فورين أفيرز: ماذا يعني فوز نتنياهو بولاية خامسة؟

الأحد 21 أبريل 2019 02:04 م

منح الناخبون الإسرائليون فوزًا واضحًا لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" في انتخابات 9 أبريل/نيسان، وكان التصويت بمثابة استفتاء على قيادة "نتنياهو"، بالنظر إلى لائحة الاتهام المعلقة ضده في 3 قضايا فساد.

علاوة على ذلك، ولأول مرة منذ عقد من الزمن، واجه "نتنياهو" منافسًا هائلاً وهو الجنرال المتقاعد "بيني غانتس"، الذي حاول جذب دعم مؤسسة الدفاع الإسرائيلية والنخبة القديمة في محاولة لاستبدال رئيس الوزراء، لكن في النهاية، لم يستطع "غانتس" كسر كتلة (إسرائيل) اليمينية.

فازت الكتلة اليمينية بقيادة حزب الليكود بزعامة "نتنياهو" بـ65 من أصل 120 مقعدا في الكنيست، وقد مهد هذا النصر الطريق لحكومة "نتنياهو" الخامسة، التي تتمثل أهدافها الرئيسية في حماية رئيس الوزراء من نظام العدالة الجنائية، وتطبيع الوضع القانوني لمستوطنات (إسرائيل) في الضفة الغربية، والحد من استقلال المحكمة العليا.

وستؤدي الانقسامات بين شركاء "نتنياهو" المحتملين إلى تعقيد عملية بناء الائتلاف الحاكم لكنها لن تضعفه بشكل خطير، بالنظر إلى أن اليمين الإسرائيلي متماسك أيديولوجيًا وسياسيًا.

كانت نتيجة الانتخابات غير مفاجئة، وكانت جميع استطلاعات الرأي العام تقريبا خلال الحملة تتوقع أغلبية يمينية، وبنى حزب "غانتس" الجديد "أزرق-أبيض" إستراتيجيته الطويلة على أمل أن تفشل العديد من الأحزاب اليمينية الصغيرة في تعدي نسبة الـ3.25% من الأصوات اللازمة لدخول الكنيست، وبالتالي تجريد "نتنياهو" من أغلبيته وإجبار الليكود أو اليمين المتطرف على التوصل إلى اتفاق.

لم يتجاوز حزبان يمينيان الحد الأدنى، لكن هذا لم يكن كافيًا للتأثير على الأغلبية البرلمانية، والآن سيقود "غانتس" المعارضة وسيتعرض لضغوط للانضمام إلى حكومة وحدة برئاسة "نتنياهو"، وهو أمر تعهد بعدم القيام به في حملته الانتخابية.

معركة محتدمة

كان موسم الحملات ساخنا وغير نزيه في كثير من الأحيان، وكانت الخطوة الأولى لـ"نتنياهو" هي محاولة إقناع المدعي العام "أفيشاي ماندلبليت" بتأخير نشر مسودة لائحة الاتهام، وعندما فشل ذلك، تحول رئيس الوزراء إلى تكتيكات التشويه.

حاول أن يصور "غانتس" باعتباره مجرما، وخطرا أمنيا (زعم جهاز الأمن الإسرائيلي أن هاتف غانتس الخلوي قد تم اختراقه من قبل إيران)، ومجنونا، وفاسدا.

تجاهل "غانتس" وأنصاره هذه المزاعم لكنهم ردوا باتهام رئيس الوزراء بالخيانة حيث أعطى "نتنياهو" ألمانيا الضوء الأخضر لبيع غواصات متطورة لمصر، وأخفى ذلك عن وزراء الدفاع في البلاد، كما ذكّر "أزرق-أبيض" الناخبين بتهم بالفساد الأخرى لـ"نتنياهو" مثل الفضيحة التي تحيط بصفقة غواصات للبحرية الإسرائيلية (برأ المدعي العام "نتنياهو" من هذه الاتهامات قبل الحملة، لكن "أزرق-أبيض" حاول إعادة إظهارها للسطح).

وقد أبقت المزاعم والمزاعم المضادة وسائل الإعلام مشغولة لكنها فشلت في إثارة الجمهور، لقد كانت نسبة المشاركة 68.5% فقط من الناخبين وهي أضعف نسبة مشاركة شهدتها (إسرائيل) منذ عام 1999.

لقد نجح كل من "نتنياهو" و"غانتس" في تقوية حزبيهما حيث يشكلان وحدهما معاً أغلبية في الكنيست، وهي المرة الأولى منذ عام 1992 التي يحدث فيها ذلك.

أظهر الجمهور تفضيله للأحزاب الكبيرة على الأحزاب الأصغر، لكن من غير المرجح أن يستقر نظام (إسرائيل) المتعدد الأحزاب نتيجة لذلك.

لم يستقطب أي حزب رئيسي الناخبين من الجانب الآخر، وبدلاً من ذلك، اكتسب كلاهما قوتهما من خلال تفكيك الأحزاب الصغيرة في الكتل الخاصة بكل منهما.

يظهر التحليل الاجتماعي والاقتصادي للتصويت أن الأثرياء في (إسرائيل) صوتوا لصالح "أزرق-أبيض"، وأن الطبقة الوسطى دعمت الليكود، وأن الفقراء -الأقليات الدينية والعربية المتطرفة- احتشدوا خلف أحزابهم الصغيرة، وأخذ حزب "أزرق-أبيض" مكان حزب العمل بصفته موطن النخبة القديمة.

فاز الليكود مرة أخرى بسبب استراتيجيته الناجحة تجاه الأقليات، فقد شكل تحالفات قوية مع اليهود المتطرفين، الذين يصوتون بأعداد ساحقة، وحاول نزع الشرعية عن الناخبين العرب وأحزابهم، التي لديها إقبال منخفض.

على سبيل المثال، بلغت نسبة المشاركة في مستوطنة موديعين عيليت الأرثوذكسية المتطرفة 84.5%، في حين بلغت نسبة المشاركة في الناصرة، أكبر مدينة عربية في (إسرائيل)، 39.8%، هذه الفجوة تعطي ميزة متأصلة لكتلة اليمين.

منذ عودته إلى السلطة في عام 2009، أنفق "نتنياهو" وشركاؤه اليمينيون جهدا كبيرا لتصوير الأحزاب العربية، التي تطالب بمزيد من المساواة في المواطنة ودولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تصويرها كطابور خامس.

لقد عمل هذا التكتيك على تخويف الأحزاب الصهيونية اليسارية ودفعها للابتعاد عن الأحزاب العربية، ومنع تشكيل ائتلاف يساري ناجح.

وفي عام 2015، تجمعت الأحزاب العربية في قائمة مشتركة من المرشحين وفازت بـ13 مقعدًا، ما جعلها ثالث أكبر حزب في الكنيست المنتهية ولايته.

كان رد فعل "نتنياهو" هو إصدار قانون الدولة القومية الأساسي، الذي ينص أن (إسرائيل) هي الوطن القومي للشعب اليهودي وحده، ما يمنح غير اليهود وضعًا أدنى.

في الحملة الأخيرة، ذهب "نتنياهو" إلى أبعد من ذلك، واصفا الأحزاب العربية بأنها "داعم للإرهاب".

في يوم الانتخابات، أرسل الليكود ناشطين يحملون كاميرات إلى مراكز الاقتراع في البلدات والقرى العربية بغرض ترهيب الناخبين، الذين شعروا أنهم تحت المراقبة.

كان الناشطون ينتهكون القانون الذي يحظر التصوير أثناء التصويت، كما أن "غانتس"  -خوفا من المشاعر المعادية للعرب والخوف من الظهور بشكل أقل من وطنية-  تعهد بعدم إجراء أي مناقشات سياسية مع الأحزاب العربية.

بقي الناخبون العرب في منازلهم، منقسمين فيما بينهم ويفتقرون إلى الحلفاء في الأغلبية اليهودية.

في الكنيست الجديد، سيشغل الحزبان العربيان 10 مقاعد فقط، ما يقلص الكتلة "غير اليمينية"، وبالمقارنة، ارتفعت حصة الحزبان اليمينيان المتشددان "شاس" و"يهودية التوراة" من 13 إلى 16 مقعدًا.

بعد أن قدم نفسه بنجاح باعتباره البديل الوحيد الممكن لـ"نتنياهو"، اجتذب "غانتس" غالبية الناخبين اليساريين، الذين كانوا على استعداد لقبول وجهات نظره الخجولة بشأن الدولة الفلسطينية في مقابل فرصة ضئيلة لاستبدال رئيس الوزراء الحالي.

ونتيجة لذلك، تقلصت حصة الأحزاب اليسارية، حزب العمل وميرتس، إلى 6 و4 مقاعد على التوالي.

إجمالاً، لا تملك المعارضة مقاعد كافية تقريبًا لتكون "حجر عثرة" يمكن أن يمنع الائتلاف اليميني من الحصول على الأغلبية المكونة من 61 مقعدًا التي يحتاجها لتشكيل حكومة.

علاوة على ذلك، فإن إخفاق "غانتس" في إشراك الناخبين العرب وممثليهم يقف في تناقض صارخ مع مناورة "نتنياهو" الناجحة لتوحيد اليمين المتطرف، بما في ذلك المنبوذون المؤيدون للحاخام الراحل "مائير كاهان" وأيديولوجيته العنصرية.

عرش "نتنياهو"

بعد أن هزم "غانتس"، أصبح لدى "نتنياهو" الحق الآن في قيادة البلاد وفقًا لإيديولوجيته، وقبل الانتخابات، أظهر "نتنياهو" براعته الدبلوماسية بالحصول على دعم في اللحظة الأخيرة من رؤساء الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل.

كما كان متوقعًا، كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأكثر سخاءً، فقد أعلن أن الولايات المتحدة ستعترف بسيادة (إسرائيل) على مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي تحتلها (إسرائيل) منذ عام 1967.

بخلاف ذلك تعهد البيت الأبيض بالإعلان عن "صفقة القرن" لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بعد أداء اليمين الدستورية للحكومة الجديدة.

لكن إذا كانت صفقة "ترامب" تقدم للفلسطينيين مساعدات اقتصادية مقابل التخلي عن مطالبهم بالاستقلال، فمن المحتمل أن يرفضها الفلسطينيون.

سوف يصور اليمين الإسرائيلي رفض الفلسطينيين على أنه رفض للتعاون ويستخدمه لتبرير مطالبته بضم مناطق الاستيطان، وقد رفض "نتنياهو" مثل هذه المطالب في الماضي لكنه مستعد لها الآن من أجل جذب الناخبين من المستوطنات واليمين المتطرف.

ويعد ضم المستوطنات أهم أولويات اليمين المتطرف، في مقابل الترويج له وبنود جدول الأعمال اليميني الأخرى سيسعى "نتنياهو" إلى الحصول على دعم شركائه في الائتلاف في الحصول على الحصانة من المقاضاة، والتي سيحتاج أغلبية برلمانية لها.

ما زال "نتنياهو" ينتظر صدور قرار نهائي بشأن لائحة الاتهام هذا الصيف، ويزعم هو ومؤيدوه أن الجمهور قد قرأ ورفض مسودة لائحة الاتهام بالتصويت له، وسيحاول الليكود على الأرجح إصدار قانون أو قرار حصانة، أو على الأقل اتفاق لإبقاء "نتنياهو" في السلطة أثناء المحاكمة.

في المخيلة المظلمة للسياسيين والمعارضين اليمنيين في (إسرائيل)، ينتمي النظام القانوني - بما في ذلك الشرطة والمدعي العام والمحكمة العليا - إلى دولة عميقة مناهضة لـ"نتنياهو" تستولي على السلطة من الجمهور تحت ضغط من وسائل الإعلام واليسار (ربما تبدو هذه اللغة مألوفة لدى الأمريكيين في عهد "ترامب").

لقد اشتكى أيديولوجيون يمينيون منذ فترة طويلة من أنهم قادرون على الفوز في الانتخابات ولكنهم لا يديرون البلد حقًا، بالنظر إلى سيطرة اليسار على القضاء ووسائل الإعلام الرئيسية، وهم يرون الآن فرصة لتغيير الاتجاه وممارسة المزيد من السيطرة السياسية على القضاء من خلال الإصلاحات المقترحة في التعيينات القضائية وحظر المحكمة العليا من إلغاء التشريعات.

سيتعين على "نتنياهو" الآن أن يقرر إلى أي مدى يجب سيذهب في ضم الضفة الغربية والإصلاح القانوني والمقترحات الأخرى التي خرجت عن مسارها في الكنيست، مثل استخدام عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين وسوف يأخذ في الاعتبار خطة "ترامب" للسلام، وقد يدعو "غانتس" إلى حكومة وحدة وطنية.

لكن الأولوية القصوى لـ"نتنياهو" تظل تجنب الملاحقة والاعتقال المحتمل، كان هذا، على كل حال، هو السبب في أنه دعا إلى انتخابات مبكرة وقاتل بشدة من أجل الفوز الحاسم.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية