لماذا تمتد عصا القمع في مصر إلى الممثلين وصناع الترفيه؟

الجمعة 26 أبريل 2019 03:04 م

منذ الإطاحة بـ "محمد مرسي"، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، عام 2013، واصل الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" تضييق نطاق حرية التعبير لتعزيز حكمه الاستبدادي. ولم يعد القمع والتشويه والتحريض والرقابة يتم تنفيذها فقط من قبل الأجهزة الأمنية والسلطات المصرية. والآن، يستخدم نظام "السيسي" أيضا "نقابة المهن التمثيلية" للقضاء على خصومه ونقاده في صناعة الترفيه.

وكان أبرز أهداف هذه العلامة التجارية الجديدة لقمع المعارضة هما الممثلان المصريين البارزين "خالد أبو النجا" و"عمرو واكد" اللذين يتعتبران من أبرز الشخصيات التي انضمت إلى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 للمطالبة بالتغيير والإطاحة بالرئيس "حسني مبارك". وقد تعرضا في الآونة الأخيرة لانتقادات بسبب مواقفهما السياسية الصاخبة، وتحديدا بسبب انتقاداتهما لقمع "السيسي" للمعارضة.

"دسترة" السلطوية

وفي يومي 24 و25 مارس/آذار، انضم "أبو النجا" و"واكد" إلى أكثر من 100 مصري ومصري أمريكي لحضور اجتماعات مع أعضاء من وزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس، كجزء من "يوم الدفاع عن مصر".

وكان محور هذا الحدث هو زيادة الوعي بالتعديلات الدستورية المقترحة في مصر، والتي كان من شأنها أن تسمح لـ"السيسي" بالبقاء في السلطة لمدة 8 أعوام إضافية، بعد ولايته الثانية التي من المقرر أن تنتهي في عام 2022. ومؤخرا تم إقرار هذه التعديلات الدستورية التي ستدين الحكم العسكري، وتضعف سيادة القانون، وتقوض استقلال القضاء، وتزيد من عدد المحاكمات العسكرية التي تشمل المدنيين.

وخلال مؤتمر "إضفاء الطابع الدستوري على الاستبداد" في الكونغرس، دعا "واكد" و"أبو النجا"، إلى جانب عدد من المدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان، إلى "التضامن الدولي مع المصريين الذين يعيشون حاليا تحت الحكم العسكري".

ووصف "أبو النجا" التعديلات الدستورية المقترحة بأنها "مخزية"، وحث "كل شخص محب للسلام" على دعم المصريين الذين يكافحون ضد الطغيان "وراء قضبان الخوف وساحات السجن الفعلية"، وفقا لما أوردته "ميدل إيست آي". وتابع قائلا إن لقاء المسؤولين الغربيين بـ"السيسي"، في مناسبات مختلفة، دون مناقشة الوضع المأساوي لحقوق الإنسان في مصر، كان مخيبا للآمال للغاية، وأشار إلى أن المصريين يشعرون بأنهم "تم التخلي عنهم".

رد سريع من "السيسي"

وبعد ساعات قليلة من انتقادات "واكد" و"أبو النجا" لانتهاكات القاهرة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، قامت "نقابة المهن التمثيلية" المصرية بطردهما دون أي تحقيق. وفي بيان، وصفت النقابة تصرفات "واكد" و"أبو النجا" بأنها "خيانة كبيرة للوطن والشعب المصري"، متهمة إياهما "بالاستقواء بالقوى الأجنبية للتآمر على أمن مصر واستقرارها".

وأطلقت الحكومة المصرية أيضا حملة منهجية لتشويه سمعة الممثلين من خلال وسائل الإعلام الوطنية، واصفة إياهما بأنهما إرهابيان وخائنان، بل حتى لجأت بوصمهما بأنهما "مثليان".

وردا على بيان النقابة، كتب "واكد" تغريدة جاء فيها ما يلي: "لا ينبغي اتهام أي فنان أو مواطن عادي بالخيانة العظمى. وبدلا من ذلك، يجب توجيه الاتهام ضد كل مسؤول تلقى مدفوعات رمزية أو فعلية لبيع وطنه، وانتهك اليمين الدستورية، وسمح لدول أجنبية بالتدخل في سياسة بلاده".

ومن خلال استغلال نقابات صناعة الترفيه، تسعى السلطات المصرية إلى إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان، وتقويض كل الأصوات المؤثرة أو الناقدة، سواء داخل مصر أو خارجها.

