هل تلقى ثورات السودان والجزائر مصير الثورة المصرية؟

الاثنين 22 أبريل 2019 08:04 ص

من الممكن تماما أن تسير حركات الديمقراطية في السودان والجزائر على طريق أسلافها، التي بدت وكأنها تبشر بربيع عربي عام 2011. وباستثناء تونس، حيث ما زالت الديمقراطية سائدة إلى حد كبير، عادت جميع بلدان الربيع العربي الأخرى إلى الحكم الاستبدادي أو انحدرت إلى الفوضى. وشهدت أكبر ثورة في تلك البلدان، وهي الثورة المصرية، إحباطا بسبب المكائد الذكية من كبار القادة العسكريين، والأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها "الإخوان المسلمون"، الجماعة التي وصلت لفترة وجيزة إلى السلطة بعد الإطاحة بـ "مبارك". وبعد يومين من سقوط "مبارك"، في فبراير/شباط عام 2011، كنت قد نشرت مقالا بعنوان "يموت الطاغية، يعيش الجيش". وتوقعت أن إقالة "مبارك" لا تعني نهاية النظام الذي يسيطر عليه الجيش، وأن الطغمة العسكرية سوف تستمر في الإمساك بالسلطة بطريقة أو بأخرى. ولسوء الحظ، صحت توقعاتي، وعادت مصر إلى حكم استبدادي أكثر خنقا وقمعا مما كان عليه الحال في عهد "حسني مبارك".

وقد انحدرت ليبيا واليمن إلى الفوضى، وانتهى بهما المطاف إلى إقطاعيات يحكمها أمراء الحرب. وأصبحت اليمن أيضا الساحة الرئيسية للتنافس السعودي الإيراني في الشرق الأوسط، على حساب الآلاف من الأرواح، والمعاناة الهائلة التي لحقت بالسكان المدنيين. وانحسرت الثورة السورية بسرعة كبيرة، بعد أن بدأ الحراك الثوري ينتصر قليلا، بسبب تورط القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، والقوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا. ونجا نظام "الأسد" الديكتاتوري بسبب الدعم الذي قدمته إليه روسيا وإيران. ومع ذلك، سقطت أجزاء كبيرة من البلاد تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي عامل الشعب بوحشية لعدة أعوام قبل أن ينهزم أخيرا.

ويبدو أن الحالتين السودانية والجزائرية تشبهان إلى حد كبير ما حدث في بلدان الربيع العربي بعدة طرق. أولا، كانت الانتفاضة ضد نظامي "البشير" و"بوتفليقة" اللذين يدعمهما الجيش تلقائية، لكن مع تماسك تنظيمي ضئيل للغاية. وكانت الأداة الرئيسية التي ساعدت المحتجين على تحقيق غاياتهم، ولا تزال، هي قدرتهم على جذب الدعم الشعبي المفاجئ، الذي حشد مئات الآلاف من الناس في الشوارع، مما أدى إلى توقف الحياة. لكن هذا تكتيك لا يمكن إدامته على المدى الطويل.

ولا تزال أصداء ميدان التحرير في القاهرة واضحة جدا للعيان. وسرعان ما تلاشت حركة ميدان التحرير العفوية بمجرد أن تحقق الهدف المباشر المتمثل في إزالة "حسني مبارك"، وسوف تتبدد الحركات الجزائرية والسودانية أيضا بسبب عدم التنظيم والانقسام الداخلي في صفوف المعارضة.

ثانيا، عادة ما يكون تحويل النظام عملية طويلة الأمد، ويتطلب مجموعة مكرسة وذات عقلية واحدة ومنضبطة، مثل "البلاشفة" في روسيا، و"الحرس الثوري" في إيران، حيث يمكنها الحفاظ على الزخم الثوري حتى يتم تفكيك النظام القديم تماما. ويعد الحاكم الجالس على رأس الهرم مجرد قمة جبل الجليد في معظم الحالات، ولا يعني إزالته بالضرورة تغيير النظام. وعلى الرغم من الاختلافات في الحالتين، لا يوجد دليل على وجود مثل هذه المجموعة في الجزائر أو السودان.

ثالثا، تكمن القوة الحقيقية وراء الأنظمة الاستبدادية، في القلة المسلحة الذين يملكون قوة الرصاص، أو في العصبة التي تدير المشهد خلف الكواليس، مثل "البوفوار" (السلطة) في الجزائر. وهؤلاء، عندما يكونون مهددون بمعارضة شعبية هائلة، يكونون في الغالب على استعداد للتضحية بالأوتوقراطية التي ترمز للاستبداد بشكل أكبر، من أجل إنقاذ النظام وأتباعه وهيكل السلطة الذي يسيطرون عليه. وهذا بالضبط ما حدث في مصر. لقد كان كبار القادة العسكريين، الحكام الحقيقيين للبلاد، أكثر من راغبين في التضحية بـ"مبارك" وعائلته وأصدقائه، من أجل الحفاظ على سيطرتهم على البلاد. وفي سلسلة من التحركات المخادعة، تظاهروا في البداية كمدافعين عن الحركة الديمقراطية ضد التجاوزات البوليسية، لكسب ثقة الشعب، ثم خففوا الديكتاتورية وسمحوا بمسحة بسيطة وقصيرة من الديمقراطية، ثم أظهروا أخيرا ألوانهم الحقيقية عن طريق إزالة الحكومة المنتخبة، والاستيلاء على السلطة عبر القوة الغاشمة، والحصول على شرعية زائفة من خلال انتخابات مزورة.

وفي كل من الحالتين السودانية والجزائرية، كان الجيش، العمود الفقري للنظامين، هو الذي استجاب للاضطرابات الشعبية، بإزالة كل من "البشير" و"بوتفليقة"، وأقرب شركائهم، واستبدالهما بحكومات مؤقتة يديرها العسكر. وكان الهدف الحقيقي وراء ذلك هو تهدئة السخط الشعبي وإظهار الجنرالات كداعمين للتغيير ومؤيدين للحركات الشعبية. ويبدو أن هذا تكرار للسيناريو المصري، مع تغييرات طفيفة لتناسب السياقات المحلية.

وفي حالة الجزائر، حيث بدأت الاحتجاجات في 16 فبراير/شباط، وأدت إلى إجبار القيادة العسكرية العليا لـ"بوتفليقة" على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان، كان من الواضح أن قائد الجيش، اللواء "قايد صالح"، تولى السيطرة، رغم أن "عبدالقادر بن صالح"، رئيس مجلس الشيوخ في البرلمان، قد تولى منصب الرئيس المؤقت. ومن الواضح أن "بن صالح" يتبع تعليمات الجيش. وفي ظل عدم تنظيم المعارضة الجزائرية، وانقسامها، وعدم وجود قيادة لها، ومع كون الانتخابات الرئاسية المحددة دستوريا على بعد 3 أشهر فقط، فمن غير المرجح أن تتمكن المعارضة من طرح مرشح توافقي ضد أي مرشح تفضله المؤسسة العسكرية. ومن المحتمل جدا أن تستمر إرادة "البوفوار" في ممارسة القوة الحقيقية في البلاد، عن طريق استبدال "بوتفليقة" بشخصية أخرى على نفس القدر من الاستعداد للخضوع والتنازل.

وفي حالة السودان، حيث بدأت الاحتجاجات في منتصف ديسمبر/كانون الأول، تم استبدال "البشير"، في 11 أبريل/نيسان، بمجلس عسكري انتقالي برئاسة اللواء "عوض بن عوف"، الذي فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، وأعلن أن الهيئة الانتقالية ستحكم البلاد لمدة عامين. ومع ذلك، بعد الاحتجاجات المستمرة من المعارضة التي تقودها "جمعية المهنيين السودانيين"، استقال "بن عوف"، ورشح الفريق "عبدالفتاح البرهان" رئيسا للمجلس. واستمرت المعارضة في المطالبة بتشكيل هيئة انتقالية مدنية، لكن الجيش لم يلب هذا المطلب.

ويعد الوضع السوداني مختلفا إلى حد ما عن الوضع في الجزائر. فمن ناحية، توفر قيادة "جمعية المهنيين السودانيين" درجة من التماسك للحركة المؤيدة للديمقراطية. ومن ناحية أخرى، بالنظر إلى دعم "البشير" والجيش من قبل بعض العناصر الإسلامية، ينقسم المجتمع السوداني بين الجماعات العلمانية والإسلامية، مما ينتقص من قدرة الحركة الديمقراطية على التصرف بطريقة موحدة. وكانت الفصائل الإسلامية على مقربة من "البشير" والجيش، لأن النظام خضع بشكل انتقائي لمطالباتها بفرض الشريعة. ومن المرجح أن يؤول هذا الصدع المجتمعي لصالح الجيش، لأنه لا يزال بإمكانه الاعتماد على دعم الإسلاميين مقابل العلمانيين.

ورغم أن الأطراف الخارجية لم تقفز بوضوح حتى الآن داخل المعركة في الجزائر أو السودان، فهناك احتمال أن يفعلوا ذلك في المستقبل القريب، مما يزيد الوضع تعقيدا. وتتمتع الجزائر بوجود ثروة نفطية، وتملك القوى الأوروبية، وخاصة فرنسا، حصة كبيرة في النتيجة السياسية في ذلك البلد. وفي عام 1992، عندما أجهض الجيش الانتخابات بمجرد توقع أنه من المرجح أن تفوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في صناديق الاقتراع، تدخلت فرنسا لدعم النظام العسكري. ومن المحتمل جدا أن تفعل ذلك مرة أخرى إذا شعرت أن سقوط النظام سيهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية في مستعمرتها السابقة.

وفي حالة السودان، من المرجح أن يتم جذب القوى الإقليمية، وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران، إلى المعركة، إذا تدهورت الظروف وظهر سيناريو صراع داخلي. وقد أشاد رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني "عبد الفتاح البرهان"، الثلاثاء، بعلاقات السودان الوثيقة مع السعودية والإمارات، خلال لقائه بوفد سعودي وإماراتي رفيع المستوى في الخرطوم. وقد تمت مكافأة السودان في الأعوام القليلة الماضية بمبلغ 2.2 مليار دولار لدعمه المجهود الحربي السعودي في اليمن.

وقد قطعت الخرطوم، التي كانت تربطها علاقات جيدة بإيران منذ عقود، العلاقات مع إيران مطلع عام 2016 مقابل مساعدات مالية سعودية، قبل انضمامها إلى المجهود الحربي الإماراتي في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وقد أتاحت الانتفاضة الديمقراطية في السودان لطهران الفرصة مرة أخرى لاستعادة نفوذها في البلاد، مما جعل من الضروري على الرياض تكثيف دعمها للنظام العسكري. وقد يصبح السودان، مثل اليمن، ساحة معركة أخرى للحرب السعودية الإيرانية بالوكالة في المنطقة.

ولا تبشر كل هذه العوامل، لا سيما عدم وجود تماسك أو قيادة في الحركات الديمقراطية، والدور الحاسم للجيش في العملية الانتقالية في كلا البلدين الخير لمستقبل الديمقراطية، في الجزائر أو السودان. ويبقى دخول الدعم الخارجي للجيش أيضا احتمالا واضحا في كلتا الحالتين، مما يجعل مهمة الحركات الديمقراطية أكثر صعوبة.

لكن يبقى السيناريو المصري حاضرا في عقول كل من الجزائريين والسودانيين. وكما تعلم المصريون بتكلفة كبيرة، لا يؤدي سقوط الحاكم تلقائيا إلى تغيير النظام الاستبدادي. حيث يصعب الإطاحة بأصحاب النفوذ الحقيقيين في النظام، وهم كبار القادة العسكريين. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال الضغط المستمر على مدى فترة طويلة، ووجود قيادة منظمة تنظيما جيدا على استعداد لتقديم تضحيات كبيرة ولا يبدو أن كلا الأمرين موجود في السودان أو الجزائر.

المصدر | محمد أيوب - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية