فورين بوليسي: لماذا تحب الولايات المتحدة الحكام المستبدين؟

الأحد 28 أبريل 2019 05:04 ص

الأسبوع الماضي، أصدر البيت الأبيض نسخته المقروءة من مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" و"خليفة حفتر"، القائد الليبي المنخرط حاليا في جهد عنيف للاستيلاء على العاصمة طرابلس والإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا هناك.

وخلال حديثهما، تحدث الاثنان عن "الحاجة إلى تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا"، واعترف "ترامب" "بدور المشير حفتر المهم في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد النفط الليبية، وجهود انتقال ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي".

ولقد كان هذا بمثابة تأييد لسعي "حفتر" عبر 5 أعوام لتقديم نفسه كزعيم لليبيا.

وكانت السياسة الأمريكية في السابق تدعم الحكومة الليبية التي يسعى "حفتر" لإزاحتها الآن.

وفي الواقع، قبل أسبوع واحد فقط من المكالمة الهاتفية، التي حدثت في 15 أبريل/نيسان ولكن لم يتم الكشف عنها حتى 19 أبريل/نيسان، قال وزير الخارجية "مايك بومبيو" مرة أخرى إنه لا يوجد حل عسكري لأزمة ليبيا.

ويعزز هذا الانطباع بأن "ترامب" قد كسر قواعد السياسية الخارجية واستبدلها بجهوده وآرائه الشخصية كرئيس.

ومع ذلك، يتفق دعم "ترامب" للمستبد المحتمل في ليبيا تماما مع سجل الرئيس نفسه والممارسات الأمريكية السابقة.

في أحضان الاستبداد

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1979، كتبت "جين كيركباتريك"، التي كانت في ذلك الوقت أستاذة في جامعة جورج تاون، وأصبحت فيما بعد أول ممثلة دائمة للرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" في الأمم المتحدة، مقالة في مجلة "كومنتاري"، بعنوان "الديكتاتوريات والمعايير المزدوجة"، أكدت فيها أن الولايات المتحدة أصبحت سلبية للغاية في العالم.

ومن وجهة نظر "كيركباتريك"، قبلت إدارة "كارتر" الإطاحة بـ"أناستاسيو سوموزا" في نيكاراغوا، وشاه إيران، بسبب الاعتقاد بأن التغييرات الجارية في هذه المجتمعات كانت نتيجة لقوى التحديث التاريخية، التي لا تستطيع الولايات المتحدة السيطرة عليها.

وكانت هناك رغبة من جانب المسؤولين الأمريكيين، بحسب "كيركباتريك"، في تجنب الوقوف في "الجانب الخاطئ من التاريخ".

وقد طرحت المقالة قضية ضد رئيس أمريكي يتمتع بالثقة، والذي قبل عن طيب خاطر احتضان الحركات الثورية، مثل "الساندينيستا" في نيكاراغوا، لصياغة أنظمة سياسية واقتصادية أكثر عدالة، ما قلل من شأن التهديد الذي تمثله هذه المجموعات على المصالح الأمريكية، بالنظر إلى روابطها مع الاتحاد السوفييتي.

وفي وقت لاحق، تحولت تجربة نيكاراغوا إلى نهج للسياسة الأمريكية، فعندما واجه الحلفاء المستبدون معارضة شعبية وإن كانت عنيفة وسلطوية، ضغطت عليهم الإدارة في البداية لإصلاح الأمر في خضم الأزمة، ثم تخلت عنهم فعليا.

لقد تخلت أمريكا عن الدول التي كانت ذات يوم حليفة لتتلقفها أيدي سلطويين جدد لكنهم معادون للولايات المتحدة، وهو ما قبله الرئيس "جيمي كارتر" ومستشاروه كنتيجة حتمية للتحديث.

وكانت حلول "كيركباتريك" لهذه المعضلة السياسية واضحة: كان لابد من تجاهل نظريات التحديث، التي كانت ذات مصداقية بين الأكاديميين، والاعتراف بأن السوفييت كانوا وراء العديد من الحركات الثورية في العالم النامي.

فلم يكن "الساندينيستا" جزءا من عملية التحديث التاريخية، بل من مكائد موسكو، وبالتالي كان يجب معارضتهم.

وأخيرا، والأكثر صلة بالمكالمة الهاتفية الأخيرة التي أجراها "ترامب" مع "حفتر"، قالت إن الطغاة الأصدقاء للولايات المتحدة قد يكون لديهم أوجه قصور، لكنهم يستحقون دعم واشنطن، لأنهم "أكثر توافقا مع المصالح الأمريكية".

وأشارت أيضا إلى أن المستبدين المؤيدين للولايات المتحدة كانوا أكثر قبولا للإصلاح من الحركات الثورية التي دافع عنها الاتحاد السوفييتي والليبراليون الأمريكيون.

وقد استشهدت "كيركباتريك" بالبرازيل والأرجنتين وشيلي كأمثلة، على الرغم من أن الأحداث التي وقعت بعد وفاتها بفترة طويلة - توفيت في عام 2006 - خاصة في الشرق الأوسط، كان من المحتمل أن تخفف من تفاؤلها.

المعايير المزدوجة

وفي شهادة على التأثير المستمر لـ"الديكتاتوريات والمعايير المزدوجة"، تصل أصداء حجة "كيركباتريك" إلى النقد الذي تعرض له نهج الرئيس "باراك أوباما" في التعامل مع الانتفاضات العربية، التي بدأت في أواخر عام 2010، وما إذا كان قرار "ترامب" الواضح بالوقوف إلى جانب "حفتر" في ليبيا صحيحا أم لا.

وجاء "ترامب" إلى منصبه حاملا بعض الأفكار الأساسية حول العالم التي يجب أن تكون الآن مألوفة للجميع، ومنها أن الصين لا يمكن الوثوق بها، وأن حلفاء الولايات المتحدة يستغلونها، وأن المهاجرين يقوضون تماسك المجتمع، وأن النظام أكثر أهمية من الحقوق، وختاما أن الإسلام وأتباعه يميلون إلى العنف.

وقد قادت هذه النظرة للعالم الرئيس إلى احتضان قادة يمينيين شعبويين أو سلطويين استبدايين مثل المجري "فيكتور أوربان"، و"ناريندرا مودي" في الهند، والفلبيني "رودريغو دوترتي"، و"عبدالفتاح السيسي" في مصر، و"محمد بن سلمان" في السعودية، والآن "حفتر" في ليبيا.

ويرى "ترامب" في "حفتر" - الذي تعرضت قواته لهزيمة مذلة على أيدي التشاديين قبل 3 عقود - حليفا مناسبا لأنه يحارب الإسلاميين بلا هوادة، سواء من الدولة الإسلامية أو جماعة الإخوان المسلمين، ويحافظ على تدفق النفط بينما تحاول الإدارة الأمريكية خنق الصادرات الإيرانية، وهو ما يجعله رهانا مفضلا لجلب الاستقرار إلى ليبيا.

وبالنسبة لـ"ترامب"، قد يكون "حفتر" والآخرون أوغادا، لكنهم على الأقل يتعاونون مع الولايات المتحدة.

وعلى النقيض من ذلك، هناك أمثال "نيكولاس مادورو" الفنزويلي، والكوبي "ميغيل دياز كانيل"، اللذين يرفضان الانضمام إلى تحالف أمريكي واسع النطاق في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وهناك بالطبع الكثير من المفارقات في هذا العالم المليء بالازدواج، وقد انتقل الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" من صدارة قائمة أعداء "ترامب" إلى شريك له في قمة امتلأت بالابتسامات المتبادلة، دون تغيير في سياسات بيونغ يانغ النووية.

ثم هناك علاقات الرئيس الشخصية مع "فلاديمير بوتين" في روسيا، و"شي جين بينغ" في الصين، والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، والتي كانت جميعها إيجابية، على الرغم من أن الثلاثة يعتبرون أن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يتنافى مع مصالحهم.

وصحيح أن علاقات أمريكا الحالية مع المستبدين تبدو كأنها من ابتكار "ترامب"، لكنها تعد امتدادا لدعوات "كيركباتريك"، وما اتبعه الرؤساء "ريغان" و"جورج بوش الأب" و"بيل كلينتون" و"جورج دبليو بوش" و"أوباما".

وقبل أن يكون هناك "دوترتي"، كان هناك "فرديناند ماركوس"، وقبل "السيسي" كان هناك "حسني مبارك"، وقبل "محمد بن سلمان" كان هناك أعمام، وقبل "حفتر" كان هناك "معمر القذافي".

ويمكن للمرء أن يناقش ما إذا كانت هذه العلاقات تستحق العناء فيما يتعلق بتحقيق المصالح الأمريكية، لكن علاقات واشنطن بالسلطوية كانت ولا تزال قوية.

غير أن احتضان "ترامب" للطغاة والمستبدين يبدو واضحا بشكل خاص، لأن هذا هو العصر الذي تتراجع فيه الديمقراطية، في الوقت الذي يناصر فيه رئيس الولايات المتحدة أبرز المسؤولين عن ذلك التراجع.

المصدر | ستيفن كوك - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية