ليبيا والجزائر والسودان.. من يكسب صراع إرادات الربيع العربي؟

الاثنين 22 أبريل 2019 09:04 ص

مع الهزيمة الواضحة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ونهاية الحرب الأهلية في سوريا، بدا الشرق الأوسط مستقراً في هدوء نسبي، ومع ذلك، سرعان ما بدأت اضطرابات ذكرتنا بأيام الربيع العربي الأولى.

وعلى الرغم من عدم وجود صلة ظاهرية، فإن إزاحة المستبدين في الجزائر والسودان، ومحاولة رجل قوي ناشئ للهيمنة في ليبيا، تشير مجتمعة إلى رؤى متنافسة من أجل نظام ما بعد الربيع العربي الذي لا يزال مصيره غير مؤكد.

وفي 2 أبريل/نيسان 2019، قدم الرئيس الجزائري المريض البالغ من العمر 82 عامًا، "عبدالعزيز بوتفليقة"، استقالته في فوز مذهل لحركة احتجاج اندلعت قبل ستة أسابيع من الجماهير المعارضة لولاية "بوتفليقة" الخامسة المتوقعة.

وبعد يومين، شن "خليفة حفتر"، زعيم مجموعة من الميليشيات في شرق ليبيا، هجوما عسكريا يهدف إلى انتزاع السيطرة على العاصمة طرابلس من حكومة معترف بها دوليا موجودة هناك منذ عام 2016.

ثم في 11 أبريل/نيسان، أعلن الجيش السوداني عزل رئيس البلاد منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، "عمر البشير"، والإِشراف على فترة انتقالية مدتها عامان.

وقد اختلفت المسارات الجزائرية والليبية والسودانية خلال السنوات الثماني الماضية اختلافًا كبيرًا، مما يعكس السمات الخاصة للتاريخ المعاصر لكل بلد. ومع ذلك، فإن تقييم التطورات الحالية التي تتكشف في هذه البلدان المتجاورة مفيد من حيث أن أوجه التشابه والاختلاف الملحوظة فيه تعكس رؤى متنافسة من أجل نظام ما بعد الربيع العربي الذي يظل مصيره لم يقرر بعد.

تطورات متزامنة

و تسببت رحيل "بوتيفليقة" السريع وإعلان "حفتر" الجريء السير نحو "طرابلس" واعتقال "البشير" في إثارة دهشة المراقبين، ولكن الأسباب المباشرة للتطورات الثلاثة كانت واضحة بما فيه الكفاية.

في الجزائر، ظهرت حركة احتجاج بلا قيادة في أواخر فبراير/شباط حين أصبح من الواضح بشكل متزايد أن "بوتفليقة" سيقدم ترشيحه لفترة خامسة مدتها خمس سنوات، على الرغم من تعرضه لجلطة دماغية في عام 2013.

وكان "بوتفليقة" لا يزال يحظى بشعبية بسبب مشاركته في الكفاح ضد الاستعمار ضد الفرنسيين في الخمسينيات ولدوره في إخراج البلاد من حرب أهلية مدمرة عند توليه منصبه في عام 1999، وتزامنت رئاسته أيضا مع فترة من النمو الاقتصادي المطرد والإنفاق الحكومي الضخم، والذي سهله ما يقرب من 15 عاما من ارتفاع أسعار النفط، وهو نعمة لدولة يدور اقتصادها حول تصدير المواد الهيدروكربونية.

وساعدت الذكريات الصادمة للحرب الأهلية، إلى جانب اعتماد الدولة على خزائنها العميقة لاستباق الاضطرابات، في تفسير السبب في أن الجزائر نجت من اضطرابات عام 2011 دون أن يلحق بها أي ضرر.

لكن عدد الشباب المتزايد (أكثر من 60% من سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 30 عاما)، وانخفاض أسعار النفط عام 2014 أدى إلى إضعاف تلك الروادع، وأثبت احتمال بقاء زعيم صامت مقيد على كرسي متحرك بعد عام 2019 أنه أمر مستحيل القبول لمئات الآلاف من الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع في فبراير/شباط ومارس/أذار، مطالبين "بوتفليقة" بسحب ترشيحه.

وبعد تعنت قصير في الاستجابة للمتظاهرين، قدم النظام سلسلة من التنازلات بما في ذلك الوعد بعدم ترشح "بوتفليقة" مرة أخرى، وعملية انتقالية لتعديل الدستور والتحضير لانتخابات جديدة، وتعديلين وزاريين.

وفي 26 مارس/آذار، ذهب رئيس أركان الجيش "أحمد قايد صلاح" إلى حد التوصية باستخدام المادة 102 من الدستور وإعلان فراغ منصب الرئاسة. ولكن مع مرور الوقت، ازدادت مطالب المحتجين على نطاق واسع، وبالتالي أصبحت التنازلات المقترحة أقل إرضاءً لينتهي الأمر في 2 أبريل/نيسان باستقالة "بوتفليقة".

وبالمثل، فإن رغبة "حفتر" في بسط سيطرته على ليبيا كلها قد تم توثيقها جيدًا خلال السنوات القليلة الماضية.

منذ أن خرجت البلاد من حرب أهلية قصيرة بين تحالفين عريضين من الميليشيات المتنافسة في عام 2015، اكتسب "حفتر" مكانة بارزة كقائد لما يعرف بالجيش الوطني الليبي، وهو مجموعة من الميليشيات المتمركزة في النصف الشرقي من البلاد والمرتبطة اسميا بمجلس النواب في طبرق، وهو واحد من الحكومتين المتنافستين في ليبيا، بخلاف حكومة الوفاق المدعومة رسميا من الأمم المتحدة. 

