ما الذي تعنيه نتائج انتخابات المجلس البلدي المركزي في قطر؟

الاثنين 29 أبريل 2019 11:04 ص

توجه المواطنون القطريون إلى صناديق الاقتراع في 16 أبريل/نيسان لاختيار أعضاء الهيئة التشاورية الوحيدة المنتخبة في البلاد، وهو المجلس البلدي المركزي. والمجلس هو عبارة عن جمعية مكونة من 29 عضوا تقدم المشورة للسلطات في الشؤون المحلية، لكنها لا تمتلك صلاحيات تشريعية أو تنفيذية. وكانت هذه الانتخابات هي السادسة منذ تأسيس المجلس عام 1999، والأولى منذ الحصار المفروض على قطر منذ يونيو/حزيران 2017 من قبل الدول العربية المجاورة.

وقد أعطت الأزمة الدبلوماسية المستمرة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي أهمية خاصة لانتخابات الشهر الماضي. ودفع الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعبئة غير مسبوقة بين المواطنين القطريين العاديين لدعم الدولة، متحدين الجهود المتضافرة من قبل دول الحصار لتقويض شرعية القيادة السياسية. وعلى هذا النحو، يمكن اعتبار الاهتمام العام بالانتخابات اختبارا لإمكانية ترجمة المشاركة الشعبية المتزايدة في الحوار السياسي، التي شوهدت منذ يونيو/حزيران 2017، إلى مشاركة مناسبة في الساحة السياسية.

وتقدم البحرين المجاورة مثالا لما نتحدث عنه. ففي عام 2011، أثارت انتفاضة جماهيرية يقودها الشيعة حركات سنية مضادة، كانت تهدف في البداية إلى الدفاع عن الدولة ضد الثورة، لكنها تحولت لاحقا إلى جماعات شعبية، ثم إلى مؤسسات بدأت في التعبير عن مطالب سياسية خاصة بها. وخوفا من أن يحقق هؤلاء الممثلين الجدد الفعالين نجاحا في أول انتخابات برلمانية في البحرين بعد الانتفاضة في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعادت الحكومة على عجل إعداد الحواجز والقوانين الانتخابية، وانخرطت في تدابير أخرى لتقويض مرشحي تلك المؤسسات، التي لم تفز حتى بمقعد واحد.

لكن نتائج انتخابات المجالس البلدية في قطر لعام 2019 ترسم صورة معاكسة. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المواطنين الذين صوتوا قد انخفض بنسبة 9% مقارنة بالانتخابات الأخيرة في عام 2015، من 1470 إلى 1334 فقط، أي نحو مواطن واحد من كل 13 مواطن قطري بالغ. ويشير هذا الإقبال إلى أن المواطنين القطريين قد أصبحوا أقل انخراطا في الانتخابات والعملية السياسية الرسمية في أعقاب أزمة مجلس التعاون الخليجي.

وتقدم النتائج التي توصل إليها استطلاع الرأي الوطني، الذي أجراه معهد أبحاث المسح الاجتماعي والاقتصادي في جامعة قطر، بعض الأفكار عن أسباب امتناع القطريين عن التصويت عام 2019. ومن بين المجيبين الذين قالوا إنهم لا يعتزمون المشاركة في الانتخابات، ذكر نحو الثلث أن السبب ضيق الوقت، في حين أجاب ثلث آخر أن المجلس البلدي يفتقر إلى سلطة التأثير على السياسة، وقال ما يقرب من 15% إنه لا يفضل أيا من المرشحين. وجدير بالذكر أن قلة قليلة من المجيبين، أقل من 10%، قد نسبوا عدم مشاركتهم في انتخابات عام 2019 إلى الاعتقاد بأن "التصويت والانتخاب ليسا أفضل طريقة لمعالجة القضايا المهمة".

وهكذا يبدو أن القطريين ليسوا فقط غير مهتمين بانتخابات المجلس البلدي ولكن بالانتخابات عموما. ويثير هذا تساؤل حول المجلس التشاوري الآخر في قطر، وهو مجلس الشورى المؤلف من 45 شخصا. وعلى عكس الدور المحدود وانعدام السلطة التي يتمتع بها المجلس البلدي، يتمتع مجلس الشورى، من بين سلطات أخرى، بالسيطرة على الميزانية العامة. وعلى الرغم من أن مجلس الشورى عادة ما يكون سهل الانقياد، إلا أنه لا يزال مؤثرا في مسائل السياسة الداخلية، وقد عدل من بعض التشريعات بل وأقر بعضها، وأبرزها إصلاحات العمل، التي قد تتحدى الوضع المميز للقطريين في المجتمع وفي قطاع الأعمال.

ومنذ تشكيل مجلس الشورى عام 1972، نص دستور قطر على الانتخاب المباشر لأعضائه. ومع ذلك، واصلت الدولة تأجيل الانتخابات عبر التذرع ببند يسمح بتمديد ولاية المجلس المعين "إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك". وفي الآونة الأخيرة، بعد الانتفاضات العربية في عام 2011، تعهدت السلطات بإجراء انتخابات لثلثي الهيئة في غضون عامين، ولكن تم تمديد فترة عضوية المجلس الحالي مرتين، حتى 2019.

إذن، هل يكون العزوف عن المشاركة في الانتخابات البلدية في قطر علامة على الاستياء المتزايد من طول أمد تأجيل انتخابات مجلس الشورى؟ حسنا، تشير بيانات الرأي العام إلى خلاف ذلك. وفي دراسة عام 2019، قال أقل من نصف القطريين، نحو 45%، إنهم سيكونون "مهتمين للغاية" بالمشاركة في انتخابات مجلس الشورى إذا تم إجراؤها، مقارنة مع ما يعادل 41% من المشاركين في الاستطلاع نفسه قبل 4 أعوام، عام 2015. والأهم من ذلك، أن استطلاع 2019 سأل المجيبين مباشرة عما إذا كانوا يرغبون في انتخاب أعضاء مجلس الشورى أو الإبقاء على المجلس المعين. وأشار ربع المواطنين فقط إلى تفضيلهم للانتخابات، حيث أفاد ثلثاهم بتفضيل تشكيل مجلس شورى معين، ولم يحسم نحو 10% أمرهم.

وتشير هذه النتائج إلى تفسير آخر محتمل للامبالاة القطريين تجاه انتخابات المجلس البلدي لعام 2019، وفي الواقع نحو المشاركة السياسية الرسمية عموما. وهو نوع مختلف من تأثير الحصار المستمر منذ عامين؛ حيث يفضل القطريون بشكل متزايد الأمن والاستقرار السياسي في وقت تزداد فيه المخاطر وعدم اليقين. وعلى سبيل المثال، أظهرت الأبحاث السابقة التي بحثت تأثير احتجاجات الربيع العربي في قطر، انخفاضا في الأهمية التي يوليها القطريون للديمقراطية، وثقتهم في مؤسسات الدولة بعد عام 2011، كرد فعل عنيف على آثار الثورات الدامية التي ظهرت في البحرين ومصر وليبيا وسوريا وغيرها. وبالمثل، قد انخفضت أولوية المشاركة الانتخابية لدى المواطنين منذ الحصار في يونيو/حزيران 2017، مع رغبة المزيد من الرجال والنساء في ترك الدولة تحكم وحدها دون تدخل.

ومن المرجح أن تتعزز هذه الآراء من خلال نجاح الحكومة في عزل القطريين العاديين عن الآثار الاقتصادية لأزمة مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من المقاطعة التي تقودها السعودية، فقد زاد متوسط ​​دخل الأسرة، وفق استطلاعات معهد أبحاث المسح الاجتماعي والاقتصادي، فعليا منذ عام 2017، مما قلل من الجهود التي تبذلها دول الحصار لإثارة المظالم السياسية الداخلية عبر المصاعب المالية. علاوة على ذلك، في الوقت الذي فرضت فيه السعودية والإمارات، ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ضريبة بنسبة 5% على السلع والخدمات لمعالجة العجز المالي، استخدمت قطر طارئ الحصار لتأخير الإصلاح غير الشعبي. ومع توقع أن تصل إيرادات الموارد إلى أكثر من 150 ألف دولار لكل مواطن في عام 2019، فإن قطر، على عكس جيرانها الخليجيين، قادرة على الانتظار.

ومع ذلك، لا يشير الافتقار المتزايد إلى الاهتمام الانتخابي في قطر منذ الحصار بالضرورة إلى الركود السياسي. وهنا، تأتي نتائج انتخابات المجلس البلدي المركزي، وليس المشاركة، لتعطي مؤشرات مفيدة. وفقد العديد من الأعضاء القدامى من العائلات والقبائل ذات النفوذ، بما في ذلك نائب رئيس المجلس لمدة 4 أعوام، كراسيهم لصالح المرشحين الشباب غير المعروفين نسبيا. وشهد مجلس الشورى أيضا تدفق المعينين من التكنوقراط على حساب الأعضاء القبليين كنتيجة لعملية تعديل لائحي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كما ضم المجلس لأول مرة 4 نساء. وقد أبدى مجلس الشورى الجديد استعدادا متزايدا لممارسة سلطته في استجواب وزراء الحكومة، مما زاد من احتمال وجود هيئة تشريعية تتمتع بسلطة أكبر حتى وإن لم يتم انتخابها بعد.

ويشير كل هذا إلى أن الجمهور القطري يبقى مهتما بحكومة سريعة الاستجابة وخاضعة للمساءلة، لكنه لا يتصور ذلك بالضرورة عبر التصويت. وعند سؤال الجمهور في استطلاع عام 2019 لتسمية أهم سمة من سمات الديمقراطية، أجاب أكثر من 40% بأن "تضمن الحكومة النظام وحكم القانون". ويعتقد ربع المواطنين أن الديمقراطية تعني أن تضمن الدولة وظائف للجميع. وحدد نحو 10% فقط من القطريين أن الانتخابات الحرة متعددة الأحزاب هي أهم سمة من سمات الديمقراطية. وقد يؤدي النشاط الشعبي الذي شهدته قطر منذ الأزمة الخليجية في نهاية المطاف إلى شكل أكثر تشاركية من المواطنة، ولكن ليس من المؤكد تماما أن يأتي هذا في سياق سياسي محلي.

المصدر | جاستن غيغلر وماجد الأنصاري - المونيتور

  كلمات مفتاحية

انتخابات المجلس البلدي في قطر.. 110 مرشحين بينهم 4 سيدات يتنافسون بـ 29 دائرة