة الفرنسية. وتعتبر الأسلحة الفرنسية ذات أهمية خاصة لدولة الإمارات، ويتضح ذلك من الدور البارز الذي تلعبه دبابة لوكلير الفرنسية في الجيش الإماراتي واستخدامها من قبل دولة الإمارات في ساحات القتال في اليمن.

في غضون ذلك، تعد فرنسا واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي لا تخضع فيها صناعة الأسلحة للمراقبة من قبل البرلمان. على الرغم من أن الحكومة الفرنسية ليست مسؤولة بشكل مباشر عن بيع الأسلحة إلى البلدان المتورطة في النزاع، إلا أن صمت فرنسا النسبي بشأن الأحداث في اليمن يشير لموافقتها الضمنية على ذلك.

علاوة على ذلك، فإن الفرنسيين لا يبيعون الأسلحة إلى الخليج العربي فحسب؛ بل يشاركون بنشاط في تشكيل الهياكل والاستراتيجيات العسكرية لدول الخليج العربي، ولا سيما الكويت وقطر. وخلال عام 2018، استضافت فرنسا العديد من الاجتماعات العسكرية رفيعة المستوى، بل وعقدت مناورات عسكرية مع الجيش الكويتي تحت اسم "لؤلؤة الغرب" والتي كانت تهدف إلى تعزيز التعاون بين الجيشين. كما دعمت بصوت عال جهود الكويت للوساطة الهادفة إلى إصلاح العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي. وفي الآونة الأخيرة، التقى البلدان شمن فاعليات الحوار الاستراتيجي الكويتي الفرنسي الثاني في باريس، مما عزز تعاونهما في مجال السياسة والاقتصاد والدفاع. وأجرى الفرنسيون محادثات مماثلة مع القطريين، وأنتجوا في نهاية المطاف اتفاقية حوار استراتيجي. وقد غطت هذه المحادثات، التي تهدف إلى إقامة علاقات عسكرية ومالية تقليدية بين باريس والدوحة، قضايا لا تتعلق فقط بالاقتصاد والاستثمار، ولكن أيضا بمكافحة الإرهاب والدفاع.

آفاق المستقبل

بالنظر إلى حماس الولايات المتحدة المتراجع حول التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها في المنطقة، والتقارير التي تزعم أن واشنطن ستطالب حتى الدول المضيفة للقوات الأمريكية بالدفع لصيانتها وبالنظر إلى إحجام الصين عن التدخل في المجال الأمني​​، يبرز التساؤل حول إذا ما كانت فرنسا يمكن أن تقدم نفسه كبديل ثالث موثوق للأمن الخليجي.

وعلى الرغم من أن الفرنسيين يتمتعون بنفوذ في منطقة الساحل ويشاركون في منافسة مع إيطاليا حول تحديد الفصيل الحاكم المقبل في ليبيا، إلا أنه لا يزال من المشكوك فيه أن تكون باريس على استعداد للقيام بمثل هذا الدور في الخليج العربي لعدة أسباب. بادئ ذي بدء، تفتقر فرنسا ببساطة إلى الموارد والقوى البشرية اللازمة للحفاظ على الضمانات الأمنية في المنطقة حيث يتطلب هذا الجهد تعاونا من الاتحاد الأوروبي، ولكن بالنظر إلى مخاوف معظم دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق ببيع الأسلحة إلى المنطقة، فمن المحتمل أن تواجه خطط وجود أمني واسع النطاق مزيدا من المقاومة. علاوة على ذلك، حتى داخل فرنسا نفسها، تم توجيه انتقادات بشأن تعاملات فرنسا مع دول الخليج العربي والإمارات والسعودية بشكل خاص. وبالنظر إلى عدم وجود دعم شعبي لوجود مادي في المنطقة، يبدو من غير المحتمل أن تواصل الحكومة الفرنسية هذا الدور بشكل علني.

بدلا من الوجود المادي في ذلك الوقت، تطمح الحكومة الفرنسية إلى لعب دور من خلال القيادة الرمزية والعمل كوسيط في المنطقة. وبالنظر إلى علاقات باريس بالدول المحايدة مثل الكويت ، وكلا جانبي أزمة مجلس التعاون الخليجي، فإن الفرنسيين في وضع جيد ليصبحوا وسيطا في المنطقة.

وقد شهد العالم بالفعل مثالا مبكرا على ذلك عندما تم احتجاز رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في المملكة العربية السعودية كعام 2017. ونظرا للعلاقات المالية بين البلدان الثلاثة، قام "ماكرون" بزيارة غير مقررة إلى الرياض من أجل إنهاء الأزمة. ونتيجة لهذه الزيارة، غادر "الحريري" إلى فرنسا لتفادي تصاعد التوتر.

في الوقت نفسه، هناك لاعب آخر على رادار باريس، وهو المملكة المتحدة، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. على الرغم من كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن المملكة المتحدة تمضي قدما في إرسال أفراد عسكريين إضافيين إلى البحرين وسلطنة عمان. وفي حين تمتد مصالح باريس ولندن تمتد عبر جغرافية سياسية مشتركة، فإن العاصمتين الأوروبيتين بحاجة إلى إيجاد سبل للتعاون للتعامل مع أزمات المنطقة مثل حصار قطر، والعقوبات الإيرانية والدور الروسي المتزايد في المنطقة.

المصدر | ثيودور كاراسيك وتريستان أوبرا - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

صفقة فرنسية لتحديث طائرات ميراج لدى الإمارات بـ552 مليون دولار