في محاولته للهيمنة، استفاد "حفتر" من مساعدة العديد من الجهات الفاعلة الأجنبية، بما في ذلك روسيا ومصر والإمارات، ومؤخراً فرنسا والسعودية، على الرغم من حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة والذي يحد من دخول الأسلحة إلى ليبيا.

وكانت عملية التفاوض التي ترعاها الأمم المتحدة منذ عام 2012 قد حاولت التوصل لحل ولكنها فشلت مرارًا في توحيد الفصائل السياسية في البلاد.

في أحدث تكرار للمقترحات، كان من المقرر عقد مؤتمر وطني يهدف إلى وضع أسس للانتخابات في الفترة من 14 إلى 16 أبريل/نيسان في الواقع، كان الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" في طرابلس للتحضير للمؤتمر في نفس اليوم الذي أعلن فيه "حفتر" أن قواته ستستولي على العاصمة.

ومع الدور الذي لعبته الجزائر في المحادثات بين الفصائل الليبية المتنافسة وحث "حفتر" على الامتناع عن شن هجمات، فإن انشغالها بالمسائل الداخلية ربما أقنع "حفتر" بوجود فرصة لاستغلالها.

وفي السودان، تم إقالة "البشير" في أعقاب أربعة أشهر من الاحتجاجات التي اندلعت في البداية بسبب ارتفاع تكلفة الخبز والظروف الاقتصادية السيئة التي تواجه سكان السودان البالغ عددهم 42 مليون شخص، منهم حوالي 60% تحت سن 24 عاما.

ومنذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، خسر السودان ثلاثة أرباع حقول النفط التي كان السودان يعتمد عليها للحصول على الدخل.

وأدى ارتفاع التضخم والنقص الحاد في النقد إلى جولات الاحتجاجات السابقة في عام 2013 وفي عام 2016، مما أثار استجابة قاسية من الأجهزة الأمنية للنظام وتسبب في مقتل عدة مئات.

هذه المرة أيضًا، لم يتردد النظام في استخدام القوة ضد المتظاهرين، الذين تمكنوا مع ذلك من زيادة أعدادهم إلى مئات الآلاف وتحويل ما بدأ كاحتجاج يركز على المظالم الاقتصادية إلى تعبئة تطالب بالتغيير السياسي.

وفي مواجهة مثل هذه التعبئة، من الواضح أن كبار الضباط العسكريين في البلاد - وكثير منهم من الدائرة الداخلية للبشير - خلصوا بوضوح إلى أنهم لم يعودوا قادرين على الحفاظ على تماسك الجيش وراء "البشير".

رؤى متنافسة

وتعد التطورات في الجزائر وليبيا والسودان جولات في صراع أكثر جوهرية حول العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه العلاقة بين حكام هذه الدول ومواطنيها.

ولعقود من الزمان، قامت الصفقة الأساسية لتلك العلاقة على قيام الدولة بتقديم الخدمات، إلى حد كبير بفضل الدخل الناتج عن مبيعات النفط والغاز، في مقابل الإذعان الاجتماعي لنظام سياسي قمعي واسع النطاق.

وقد انهارت هذه الصفقات على مدى العقد الماضي، لكن لم يتم استبدالها بسهولة، تاركة حلفها أعداد متزايدة من الشباب، وبطالة مرتفعة وفقر متزايد ومؤسسات خشة أو غائبة تمامًا وهي ظروف مألوفة لمعظم الدول العربية في مشهد ما بعد الربيع العربي.

وتقدم حركات الاحتجاج في الجزائر والسودان من جهة، وتحرك الرجل الليبي القوي الطموح من ناحية أخرى، رؤى متنافسة لمسار هذا الصراع الأعمق. في الصيغتين الجزائرية والسودانية، تدفع الانتفاضة الشعبية باتجاه التحرير السياسي. في النموذج الليبي، تسعى شخصية عسكرية إلى تحقيق الهيمنة وفرض حالة شبيهة بحالة البلاد قبل عام 2011.

وفي الواقع تواجه البلدان الثلاثة عقبات كبيرة. وأوضحت الجماهير الجزائرية مطالبها بإسقاط الشبكة الفاسدة للمصالح السياسية والاقتصادية التي تحكم البلاد، لكن ليس من الواضح على الإطلاق أن الجيش - الذي لا يزال يمثل القوة المهيمنة ويتمتع بشعبية نسبية - يعتزم السماح بنوع من التحول الكبير الذي يسعى إليه المحتجون.

ويعد قائد الجيش "قايد صالح" نفسه الآن بين الأسماء التي يصر المحتجون على مغادرتها، وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية قد يتم إجراؤها في 4 يوليو/تموز، إلا أنه من غير المؤكد أن تظهر شخصية معارضة ذات مصداقية لحشد من يدفعون إلى التغيير.

وفي السودان، استقبل المتظاهرون إقالة "البشير" بترحاب، لكن المجلس العسكري المكون المعين لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد قد ينتهي به المطاف إلى ترسيخ حكمه بدلاً من تمكين خطوات نحو إصلاح أعمق للنظام.

من جانبه، قد يتمتع "حفتر" بدعم الجهات الدولية الفاعلة، لكنه يواجه مقاومة شرسة بين شريحة كبيرة من الشعب الليبي، ويعد تقدمه أمرا مشكوكا فيه.

المصدر | سارة فوعر- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

  كلمات مفتاحية