لماذا تتباطأ خطط الجامعة العربية لإعادة احتضان نظام الأسد؟

الخميس 2 مايو 2019 03:05 م

رغم التنبؤات واسعة النطاق بأن المناقشات حول عودة سوريا المتوقعة للجامعة العربية بعد تعليقها عام 2011 كان من المفترض أن تهيمن على القمة الـ 30 للمنظمة الشهر الماضي في تونس، إلا أنها لم تفعل.

وبدلا من ذلك، حظيت مجموعة أخرى من القضايا بالجزء الأكبر من الاهتمام، مثل موقف الإدارة الأمريكية من مرتفعات الجولان، والهجمات الإسرائيلية على غزة، والحرب الأهلية اليمنية، والأزمة السياسية في الجزائر.

وبالتالي، تبقى عضوية سوريا معلقة من جامعة الدول العربية. ومع ذلك، لا يزال عدد متزايد من الدول الأعضاء يفضل أن تعود دمشق بعد كل هذه الأعوام من العزلة، وليس هناك سبب لتوقع أن تغير موقفها. علاوة على ذلك، من المرجح أن يتوصل عدد أكبر من الدول الأعضاء إلى استنتاج مفاده أن انتصار "بشار الأسد" في الحرب الأهلية السورية يتطلب التصالح مع حتمية إعادة قبول حكومته في الساحة الدبلوماسية في العالم العربي.

ومع تبني المزيد من الدول في العالم العربي هذا الموقف، تبقى هناك بعض القضايا الصعبة التي تنتظر عودة النظام السوري إلى الجامعة، وسيكون على أعضاء الجامعة مواجهة التداعيات الإقليمية لهذه العودة. فإيران، التي تعتبر بقاء "الأسد" انتصارا لها، من المرجح أن تحصل على مزيد من التشجيع بعد عودة سوريا إلى الجامعة.

ومن المحتمل أن ترى الجمهورية الإسلامية في بقاء النظام السوري شهادة على قدرة إيران على تحقيق أهدافها السياسية في العالم العربي من خلال سياسة خارجية جريئة، وكذلك علامة على ضعف المملكة العربية السعودية، عدو إيران اللدود.

وتلعب العوامل المحلية في الدول العربية دورها أيضا. ويجب على الحكومات العربية، التي تبدو راغبة في مسامحة "الأسد" على ما ارتكبه على مدار الأعوام الـ 8 الماضية، أن تتعامل مع التناقض الملحوظ في احتضان النظام السوري الآن رغم المعاداة السابقة. وعلى كل حال، فمنذ عام 2011، أمعنت العديد من وسائل الإعلام والشخصيات السياسية والدينية البارزة في جميع أنحاء العالم العربي السني، ولا سيما في الخليج، في إدانة "الأسد" بصوت عال بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، حيث تمت الإشارة إليه باستمرار بأنه "جزار" أو "سفاح" فقد شرعيته.

قضية خلافية

ومن المؤكد أنه على الرغم من أن الاتجاه الإقليمي لا يزال في صالح إعادة قبول الحكومة السورية، لا يوجد إجماع في الوقت الحالي على هذه المسألة. وربما ينتهي عام 2020 قبل الوصول إلى مثل هذا الإجماع.

ويوضح انتهاء اجتماع كل من الوزراء العرب في عمان في أواخر يناير/كانون الثاني، وقمة الجامعة العربية الأخيرة، دون أي اتفاق بشأن مسألة عودة "الأسد" كيف أن القضية لا تزال مثيرة للخلاف، على الأقل في الوقت الراهن.

وبين دول الخليج، لم تقم قطر والسعودية والكويت بإعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بعد. وبالنسبة للدوحة والرياض، التي قدمت كل منها معظم دعم الخليج للمعارضين، تتعلق أسباب عدم إعادة العلاقات مع الحكومة السورية بشكل أساسي بحقيقة أن الظروف والعوامل التي أدت إلى طرد دمشق من جامعة الدول العربية لم تتغير. وعلى الرغم من الأزمة في العلاقات السعودية القطرية، تبقى الرياض والدوحة على نفس الصفحة فيما يتعلق بالموقف من سوريا.

ومع ذلك، على الرغم من أن قطر استبعدت في يناير/كانون الثاني إمكانية إعادة فتح سفارتها في سوريا، إلا أن دمشق وافقت في وقت سابق من أبريل/نيسان الماضي على طلب قطر بمنح الخطوط الجوية القطرية الإذن باستخدام المجال الجوي السوري. وأكد هذا التطور على عملية إعادة التأهيل التي تتعرض لها أو تمارسها حكومة "الأسد".

ويقول الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية إن الحوار مع الحكومة السورية لا يمكن أن يبدأ إلا بعد توحيد المعارضة السورية وإشراكها في النظام السوري تحت راية واحدة. ومع ذلك، في وقت سابق من هذا الشهر، حضر ممثلون سعوديون تجمعا في بغداد، مع مسؤولين من سوريا وإيران وتركيا، مما يشير على الأقل إلى بعض الاستعداد من جانب القيادة السعودية للبدء في التعامل مع نظام "الأسد" باعتباره الحكومة السورية الشرعية.

وهناك أيضا العديد من التقارير الناشئة من مصادر قريبة من السلطات في دمشق وموسكو تشير إلى أن الرياض على وشك إعادة العلاقات مع سوريا.

وترتبط مخاوف الكويت أكثر برغبة الأمير "الصباح" في متابعة التقارب مع دمشق بمجرد أن يقرر أعضاء الجامعة العربية إعادة تقبل سوريا. لكن مشكلة الكويت الأخرى تتعلق بالأموال التي تم التبرع بها للتمرد المعادي لـ "الأسد" من قبل السلفيين الكويتيين المحافظين، وهو عامل لا يزال يعوق العلاقات وراء الكواليس.

وعلى الجانب الآخر، تحركت حفنة من الدول العربية التي كانت تقف في السابق ضد "الأسد" بطريقة أو بأخرى نحو إعادة النظر في شرعيته.

وعلى الرغم من أن الإمارات والبحرين لم يكونا أبدا داعمتين للمعارضين السوريين مثلما فعلت السعودية أو قطر، ويرجع ذلك أساسا إلى مخاوف أبوظبي من وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا ما بعد "الأسد"، وشراكة البحرين المتنامية مع روسيا، فقد استعادت كلتا الدولتين علاقاتها مع سوريا في ديسمبر/كانون الأول، بعد قطع العلاقات في وقت سابق خلال الحرب الأهلية السورية. وفي ديسمبر/كانون الأول أيضا، زار الرئيس السوداني آنذاك "عمر البشير" دمشق، كأول رئيس دولة عربية يلتقي "الأسد" في العاصمة السورية منذ عام 2011.

وأعربت المغرب وتونس أيضا عن تفضيلهما لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وظهرت تقارير العام الماضي حول خطط للرئيس الموريتاني لزيارة "الأسد" في دمشق. وكانت مصر قد تحولت من كونها معادية لـ "الأسد" إلى حليفة بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

ومن الواضح أن الجزائر ولبنان والعراق وسلطنة عمان، التي لم تقطع علاقاتها مع سوريا في أي وقت منذ عام 2011، ليس لديها أي اعتراضات على قيام الحكومات العربية الأخرى بإعادة العلاقات مع دمشق.

ويدعم عدد متزايد من الدول العربية إعادة تبني الحكومة السورية بسبب مشاكلها الداخلية. ومن شأن رفض إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق إلى أن يطبق نظام "الأسد" الإصلاحات اللازمة أن يشكل سابقة لا توجد دولة في المنطقة لديها أي مصلحة في دعمها. وربما تكون الحكومات في الجزائر والبحرين والعراق والسودان قد نجت من انتفاضات عام 2011، لكنها تواجه اليوم أزمات سياسية داخلية كبيرة وتحولات دقيقة.

مخاوف الانتقال

ومن الناحية الواقعية، مع تحدى شرعية العديد من الحكومات العربية من قبل قطاعات من مجتمعاتها الخاصة، ومع تنحي القادة الأكبر سنا أو الإطاحة بهم، فليس لدى النخبة الحاكمة في معظم العواصم العربية مصلحة في أن نشهد انتقالا "على غرار تونس" من الاستبداد إلى الديمقراطية في أي دولة عربية، بما في ذلك سوريا.

وعلى الرغم من عدم إعادة سوريا إلى حظيرة الجامعة العربية في أواخر الشهر الماضي في تونس، فقد أعرب قادة الدول الأعضاء عن تضامنهم مع القيادة في الجزائر والخرطوم، قبل الإطاحة بالبشير فعليا في وقت لاحق. وأظهر هذا الخطاب مستوى من الدعم بين النظم العربية، في وقت يزداد فيه عدم الاستقرار في العالم العربي. وبطبيعة الحال، تبشر هذه الظروف الإقليمية بالخير بالنسبة لاحتمالات إعادة دمج حكومة "الأسد" بشكل كامل دبلوماسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتدخل قضايا الأمن كورقة مهمة أيضا. وبالنظر إلى أن العشرات من الجماعات العنيفة التي سفكت الدماء في سوريا عابرة للحدود بطبيعتها، ومعروفة بأنها تسعى لعبور الحدود الدولية في سعيها المستمر لمناطق جديدة لتأكيد نفوذها، تفضل الدول العربية التعاون مع الحكومة السورية في ملف مكافحة الإرهاب.

ويقوى هذا الاهتمام بشكل خاص مع تونس والدول العربية الأخرى التي تضم الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، الذي قد يحاولون العودة إلى بلادهم الأصلية. علاوة على ذلك، مع اشتداد الحرب الأهلية الليبية، واستغلال تنظيم الدولة للعنف المتصاعد لإعادة تأكيد نفسه في المشهد السياسي الهش في البلد الواقع في شمال أفريقيا، فمن المرجح أن ترى الحكومات في المغرب العربي أن المصالحة مع دمشق أمر حكيم لأغراض تبادل المعلومات الاستخباراتية أثناء عبور المسلحين إلى بلاد المنطقة.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن سوريا مستعدة لمواصلة إعادة دمجها التدريجي في الساحة الدبلوماسية الرئيسية في العالم العربي. وفي حين أن لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية وجهة نظر فريدة حول الأزمة السورية، فضلا عن قيادة "الأسد"، تسعى المزيد من الحكومات العربية لاستعادة العلاقات مع دمشق.

لكن على الأرجح، سوف تبقى مسألة إعادة قبول نظام دمشق في الجامعة العربية، عندما يحدث ذلك في النهاية، مثيرة للجدل في المنطقة.

ومن المحتمل أن تنقسم الدول العربية بين أنظمة مثل الجزائر ومصر، التي تعتبر "انتصار" "الأسد" بمثابة انتصار لقوى "العلمانية" على الإرهاب الجهادي، وتلك الدول التي تعتبر "الأسد" مجرم حرب أعادت المنطقة احتضانه.

المصدر | جورجيو كافييرو وثيودور كاراسيك - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

تطبيع اقتصادي.. 40 رجل أعمال إماراتيا يزورون دمشق

يديعوت أحرونوت: عودة سوريا للجامعة العربية بيد أمريكا فقط

سوريا مقابل اليمن.. صفقة روسية لتخفيف التوتر بين السعودية وإيران