هل سيتنازل المجلس العسكري عن السلطة للمدنيين في السودان؟

الأحد 28 أبريل 2019 05:04 ص

بعد 30 عاما من دكتاتورية "عمر البشير" وطغيانه، يبدو المشهد السياسي السوداني أكثر تعقيدا مما يعتقد المراقبون. وتمت الإطاحة بـ"البشير" عبر انقلاب عسكري، نظامه مستمر في شكل مختلف نتيجة لمحاولة يائسة من فلوله لإعادة إنتاج نفسه. وكان جيل الألفية في قلب هذا التغيير وقادت الشابات، على وجه الخصوص، العديد من الاحتجاجات في الشوارع في وقت بدا فيه أن الأجيال الأكبر سنا قد فقدت الأمل في أن التغيير ممكن في حياتها.

ورغم ذلك لا تزال هناك العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة: ما هي السيناريوهات السياسية المحتملة في أعقاب إقالة "البشير"؟ كيف يمكن للسودانيين تحقيق الأهداف التي حددوها لأنفسهم وخاصة هدف العيش في دولة ديمقراطية؟ للإجابة على هذه الأسئلة، من الضروري تقدير القوى التي تحرك التغيير السياسي في السودان اليوم وتفاعلاتها من حيث المنافسة والتعاون في تشكيل مستقبل البلاد. وتشمل هذه القوى الثوار في الشوارع والمعارضة السياسية والمجلس العسكري الحاكم بالأمر الواقع وأصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين.

شباب السودان الثوري

وتعد القوة الدافعة الرئيسية في ثورة السودان هي الشباب، وخاصة جيل الألفية. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2018، قاد الاحتجاجات بشكل أساسي جمعية المهنيين السودانيين والتحالف من أجل الحرية والتغيير. ومع ذلك، فقد ساهم الشباب وجيل الألفية بشكل كبير في نجاح الاعتصامات التي أدت إلى سقوط "البشير" وخلفه وزير الدفاع "عوض بن عوف" الذي تم إجباره على التنحي بعد يوم من قيادة الانقلاب ضد "البشير". وأوضح المتظاهرون بقيادة زعماء جمعية المهنيين والتحالف من أجل الحرية أنه لا ينبغي لأحد مغادرة الشوارع حتى يسلم الجيش السلطة لحكومة مدنية.

من المهم أن نلاحظ أن شريحة كبيرة من المتظاهرين الشباب ليست مرتبطة بأي مجموعات سياسية معروفة وبعضهم لا يهتم بالسياسة. وما جعلهم جزءا من هذه الاحتجاجات، سواء في أحيائهم أو في المدارس والجامعات والشوارع، كان عاملا واحدا فقط وهو اعتقادهم بأن السودانيين يستحقون مستقبلا أفضل ويحتاجون إلى امتلاك الحق في تقرير مصيرهم. وقد وضع الشباب ثقتهم في جمعية المهنيين لقيادة وتنظيم المواكب والاحتجاجات على الرغم من أن قادة الجمعية لم يكونوا معروفين؛ في الواقع، بقيت أسماءهم مجهولة حتى اليوم الذي أعلن فيه الجيش أن "البشير" قد تم إزالته من السلطة.

غالبا ما ينتظر الشباب بصبر إعلانات جمعية المهنيين لإخبارهم بما يجب عليهم فعله بعد ذلك. ويعبر ذلك عن أزمة هذا الجيل المحتج الذي فقد الثقة في السياسيين وفي مصداقية الأحزاب السياسية. لذا فقد تمكنت جمعية المهنيين من ملأ الفراغ التعبوي في صفوف الشباب وزيادة مستوى وعيهم السياسيواستعادة ثقتهم. ولكن ذلك يعني أن أي مفاوضات لتسليم السلطة للمدنيين بين جمعية المهنيين وتحالف الحرية من ناحية والمجلس العسكري الانتقالي من ناحية أخرى، يجب أن يتم إشراك الشباب فيها وأن يلعبوا دورا قياديا في قيادة الانتقال السياسي والحكومة.

المعارضة السياسية

وتتمثل ثاني أهم قوة دافعة في جمعية المهنيين وتحالف الحرية. وتم إنشاء جمعية المهنيين في أكتوبر/تشرين الأول 2016 عندما اتحدت 3 من أكبر الجمعيات المهنية في السودان وقامت بتشكيل ميثاق تحالف ضم في البداية أطباء وصحفيين ومحامين ثم انضم إليه فيما بعد عدد كبير من الهيئات والجمعيات المهنية.

