إمامة أول مسجد مختلط بفرنسا: نطمح للتجديد وتحقيق المساواة

الأحد 5 مايو 2019 11:05 ص

اختار أصحاب فكرة إنشاء أول مسجد في العاصمة الفرنسية باريس، اسم "مسجد فاطمة" له، والذي ستتولى فيه الإمامة سيدة، ويختلط فيه الرجال والنساء مع حرية وضعهن للحجاب من عدمه؛ في خلاف جذري مع الممارسة المُتّبعة في المساجد بفصل الرجال عن النساء، والتزامهن بالحجاب.

ويأمل القائمون على دار العبادة في أن يرى مسجدهم النور قريبا؛ رغم أن غالبية الحاضرين خلال اجتماع أقيم في وقت سابق حول تأسيس المسجد، رفضوا فكرة تعيين أئمة نساء، لأن الفكرة قد تقوض فرص قبول المشروع لدى الغالبية العظمى من المسلمين، الذين يفترض أنهم الممول الأساسي له.

وقوبلت المبادرة بانتقادات واسعة داخل أوساط المسلمين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل كثيرون عن الهدف الحقيقي من ورائها، خاصة أن المسلمين في هذا البلد يواجهون في الوقت الراهن تحديات أهم، يقول البعض إنه وجب التركيز عليها أكثر.

كما لاقت المبادرة معارضة صارمة من غالبية المؤسسات التي تمثل المسلمين في فرنسا.

ومع ذلك فقد عبّر أصحاب هذه المبادرة عن تصميمهم على المضيّ قُدماً في مشروعهم الذي يقولون إنه "مسجد ليبرالي"، يسعى إلى القطيعة مع الطرق التقليدية لممارسة الشعائر وفهم النصوص الدينية.

وفي مقابلة مع صحيفة "القدس العربي"، قالت صاحبة هذا المشروع "كاهنة بهلول"، الباحثة المتخصصة في الدراسات الإسلامية، خاصة فكر "ابن عربي"، ورئيسة جمعية "حدثني عن الإسلام"، أوضحت أهداف مشروع "مسجد فاطمة" وأسباب توليها المفترض للإمامة فيه.

لماذا "مسجد فاطمة"؟

وتقول "إمامة المسجد" أن فكرة المشروع قدمتها صديقة لزميل لها يُدعى "فاكر كورشان"، وهو أستاذ الفلسفة ومؤسس جمعية "من أجل إحياء الفكر المعتزلي"؛ وذلك "انطلاقاً من رفضنا للواقع الحالي للمساجد في فرنسا التي تعكس إسلاما متزمتا لا يقبل التأويل لقراءة النصوص التراثية".

وتابعت أن "هناك تمييز كبير بحق المسلمات، بحيث لا يسمح لهن بالدخول إلى قاعات الصلاة الرئيسية ويجدن أنفسهن معزولات في قاعات ضيقة لا تصلح للصلاة. ضف على ذلك، أن العديد من المسلمين في فرنسا لا يجدون تناغما مع الخطاب الحالي المقدم في المساجد، والذي يقوم على الفكر التقليدي الذي عفا عليه الزمن".

مضيفة: "هؤلاء، وأنا من بينهم، سئموا من استمرار هذا الوضع الحالي وباتوا يريدون خطابا جديدا لتوصيل الرسالة الدينية، بمنظور حداثي يتواكب مع ما وصل إليه البحث العلمي في مجالات العلوم الإنسانية والأنثروبولوجيا".

كما استطردت "أريد أن أوضح أن 'مسجد فاطمة' ليس حكرا على النساء، والاختلاط داخله ليس عشوائيا. فهناك قواعد فيما يخص التنظيم في المسجد، إذ سيتم تخصيص جانب للرجال وآخر للنساء، لكنهم سيقفون في صف واحد داخل القاعة نفسها".

وأوضحت مستشهدة بالسيرة النبوية، أن "مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الرجال في الأمام والنساء في الخلف، لكن اليوم في المساجد في فرنسا مثلا تغير الأمر وأصبحت النساء في قاعات منفصلة تماما ومعزولة، وهو أمر مرفوض".

وعن نشأتها وموطنها الأم، تقول: "قبل القدوم إلى فرنسا، ترعرعت في بلدي الأم الجزائر وكان الرجال والنساء يصلون في القاعة نفسها"، مضيفة: "لكن للأسف، التعصب الفكري والديني الذي أصبح في تزايد في السنوات الأخيرة، هو الذي قاد إلى ما نحن عليه اليوم من تهميش للمرأة. والنظرة التقليدية المتزمتة التي تقول إن من الأحسن للمرأة الصلاة في بيتها، ما هي إلاّ وسيلة لإقصاء المرأة وإبقائها في البيت".

وتعتبر "بهلول" أن المُشكلة اليوم تكمن في نسيان المبادئ الأساسية التي ذكرها القرآن الكريم، ونركز أكثر على بعض القراءات التقليدية التي هي من منظور أبوي ولا تعطي للمرأة أي مكانة في المجال الديني، بحسب تعبيرها.

وتقول "اليوم، خاصة في فرنسا وأوروبا، هناك ردود فعل تطالب بنظرة حداثية لممارسة الطقوس الدينية".

حرية ارتداء الحجاب أو خلعه

ويُشار أن مسجد فاطمة لا يسمح فقط بالاختلاط، ولكن أيضا تمتلك فيه المرأة خيار عدم ارتداء الحجاب؛ وستؤم الصلاة فيه امرأة هي "كاهنة بهلول"، مما قد يسبب سخطا واسعا من رواده من المسلمين.

وحول ذلك، تقول: "فيما يخص الإمامة، سأتولاها أنا بالتناوب مع زميلي كورشان، وسنقوم بالشيء نفسه بخصوص خطبة الجمعة التي ستكون هي الأخرى بالتناوب. فهذا المسجد الذي نأمل أن يرى النّور قريبا يقوم على المساواة في كل شيء". وتضيف أنه "من الخطأ الاعتقاد أن إمامة المرأة مسألة جديدة في الإسلام".

وتستشهد "بهلول" بحديث يُبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم عّين لإحدى نساء المسلمين من يؤذن لها ورخص لها بأن تؤم أهل دارها، وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذا الحديث، مع ترجيح مقصده بأنها تؤم أهل بيتها من النساء، وبشروط أولها أن تكون سيدة مسنة وأعلم بالقرآن.

وتستطرد "كاهنة بهلول" أن "الإسلام ليس مثل المسيحية حيث توجد سلطة دينية مركزية تحدد كل ما يتوجب أن تقوم به الكنائس. صحيح أن لدينا في الإسلام علماء ومؤسسات دينية تعتبر مرجعيات على غرار الأزهر، لكن الدين الإسلامي يشجع على الاجتهاد. كما أن هناك علاقة مباشرة بين العبد وخالقه. ومشروع 'مسجد فاطمة' يندرج في إطار الاجتهاد".

تحديات ومواجهات

وحول أبرز التحديات التي واجهتهم، تقول: "ما زلنا في طور البحث عن قاعة للصلاة، والمشاورات وتطوير العلاقات مع المساجد، من أجل أن تصبح لدينا كلمة معترفا بها من قبل كل الجهات الرسمية حتى يكون لمذهبنا وهو 'الإسلام اللبرالي' كلمته في فرنسا".

وتضيف: "نواجه أيضا تحدي التمويل، لأن مسجد فاطمة وخلافا لغالبية المساجد في فرنسا، المُمولة من قبل جهات خارجية، لا يحظى بدعم أي جهة. سنعتمد فقط على تمويل مسلمي فرنسا من الرجال والنساء".

وتتابع مستنكرة التناول الإعلامي لقضية المسجد المختلط بقولها: "هناك نقطة تركز عليها بعض وسائل الإعلام بشكل مبالغ فيه، بحيث أصبح يشار إلى مشروعنا وكأنه يركز على حماية حقوق المثليين وفتح قاعة لصلاتهم. أوضح بخصوص هذه النقطة أن مشروعنا يرحب بكل الناس والمصلين، والميول الجنسية هي مسألة شخصية".

وتختتم بقولها: "أننا في خطوة لبرالية جديدة تكاملية بين الفكر الصوفي، تحديدا فكر ابن عربي الذي أنا متخصصة فيه، والفكر الاعتزالي الذي يحاول زميلي فاكر تجديده. لذلك لا يمكن أن ننتظرا دعماً من التقليديين، لا في فرنسا ولا في العالم الإسلامي".

وبحسب الفتاوى الإسلامية الموثقة، فإنه لا يجوز ولا يصح أن تؤم المرأة الرجال في الصلاة لما رواه "البخاري" عن "أبي بكرة" قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". وإمامة الصلاة ولاية.

وأما حديث "أم ورقة" الذي استشهدت به "كاهنة بهلول" الطامحة لإمامة المسجد، فمحتمل، وعارضه ما هو أقوى منه من الأدلة، ولما في إمامتها بالأجانب في المساجد ونحوها من الفتنة ولذلك كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

ومع أن الشرع رخص لها بالصلاة في المسجد إلا أنه جعل لذلك ضوابط تدفع الفتنة، وذلك أنه حثها على الصلاة خلف الرجال والابتعاد منهم ونهاها عن رفع رأسها من السجود قبل أن يرفع الرجال وأرشد إلى انصرافها قبلهم وخروجها متسترة وغير متطيبة

المصدر | الخليج الجديد + القدس العربي

  كلمات مفتاحية