حرية التعبير

وتنص المادة 47 من الدستور المصري على أن للمواطنين المصريين الحق في التعبير عن آرائهم بحرية، وأن على مؤسسات الدولة حماية ودعم الفنانين والتعبير الإبداعي. ومع ذلك، تتعارض المعاملة التي يتلقاها حاليا كل من "واكد" و"أبو النجا" بشكل مباشر مع القانون.

وفي بيان مشترك صدر في أوائل أبريل/نيسان، قامت "هيومن رايتس ووتش"، و8 منظمات أخرى، "بإدانة انتقام السلطات المصرية من واكد وأبو النجا وترهيبهما"، ودعوا الحكومة المصرية إلى وقف جميع أعمال الانتقام والاضطهاد التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المستقلة.

وذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن الانتقام التشهيري ضد "واكد" و"أبو النجا" جزء من حملة قمعية أوسع نطاقا وغير مسبوقة في مصر تستهدف الحقوق والحريات الأساسية. ومع ذلك، لا يقتصر استغلال النقابات كعصا لقمع السلطة على "نقابة المهن التمثيلية" فحسب، بل يشمل أيضا "نقابة الموسيقيين".

النقابات أدوات للاستبداد

وعندما قاد "السيسي" انقلابه على "محمد مرسي" عام 2013، وعد الشعب المصري بأنه سيسعى لتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والديمقراطية. وقد دعم كل من "واكد" و"أبو النجا" انقلاب "السيسي" العسكري في ذلك الوقت. لكن على مدار الأعوام القليلة الماضية، لم يف نظام "السيسي" بوعوده، وسبب خيبة أمل للكثير من المصريين.

وطبق "السيسي" سياسات وحشية ضد كل الفصائل السياسية والمعارضين. وتم خطف أنصار "محمد مرسي" من جماعة "الإخوان المسلمون"، وجماعات المعارضة السياسية، والمدونين، والصحفيين، والفنانين، والمفكرين، ونشطاء السلام، واعتقالهم واحتجازهم وتعذيبهم.

وكشف "واكد" أن محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن 8 أعوام بتهمة "نشر أخبار كاذبة" و"إهانة مؤسسات الدولة". وأضاف أن السفارة المصرية في "مدريد" رفضت أيضا تجديد جواز سفره. وبهذا يبدو أن استخدام "نقابة الممثلين" كأداة للاستبداد ليس الطريقة الوحيدة التي يقوم بها نظام "السيسي" بقمع حرية التعبير.

وفي مارس/آذار، منعت "نقابة الموسيقيين" المغنية "شيرين عبد الوهاب" من الغناء في مصر واستدعتها لاحقا للاستجواب، بعد تعليقاتها "المثيرة للجدل" في حفل موسيقي في البحرين. ويقال إن المغنية أخبرت الحضور: "هنا أستطيع أن أقول ما أريد. في مصر، يتم سجن أي شخص يتحدث". واعتبرت النقابة أن هذا يضر بالأمن القومي.

وكان تقرير "هيومن رايتس ووتش"، الصادر في أغسطس/آب 2018، قد وصف الأحداث في مصر بأنها "حملة لسحق الحرية الفنية". وذكر أن "السلطات المصرية اعتقلت أكثر من 10 أشخاص في حملة ضد الفنانين، ويبدو أنهم تجري محاكمتهم لممارستهم حرية التعبير".

كما أصدرت الحكومة مراسيم جديدة تحد بشكل كبير من حرية التعبير، وأضافت الأجهزة الأمنية والكيانات الحكومية المنشأة حديثا مستوى آخر من الرقابة لقمع الأصوات الناقدة على التلفزيون والأفلام والمسارح والكتب وفقا للتقرير نفسه.

ووفقا لتقرير آخر صادر عن جمعية حرية الفكر والتعبير، فقد انتهكت نقابات الممثلين والموسيقيين القانون رقم 35 لعام 1978 بشأن إنشاء النقابات العمالية والمهنية، عندما اتخذت إجراءات تأديبية ضد أعضائها دون إجراء تحقيق داخلي في التهم المنسوبة إليهم.

وتشير الحملة غير المسبوقة على المعارضة إلى أن مصر تتجه أكثر نحو الاستبداد، فلقد استخدم نظام "السيسي" كل الوسائل الممكنة لإسكات المعارضة ومهاجمة أي شخص يجرؤ على انتقاد البلاد وقادتها، وعلى الرغم من أن العالم يدين بشدة حملته لإسكات المعارضة، إلا أنه لم يتحرك فعليا لمنعه من تمديد ولايته بتعديل الدستور.

المصدر | هلال الجمرة - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية