من الجزائر إلى السودان: هل انتفض أبناء الربيع العربي مجددا؟

السبت 20 أبريل 2019 01:04 م

تشير التطورات الهائلة التي شهدتها المنطقة العربية شمال وشرق أفريقيا إلى أن عملية الانتقال السياسي، التي طال أمدها في المنطقة والشرق الأوسط الكبير، ما زالت في بدايتها.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى السخط الشعبي في سوريا، رغم 8 أعوام من الحرب الأهلية المدمرة، ومصر، على الرغم من الانقلاب العسكري الذي حدث عام 2013، والذي أدى إلى عكس مكاسب احتجاجات عام 2011 التي أطاحت بـ "حسني مبارك" قبل أن يأتي أحد أكثر الأنظمة القمعية في البلاد إلى السلطة.

وما تظهره التطورات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو أن الدوافع وراء ثورات 2011 الشعبية، التي اجتاحت المنطقة وأجبرت قادة مصر وتونس وليبيا واليمن على الاستقالة، لا تزال قائمة، وليس ذلك فحسب، بل تشكل قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

وتشير التطورات أيضا إلى أن الصراع الإقليمي بين قوى التغيير من جهة، والأنظمة القديمة والجيوش المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، لم يحسم بعد.

وإذا كان هناك أي شيء قد جد، فهو أن المتظاهرين في الجزائر والسودان تعلموا درسا واحدا على الأقل من النتائج الفاشلة لثورات عام 2011: لا تثق في الجيوش حتى لو بدت في صف المتظاهرين، ولا تترك الشارع حتى يتم تلبية مطالب المحتجين تماما.

وقد دفع عدم الثقة في الجيش عددا متزايدا من المتظاهرين السودانيين إلى التساؤل عما إذا كان هتاف "الشعب والجيش يد واحدة" لا يزال مناسبا. 

ودخلت الاحتجاجات في الجزائر والسودان مرحلة حرجة، حيث يخشى المحتجون والجيش من احتمال تحميلهم مسؤولية عقود من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والقمع.

ومع نجاحات المتظاهرين الأولية في إجبار القادة على الاستقالة، فإن كل من المتظاهرين والجيوش، بما في ذلك الضباط الذين تربطهم صلات وثيقة بالسعودية والإمارات، منقسمون داخليا حول كيفية المضي قدما.

علاوة على ذلك، لا يمتلك أي من الطرفين أي خبرة حقيقية في إدارة مفترق الطرق الذي يجدون أنفسهم فيه.

وفي إشارة رمزية بارزة، أشاد الزعيم السوداني المؤقت، "عبد الفتاح عبد الرحمن برهان"، إلى "علاقة بلده الخاصة" بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث التقى هذا الأسبوع بوفدٍ سعودي إماراتي في المجمع العسكري في الخرطوم.

وقد أعربت المملكة عن دعمها للاحتجاجات، في ما يشك كثيرون أنه جزء من جهد لضمان ألا يصبح السودان رمزا لقوة السيادة الشعبية وقدرتها على هزيمة الاستبداد.

في الوقت نفسه، أثار تصاعد الغضب بسبب نقص الوقود، الناجم عن العقوبات الغربية المفروضة على سوريا وإيران، في المدن السورية الرئيسية، انتقادات علنية نادرة وواسعة النطاق لحكومة الرئيس "بشار الأسد".

وكان الغضب قد اشتعل بعد تقارير أفادت بأن المسؤولين الحكوميين تجاوزوا الصفوف في محطات البنزين لملء خزاناتهم وشراء غاز الطهي، وأخذوا أكثر مما هو مسموح به.

وتم بث هذه التقارير على "هنا سوريا"، وهي صفحة مجهولة على موقع فيسبوك، تتناول تقارير عن الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، بينما أظهر التلفزيون الحكومي أن وزير النفط "سليمان العباس" يتجول في محطات البنزين دون أي علامات على وجود نقص في البنزين.

وردت الصفحة: "هل من الصعب للغاية أن نكون شفافين وواضحين؟ هل سيؤدي ذلك إلى تقويض مكانة أي شخص؟ نحن بلد يواجه العقوبات والمقاطعة. يعرف الجمهور ويدرك ذلك".

وقد تم إلقاء القبض على مدير "هاشتاج سوريا"، وهي صفحة أخرى على "فيسبوك"، عندما طالبت الصفحة وزارة النفط بالرد على التقارير التي تشير إلى ارتفاع متوقع في الأسعار. واتهمت الصفحة الوزارة بمعاقبة مديرها "بدلا من التعامل مع المشكلة الحقيقية".

وبالمثل، لم تتمكن السلطات في مصر من إيقاف موقع عبر الإنترنت يجمع التوقيعات ضد التعديلات الدستورية المقترحة، التي قد تمدد حكم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" حتى عام 2034، رغم قيامه بحجبه أكثر من مرة. وجذب الموقع أكثر من 500 ألف توقيع حتى كتابة هذه السطور.

ويعد موقع "باطل" واحدا مما يقدر بنحو 34 ألف موقع إلكتروني تم حجبه بواسطة موفري خدمات الإنترنت المصريين، في محاولة لإعاقة معارضة التعديلات.

ويعد "السيسي" تذكيرا قويا بمدى استعداد الجيوش العربية وداعميها في الخليج للدفاع عن مصالحهم الشخصية وإصرارهم على الوقوف أمام الإرادة الشعبية.

ويقود جنرال ليبي آخر، وهو المشير "خليفة حفتر"، الجيش الوطني الليبي في هجوم على العاصمة طرابلس، مقر الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، التي يتهمها، هو ومؤيدوه من الإمارات والسعودية ومصر، بأنها مدعومة من الإرهابيين الإسلاميين.

ولا يعد الدعم العسكري والمالي من الدول العربية لـ"حفتر" سوى قمة جبل الجليد. وقام "حفتر" بفرض سيطرته على جزء كبير من ليبيا، على أساس نموذج جيش "السيسي"، الذي لا يسيطر فقط على السياسة، ولكن أيضا على الاقتصاد.

نتيجة لذلك، يعمل "الجيش الوطني الليبي" التابع لـ"حفتر" في أعمال تتراوح من إدارة النفايات، والخردة، والمشاريع الزراعية، مرورا بتسجيل العمال المهاجرين، والسيطرة على الموانئ والمطارات وغيرها من الهياكل الأساسية. ويتطلع "الجيش الوطني الليبي" أيضا إلى دور في إعادة إعمار بنغازي، وغيرها من المناطق التي دمرتها الحرب.

وما يجعل 2019 مختلفا عن عام 2011 هو أن طرفي الصراع يدركان أن النجاح يعتمد على "النفس الطويل". علاوة على ذلك، يدرك المحتجون أن الثقة في تأكيدات الجيوش على حماية إرادة الشعوب قد تؤدي إلى هزيمة ذاتية. وهم يدركون كذلك أنهم في خضم ثورة إقليمية لا تحتمل التردد.

ويمنح كل هذا المتظاهرين اليوم فرصة لم تكن لدى نظرائهم عام 2011. ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيثبت نجاحه في تحقيق ما فشل فيه المتظاهرون قبل 8 أعوام.

المصدر | جيمس دورسي - لوب لوج

  كلمات مفتاحية