أما تحالف الحرية والتغيير فيضم تشكيلة من المؤسسات المعارضة الرئيسية التي وقفت وراء الاحتجاجات الجماهيرية في السودان. ولا يشمل ذلك فقط الأحزاب السياسية ولكن أيضا منظمات المجتمع المدني ومجموعات الشباب والجمعيات المهنية (بما في ذلك جمعية المهنيين نفسها). ويقود كل من جمعية المهنيين والتحالف حاليا المفاوضات مع المجلس الانتقالي ويمكن وصفهما بمزيد من الدقة على أنهما المعارضة السياسية الفعلية على أرض الواقع.

وكان المطلب المبدئي لهما هو تشكيل حكومة انتقالية وطنية تتألف من أفراد مؤهلين على أساس الجدارة وحسن السمعة، يمثلون مختلف المجموعات السودانية ويتلقون إجماع الأغلبية. وفي 18 أبريل/نيسان، صدر بيان مشترك حول تشكيل حكومة مدنية انتقالية. وقالت الجمعية والتحالف وغيرها من الجماعات التي تقف وراء الاحتجاجات إن الحكومة الانتقالية الجديدة يجب أن تتألف من مجلس رئاسي مكلف بتنفيذ مهام الدولة ومجلس وزراء ومجلس تشريعي مدني انتقالي. 

للوهلة الأولى، يبدو أن المعارضة التي يمثلها كل من تجمع المهنيين وتحالف الحرية والتغيير موحدة خلف رؤية واضحة إلى جانب برنامج شامل للتغيير. لكن ما زال مجهولا هو كيفية التوصل إلى توافق في الآراء ليس فقط على المستوى النظري، ولكن الأهم من ذلك على المستوى العملي. كيف يمكن تحويل الإطار المقترح من قبل المعارضة للفترة الانتقالية إلى خطة عمل قابلة للحياة يمكن أن توافق عليها المجلس الانتقالي؟ ويشمل ذلك أسماء الأعضاء المقترحين لعضوية المجلس الرئاسي، وهل تلبي هذه الأسماء توقعات الجميع؟

وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، أصبحت السياسة السودانية مستقطبة بشكل واضخ وغالبا ما يركز النقاش دائما على هوية الدولة. كان هناك أيضا انقسام حول ما إذا كان السودان دولة متجانسة أو بلد متعدد الأعراق ومتعدد الأديان. وكلما زاد الوقت الذي تستغرقه المعارضة في صياغة وتطوير خطة انتقالية مدروسة بعناية وإبلاغها بشكل صحيح إلى المتظاهرين في الشوارع، كلما أصبح من الصعب عليهم مواصلة الاعتصامات. وإذا فقدت الاعتصامات زخمها، ستفقد المعارضة بعد ذلك ورقة مساوماتها ما سيمنح المجلس الانتقالي فرصة لتقديم ذرائع لعدم تسليم السلطة إلى مجلس مدني انتقالي. هذا، بالطبع، بافتراض أن المجلس الانتقالي على استعداد للتشاور والتفاوض بجدية حول الأمر.

في 21 أبريل/نيسان، كان من المفترض أن تقوم المعارضة (ممثلة في الجمعية والتحالف بتسمية أعضاء في سلطة انتقالية لتحل محل المجلس الانتقالي. بدلا من ذلك، قالت المعارضة إنها تعلق المفاوضات مع المجلس الانتقالي ودعت إلى تصعيد الاحتجاجات لمواصلة الضغط على المجلس الحاكم. وجادلوا بأن المجلس الانتقالي يرغب في إجراء مزيد من المحادثات والمشاورات مع الجماعات والأحزاب السياسية التي تعتقد الجمعية والتحالف أنها تمثل الحزب السياسي المنحل للبشير (أي الشخصيات والأحزاب السياسية التي كانت جزءا من حكومة البشير قبل الإطاحة به). بعد أيام، أصبح فشل الجمعية والتحالف في كشف النقاب عن أسماء المرشحين للمجلس الرئاسي المقترح خيبة أمل كبيرة لحشود تجمعوا في المقر العسكري. في اليوم نفسه، قال الفريق "عبد الفتاح البرهان" رئيس المجلس الانتقالي للتلفزيون الرسمي إن المجلس الانتقالي ملتزم بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية.

كان المجلس الانتقالي واضحا أنه سيقبل حكومة بقيادة مدنية برئاسة رئيس الوزراء من المعارضة. في الواقع، فقد دعا المحتجين إلى الاتفاق على رئيس وزراء مدني لتشكيل الحكومة (لكنه قال إنه سيحتفظ بوزارتي الداخلية والدفاع). كما قدم المجلس الانتقالي بعض التنازلات للمتظاهرين، مثل عزل 3 من كبار المدعين العامين في البلاد، ورئيس القضاة، وكبار الجنرالات في جهاز المخابرات والأمن الوطني ووافق على تعيين رئيس مخابرات جديد. كما اعتقل المجلس الانتقالي العديد من أعضاء الحزب الحاكم السابق للرئيس المخلوع "عمر البشير" إلى جانب الرئيس. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات تجميلية ولا تغير الطبيعة الأساسية للنظام.

تهدف سلسلة حملات القمع التي قام بها المجلس الانتقالي ضد مسؤولين من إدارة البشير إلى إرضاء المحتجين الذين يريدون من المجلس الانتقالي تسليم السلطة إلى مجلس رئاسي يهيمن عليه المدنيون حيث لا يبدو أن المجلس الانتقالي على استعداد لتقديم تنازلات بهذه الطريقة. خلال المقابلة التي أجراها مع التلفزيون الحكومي، قال الفريق "البرهان" إن المجلس العسكري تلقى أكثر من مائة مقترح من مختلف الأحزاب والجماعات السياسية، والتي يدرسها المجلس الانتقالي حاليا. هذا ليس واعدا، حيث كان البرهان واضحا أن على جميع الأحزاب السياسية أن تتوصل إلى بعض الإجماع. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هناك بعض التخفيف من المواقف، حيث أعلن المجلس العسكري في 24 أبريل/نيسان أن 3 من أعضائه -جميعهم من الموالين للبشير- قد استقالوا بينما وافقت المعارضة على استئناف المفاوضات حول أجندة انتقالية.

الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية

على الصعيد الإقليمي، حصل المجلس الانتقالي على دعم قوي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي تضمن أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات. تربط الدولتان علاقات مع "عبدالفتاح البرهان" ونائبه "محمد حمدان دقلو"، اللذين يشرفان على القوات السودانية التي تقاتل في اليمن. وقد قام مسؤولون من البحرين ومصر بزيارة الخرطوم ونقلوا رسالة دعم من قادة الدولتين. وبالمثل، وافق القادة الأفارقة المجتمعون في القاهرة على منح المجلس الانتقالي للسودان مزيدا من الوقت لتنفيذ الإصلاحات الديمقراطية.

من المؤكد أن اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر سيضفون الشرعية السياسية على المجلس العسكري وسيعززون موقفه التفاوضي على حساب المعارضة كما أن الدعم السياسي والاقتصادي الإقليمي يعد متوقعا لأسباب أمنية وسياسية. ويبقى استقرار السودان مصدر قلق لكل قوى المنطقة. ومع ذلك، قد لا يكون وجود حكومة مدنية في السودان أولوية بالنسبة لبعض الدول العربية، على الأقل في الوقت الحالي وجدير بالذكر أن سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا والاتحاد الأوروبي قد اجتمعوا مع المجلس العسكري الحاكم للحث على التشكيل السريع لحكومة مدنية انتقالية.

سيستمر أصحاب المصلحة الإقليميون والدوليون في تبني وجهات نظر متباينة على نطاق واسع حول ما ينبغي أو لا ينبغي أن يفعله المجلس الانتقالي. من جانبهم، يجب ألا يفقد السودانيون تركيزهم ويجب أن يستعدوا لمواصلة مسيرتهم الطويلة نحو الحرية. قد يكون المجلس الانتقالي والمعارضة قد دخلوا عن غير قصد في صراع على السلطة وغابوا عن حقيقة أنه ينبغي أن يكون لديهم أهداف مماثلة. في كثير من الأحيان، يتم تصور العلاقة بين الجيش والمدنيين على أنها صراع على السلطة وترتيب هرمي. ولكن المعركة الآن تدور حول مستقبل السودان وليس أي شيء آخر.

المصدر | عبد الخالق شايب - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية